الصين وتعزيز الروابط بين المدن

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتمدت الصين منذ عام 2000، الخطة الطويلة الأجل لزيادة الدخل، والحد من عدم المساواة، وحماية البيئة على التقدم المناسب للابتكار والتحضر. على وجه التحديد، تأمل الصين إنشاء تجمعات حضرية خضراء وفعّالة يسكنها عمال متعلمون على نحو متزايد يستهلكون بطريقة مستدامة.

تمنح النظرية الاقتصادية الحالية بعض التوجيهات حول كيفية تحقيق الدائرة الفعّالة لزيادة الدخل والإنتاجية، والتي تعتبر ضرورية بالنسبة للمدن الديناميكية والمزدهرة. ولكن باستخدام منهجية BREEP، أدركت الصين أن رفض منهج مقاس واحد يناسب الجميع وتعزيز التنافس بين المدن سيساعدها على تحقيق اختراقات في استراتيجيات التنمية.

وفي عام 2010، حدد مجلس الدولة الصيني ثلاث مجموعات حضرية رئيسية كمنصات إطلاق للتحضر الذكي: دلتا نهر يانغتسي (YRD)، ودلتا نهر اللؤلؤ (PRD)، ومجموعة بكين - تيانجين - هيبي (BTH). وبحلول عام 2014، تحولت منطقة دلتا نهر اللؤلؤ إلى منطقة الخليج الكبرى (GBA)، والتي تغطي تسع مدن حول منطقة دلتا نهر اللؤلؤ في جنوب قوانغدونغ، هونغ كونغ وماكاو.

وكما يشير تقرير حديث صادر عن إتش إس بي سي HSBC «واحدة من أكبر مؤسسات الخدمات المصرفية والمالية في العالم»، فإن كل مجموعة من أكبر ثلاث مجموعات حضرية في الصين لديها إجمالي ناتج محلي أعلى من أسبانيا، وسوف يمثلون 45٪ من إجمالي الناتج المحلي الصيني بحلول عام 2025. ومن بين هؤلاء، تكون منطقة الخليج الكبرى أصغر من الناحية السكانية، حيث يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة، مقارنة بـ 120 مليوناً في دلتا نهر يانغتسي و112 مليوناً في بكين - تيانجين - هيبي. ومع ذلك، فإن منطقة الخليج الكبرى تساهم بـ 1.5 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي للصين - أي ما مجموعه 12٪ - والذي يمثل 37٪ من إجمالي صادرات البلاد. إن نمو الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة هو أعلى بكثير من بقية الصين.

تعد مدن منطقة الخليج الصيني الكبرى موطناً لتركيز عالٍ من الشركات الخاصة الديناميكية، مثل تينسينت وميديا وهواوي. كما أنها تمثل المجموعة الحضرية الأكثر ابتكاراً في الصين، حيث تولد أكثر من 50٪ من طلبات براءات الاختراع الدولية في البلاد. ووفقاً لتقرير إتش إس بي سي، فإن مدن منطقة الخليج الكبرى هي الأقل مثقلة بمشكلات الشركات المملوكة للدولة غير الفعّالة.

السبب بسيط للغاية: تتوجه هذه المنطقة نحو السوق أكثر من نظرائها، كما تعتبر هونغ كونغ وماكاو الأكثر انفتاحاً على العالم الخارجي من أي مدن صينية أخرى. لا تسمح كلتا المدينتين بالتدفق الحر للسلع والخدمات ورأس المال والتكنولوجيا والمواهب والموارد فحسب، ولكنهما تفيان أيضاً بالمعايير العالمية من حيث اللوائح والممارسات التجارية والبنية التحتية الناعمة وأنماط الحياة.

وبطبيعة الحال، لا يكتفي قادة الصين ببساطة بالاعتماد على أمجاد تجمعاتهم الحضرية الناجحة، على العكس من ذلك، فهم يعملون على تطبيق دروسهم في جميع أنحاء البلاد. على سبيل المثال، ابتداءً من عام 2013، أخذت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين دروساً معمقة من فوشان، إحدى أكثر المدن ديناميكية في منطقة الخليج الصيني الكبرى، وذلك من أجل التخطيط لمزيد من التطوير للمجموعة عن طريق تنفيذ استراتيجيات أفضل وأكثر إبداعاً.

استعرضت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح دراسات حول التحضر الذكي من قبل البنك الدولي، وماكينزي، وغيرهما، من أجل معرفة كيف يمكن للتجمع دعم النمو الاقتصادي والابتكار، ولدعم أبحاثهم، عمل مخططو اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح مباشرة مع مسؤولين محليين ومستثمرين وخبراء أجانب.

ثم بدأت مرحلة الاختبار، مع إنشاء منطقة التجارة الحرة في شانغهاي ومنطقة التجارة الحرة الرائدة في تشيانهاي- شيكو. وقد أدت تقييمات هذه التجارب إلى إعلان العام الماضي عن إنشاء المزيد من المناطق الاقتصادية الحرة، فضلاً عن منطقة شيونغان الجديدة، وهي خطة طموحة لتحويل - باستخدام التكنولوجيا المتطورة - السهول المغبرة في هيبي بالقرب من بكين وتيانجين إلى مدينة نموذجية خضراء ديناميكية.

في الواقع، تقوم الصين حالياً بإنشاء 19 «مجموعة مدينة مثالية»، من خلال تعزيز الروابط بين المدن. وبحلول عام 2030، وفقاً لتوقعات إتش إس بي سي، ستشكل هذه المجموعات نسبة 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ينبغي على الصين أيضاً العمل على تعزيز نمو أسرع في التجمعات الحضرية التي نجحت بالفعل. وتشمل مدن منطقة الخليج الكبرى، هونغ كونغ - موطناً لأفضل 100 جامعة في العالم - والتي تتمتع بميزة نسبية واضحة في الأبحاث الأساسية. وفي الوقت نفسه، تمتلك مدن شنتشن ودونغوان وفوشان ومدن أخرى في منطقة الخليج الصيني الكبرى قدرة قوية على البحث والتطوير المبتكر والموجه نحو السوق بالإضافة إلى التصنيع. وبالتالي، سيؤدي تحسين الاتصال داخل منطقة الخليج الكبرى إلى دعم الابتكار في كل جزء من سلسلة التوريد، والذي سيؤدي بدوره إلى منتجات يمكن بيعها لمستهلكي الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة وملاءمتها مع الأسواق العالمية.

قد لا يكون التهديد بحرب تجارية خبراً ساراً للصين، لكنه لن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد. يتمثل التحدي الحقيقي الذي تواجهه الصين في الاستفادة من التجمعات الحضرية الديناميكية مثل منطقة الخليج الصيني الكبرى، ليس فقط لخلق النمو، ولكن أيضاً لمعالجة التحديات الهيكلية، مثل عدم المساواة والفائض في القدرات، بطرق مستدامة من الناحية المالية والبيئية.

* زميل متميز في معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة حول التمويل المستدام

** رئيس مؤسسة هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ بكلية الأعمال بجامعة بكين وكلية الأعمال والاقتصاد في جامعة هونغ كونغ.

Email