التفكير خارج الصندوق

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه هي المرة الأولى في تاريخ إيطاليا بعد الحرب التي يحاول فيها ائتلاف من أحزاب تنتمي إلى أطياف سياسية متطرفة تشكيل حكومة في غياب أي مساهمة من القوى الوسطية. من جانبهما، تمثل حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة جمهورين انتخابيين مختلفين، ولكن ربما متداخلين. ففي حين يقع معقل حركة النجوم الخمسة في الجنوب الإيطالي الفقير، فإن حزب الرابطة يتمركز في شمال البلاد المزدهر، حيث يبدي مجتمع كبير من الأعمال والمشروعات الصغيرة الخوف من الهجرة، والعولمة، والضرائب المرتفعة.

ولا يمثل أي من الحزبين الإيطاليين المواطنين الراغبين في التغيير لكنهم ما زالوا يدعمون عضوية إيطاليا في الاتحاد النقدي الأوروبي. وكانت أصوات هؤلاء الناخبين خافتة نسبياً، لكن ماتاريلا يعمل الآن على توجيهها بصلابة وعناد.

وربما تُعقَد انتخابات جديدة في خريف هذا العام أو أوائل عام 2019. وفي الحالتين، سوف تكون الانتخابات الآن أشبه باستفتاء على اليورو في الأساس. وسوف تكون الحملة مريرة ومثيرة للانقسامات، ولن تؤدي النتائج إلى توليد قدر أكبر من اليقين بشأن المستقبل. من المقرر أن تعقد انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019، ولا شك أن الموقف في إيطاليا سيحرك الأحزاب القومية والمتشككة في أوروبا والتي تأمل في تغيير التوازن السياسي في الاتحاد الأوروبي.

ولأن إيطاليا دولة مؤسسة للاتحاد الأوروبي وتحترم تقاليد مؤيدة لأوروبا منذ القدم، فربما يستحق الأمر أن نتساءل: كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وكيف ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستجيب؟.

تمتد جذور المشكلة الاقتصادية في إيطاليا إلى الإنتاجية المنخفضة، والعوامل الديموغرافية غير المواتية، والإدارة الضعيفة في أجزاء عديدة من البلاد ــ وكل هذا يسبق تاريخ تقديم اليورو في عام 1999. ففي حين كان قادة التيار السياسي الرئيسي في إيطاليا يأملون أن تعمل عضوية منطقة اليورو على خلق الظروف اللازمة لإجراء إصلاحات اقتصادية بعيدة المدى، فقد حرم اليورو إيطاليا من القدرة على خفض قيمة العملة تنافسياً.

باستثناء اليونان، كان أداء إيطاليا أسوأ من أي دولة أخرى في منطقة اليورو منذ الأزمة المالية في عام 2008. ولكن لا جدوى من ممارسة لعبة اللوم. فالمسؤولية تقع جزئياً على عاتق الاتحاد الأوروبي وقواعده السياسية المجارية للدورة الاقتصادية، لكنها تقع في الأساس على عاتق قادة إيطاليا السابقين الذين فشلوا جميعاً في معالجة مشكلاتها البنيوية.

تختلف القصة الإيطالية عن السرد الأيرلندي والإسباني والبرتغالي حول الازدهار والكساد في السنوات الأخيرة. فلم تشهد إيطاليا طفرة مدفوعة بالائتمان خلال العقد الأول من عضويتها في اليورو، ولم تشهد انهياراً تقليدياً. الواقع أن المشكلات التي تعاني منها البلاد بنيوية وسوف تتطلب برنامجاً إصلاحياً خَلّاقاً يعالج الأسباب العميقة وراء أدائها الاقتصادي الهزيل على مدار السنوات العشرين الماضية أو يزيد. وللأسف، لن ينجح الانضباط المالي الذي أوصى به الاتحاد الأوروبي ولا الإسراف المالي على الطريقة الشعبوية في إصلاح هذه المشكلة الجوهرية.

بدلاً من ذلك، تحتاج إيطاليا إلى عمل قوي دؤوب لمساعدة الأجزاء الإنتاجية حقاً من الاقتصاد على النمو بشكل أسرع واستغلال الطلب الخارجي المحتمل. وبدلاً من تصميم سياسات صناعية لدعم الخاسرين، ينبغي لإيطاليا أن تعمل على توفير الفرص للوافدين الجدد إلى السوق، لعكس معدل الهجرة المرتفع بالاستعانة بشباب ماهر. كما تحتاج إيطاليا إلى المزيد من الاستثمارات العامة في البنية الأساسية والتعليم، وهو ما يتطلب التصدي للفساد، والعمليات القضائية غير الفعّالة، والمؤسسات المحلية التي تفتقر إلى الكفاءة ــ وهي المشكلات التي لازمت جنوب إيطاليا بشكل خاص.

إلى جانب هذه الأجندة المحلية، تحتاج إيطاليا أيضاً إلى ملاحقة الإصلاحات فيما يتصل بالاتحاد الأوروبي، بدءاً من تخفيف القيود المفروضة على الإنفاق العام على الاستثمارات الداعمة للنمو والشراكات الجديدة. وسوف يتطلب المزيد من الاستثمار إتاحة حيز مالي إضافي. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن إيطاليا والاتحاد الأوروبي في احتياج إلى أفكار جديدة، والمزيد من الثقة المتبادلة.

بطبيعة الحال، يظل من غير المعلوم ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد يشارك حتى في مثل هذه المناقشة في غياب قيادة إيطالية جديرة بالثقة. الواقع أن قواعد الاتحاد الأوروبي من غير الممكن أن تستوعب بسهولة المشكلات التي تبتلي دولة غير قادرة على ضبط مديونياتها نتيجة للنمو الضعيف بنيوياً ــ حتى وإن نجحت في تحقيق فائض أولي كبير لسنوات.

على نطاق أوسع، وفي حين كانت المناقشة الدائرة حول إصلاح الحوكمة الاقتصادية في منطقة اليورو تركز لفترة طويلة على تعزيز آليات تقاسم المخاطر لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية والأزمات المالية، فإن هذا التأكيد في غير محله بعض الشيء في حالة إيطاليا، لأنه لا يقدم أي علاج للضعف البنيوي. وسوف تتطلب معالجة الضعف البنيوي قدراً أعمق من التعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي في ما يتصل بأجندة النمو، التي تستلزم عقد اتفاق رسمي بشأن توقيت وجدول ضبط الأوضاع المالية.

الواقع أن الأجندة الاقتصادية التي تقترحها الأحزاب في إيطاليا خيالية وغير مقنعة. لكن هذا ليس عذراً للاتحاد الأوروبي للحفاظ على الوضع الراهن. وقد حان الوقت لكي يبدأ قادة الاتحاد الأوروبي التفكير خارج الصندوق لصياغة استراتيجية نمو لرابع أكبر دولة في الكتلة. وعند هذه النقطة، تبدو إيطاليا أشبه باليابان وليس إسبانيا أو البرتغال، ويجب أن تعكس السياسات هذه الحقيقة.

لقد أصبحت إيطاليا والاتحاد الأوروبي عند منعطف مهم. وفي غياب العمل المنسق المتضافر، ربما نسير نائمين نحو أزمة يورو أخرى ــ أزمة قد يكون التغلب عليها أصعب كثيراً من الأزمة الأخيرة، أزمة ربما تهدد التركيبة الحالية للاتحاد الأوروبي ذاته.

* مدير الأبحاث في البنك المركزي الأوروبي سابقاً، وأستاذ الاقتصاد في كلية لندن إدارة الأعمال.

Email