مقاربة إصلاحية ليبرالية للأرجنتين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الاقتصادي الراحل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رودير دورنبوش يقول لطلابه في الثمانينيات إن هناك أربعة أنواع من البلدان: الغنية والفقيرة واليابان والأرجنتين. لم يعد أحد يشعر بالقلق من أن تشتري اليابان طريقها من أجل الهيمنة على العالم، ولكن العالم يشعر بالقلق مجدداً بسبب الأرجنتين.

لقد عانت البلاد أخيراً هجوماً تقليدياً على عملتها، ففي 24 أبريل كسرت الفائدة على سندات الخزانة الأميركية لمدة عشر سنوات حاجز 3% لأول مرة منذ سنة 2014، وفي اليوم نفسه بدأ المستثمرون التخلي عن البيزو الأرجنتيني، والسعي للحصول على أمان الدولار المرتفع، ومن أجل تثبيت عملتها بمعدل منخفض للغاية، اضطرت الأرجنتين إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير، لتصل إلى 40%، وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي.

بعد كل هذا الاضطراب، حلّ الهدوء على الأسواق لمدة أسبوعين، والآن حان الوقت لتقييم الأخطاء التي حصلت، وما الذي يجب على الأرجنتين أن تفعله من أجل منع عودة حالة عدم الاستقرار مجدداً.

يحكم الأرجنتين منذ ديسمبر 2015 مصلح صديق لاقتصاد السوق، فالرئيس موريسيو ماكري وفريقه من التكنوقراط المدربين بشكل جيد هم أفضل بكثير، ونظراً إلى أن أياً من فريق ماكري لم يتولَّ أي منصب حكومي بالسابق، فلقد استخف المحللون والمستثمرون في البداية بمهاراتهم السياسية، ولكن ماكري قد أظهر حتى الآن أنه يمكن أن يكون إدارياً جيداً وسياسياً محنكاً.

لقد حصلت أزمة العملة لشخص جيد جداً مثل ماكري، ولكنها حصلت.

لقد كان ماكري مدركاً للتاريخ الطويل من المحاولات الفاشلة «لعلاج الاقتصاد بالصدمة»، وعليه قرر أن يصلح الفوضى المالية التي ورثها تدريجياً، فخفّض الدعم على الوقود والطاقة وبعض المصروفات غير الضرورية، ولكنه قرر كذلك -وهو قرار منطقي- تخفيض ضرائب التصدير، من أجل تحفيز النمو، وكنتيجة لذلك انخفض العجز المالي، ولكنه كان لا يزال نحو 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، واضطرت الحكومة إلى الاقتراض من الخارج بشكل كبير من أجل سد النقص.

يدعي النقاد أن التعديل المالي كان بطيئاً جداً، ولكنّ الأسواق بدت غير مهتمة بحقيقة أن الفجوة في الميزانية الرئيسة في البرازيل المجاورة هي 8% من الناتج المحلي الإجمالي. نعم، إن العجز بالحساب الجاري في الأرجنتين يتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما الموقف الخارجي البرازيلي متوازن تقريباً، ولكنّ هذا يُظهر أن القطاع الخاص في الأرجنتين يستثمر ما يوفره، بينما الشركات الخاصة البرازيلية تركز على تخفيض الديون بسرعة مع استثمار محدود للغاية.

إن الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة المحلية كان ضرورياً، ليس من أجل تحقيق استقرار العملة فقط، ولكن أيضاً من أجل جعلها جذابة للمستثمرين، لتمديد مبالغ كبيرة من سندات البيزو التي كانت مستحقة في أوائل مايو، علماً بأن التمديد نجح، واستقر البيزو عند معدل 25 بيزو للدولار، والآن ما الذي سيحصل؟

إن عمليات التداول المحمول اليوم جذابة للغاية، وخاصة للأوراق المالية التي يكون تاريخ استحقاقها طويل المدى، وذلك نظراً إلى أن نقطة التعادل تحصل عند وجود أقل سعر للصرف لعقود من الزمن. لو تبين أن البيزو الأرجنتيني هو أقوى من ذلك بالحقيقة، كما هو محتمل، فإن المستثمرين قد يربحون أموالاً كثيرة، وعليه فإن من الذكاء اليوم المراهنة على البيزو وليس ضده.

لكنّ معدلات الفائدة بسعر 40% لا يمكن استدامتها لفترة طويلة بدون الإضرار بالمصداقية، وعليه يجب إقناع الأسواق بأن التخفيض التدريجي في الأسعار معقول ومستدام، ومن أجل تجنب كرة الثلج غير المستدامة تلك، فإن من المرجح أن يخفّض البنك المركزي أسعار الفائدة تدريجياً، بعد إعلان تفاصيل حزمة صندوق النقد الدولي. إن من الأخبار الجيدة أن مخاطر التمديد المتعلقة بالسندات المحلية ليست مرتفعة كما تصوّر بعض الصحف، لأن حصة الأسد للبنوك المحلية ومؤسسات القطاع العام التي تمتلك احتياجات سيولة كبيرة ومستقرة.

يجب على صندوق النقد الدولي بدوره أن يعمل بسرعة، ولكن يجب عليه أن يفهم أن أي تعديل مفاجئ حاد يمكن أن يتسبب في ردة فعل سياسية قد تعرّض مصداقية الحزمة بكاملها للخطر. إن المعارضة البيرونية، التي تعتبر ضعيفة ومقسمة حتى الآن، تأمل بالعودة من خلال إشعال شرارة الاحتجاجات ضد خفض الميزانية والتعديلات الإضافية المتعلقة بأسعار الطاقة. إن الصندوق، نظراً إلى كونه مؤسسة دولية فوق السياسات المحلية، يجب أن يكون حذراً، حتى لا يعطي أياً من الأطراف المتنافسة الحجة التي يحتاج إليها قبل الانتخابات الرئاسية سنة 2019.

إن نجاح مقاربة إصلاحية ليبرالية ينطوي على أهمية تتجاوز حدود البلاد. إن الشعبويين من اليمين واليسار والبعض بتوجهات سلطوية يتصدرون استطلاعات الرأي في المكسيك والبرازيل قبل الانتخابات الرئاسية في البلدين في وقت لاحق من هذا العام، ومع وجود الشعبويين في السلطة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا، فإن عودتهم في أكبر بلدين من حيث التعداد السكاني في أميركا اللاتينية سيكون له أبعاد عالمية. إن بإمكان الأرجنتين، بتطبيقها للسياسات الصحيحة، وبدعم قوي من المجتمع الدولي، أن تُظهر أن هناك طريقة أخرى ممكنة.

Ⅶوزير مالية سابق في التشيلي، ومؤلف كتب وأبحاث عديدة عن الاقتصاد والتنمية الدولية، كما عمل في جامعات هارفارد وكولومبيا ونيويورك

Email