منطقة «اليورو» واستكمال الاتحاد المصرفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يزعم أمير صوفي من جامعة شيكاغو وعاطف ميان من جامعة برينستون أن التوسع الائتماني يقود إلى حالات ركود بالغة السوء، والتي تنشأ بمجرد خسارة الأسر لأي سبب من الأسباب القدرة على الوصول إلى التمويل الذي تحتاج إليه لترحيل ديونها. لكن هذه الحجة تغفل عاملاً أساسياً يتجسد في أزمة منطقة اليورو.

اقترن إنشاء اليورو بتحرير مالي واسع النطاق، بما في ذلك إلغاء ضوابط رأس المال وتطويع الإطار القانوني للسماح لأي بنك أوروبي بفتح أفرع في الخارج. وأدت هذه العملية إلى نشوء منافسة متنامية في القطاع المصرفي وزيادة مضطردة في نسبة البنوك الخاصة إلى البنوك العامة.

وكانت النتيجة التراجع الشامل في أسعار الفائدة طويلة الأجل، وزيادة الائتمان كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وأصبحت الأسر الأوروبية في كل مكان تقريباً أكثر مديونية، لكن تأثير هذا التوسع الائتماني في الاستهلاك الخاص كان مختلفاً بشكل جوهري في دول القلب في الاتحاد الأوروبي، حيث سجل فائض الحساب الجاري نمواً ملحوظاً، وفي دول المحيط الخارجي، حيث تراكم العجز.

ولكن كيف أنتجت نفس صدمة العرض الائتماني مثل هذه الاستجابات المتنوعة؟ كما تُظهِر دراسة حديثة، كانت عملية التحرير المالي في منطقة اليورو تعادل تحولاً أشد عمقاً للدول الطرفية مقارنة بدول القلب، وكانت الدول الطرفية تحتفظ بحسابات رأسمالية أقل انفتاحاً، وعدد أكبر من البنوك العامة نسبة إلى البنوك الخاصة، وأسعار فائدة طويلة الأجل أعلى، ونسب أقل من الائتمان إلى الناتج المحلي الإجمالي.

تزعم نفس الدراسة أن التوقعات الأساسية المرتبطة بعملية التحرير في الدول الطرفية الخاضعة لقدر أكبر من القمع المالي كانت أن أولئك الذين كانوا يفتقرون في السابق إلى القدرة على الوصول إلى الائتمان ــ ولنقل بسبب انخفاض دخولهم أو قِلة مدخراتهم ــ بات بوسعهم الآن أن يقترضوا، لتمويل المزيد من الاستهلاك. بعبارة أخرى، كانت الأسر منخفضة الدخل ــ التي تمثل نسبة كبيرة من السكان في الدول الأكثر تفاوتاً نسبياً في الدول الطرفية ــ هي التي لعبت الدور الأكبر في تغيير المواقف الخارجية لاقتصاداتها.

على النقيض من ذلك، في قلب منطقة اليورو، كانت النتيجة الأولية لتقديم اليورو في الأساس توفر فرص ادخار أكثر وأفضل، والتي اتسمت بتحسن المقايضات بين المخاطر والعائد. وقد أفاد هذا في الأساس الأسر الثرية، التي كان بوسعها على سبيل المثال أن تقترض لتمويل استثمارات طويلة الأجل بهدف تمويل الاستهلاك في المستقبل وليس الحاضر، ولأن الأسر الأعلى دخلاً تشكل حصة أكبر من الإجمالي في هذه الدول «حيث تميل مستويات التفاوت بين الناس أيضاً إلى الانخفاض»، فقد ظل الاستهلاك الكلي منخفضاً. ومع اتساع فجوة التفاوت بدءاً من تسعينيات القرن العشرين - وخاصة في ألمانيا - أصبح الحافز لدى هذه الأسر أكبر لزيادة مدخراتها.

بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، اشتدت حدة هذه الاتجاهات المتناقضة في الدول الطرفية ودول القلب، ودخلت منطقة اليورو في حالة من الركود. وفي الدول الطرفية، كانت المجموعات متدنية المهارة هي الأولى التي تطرد من سوق العمل. ومع تزايد نفور البنوك التجارية المتعثرة من خوض المجازفة، لم يعد بإمكان هؤلاء المستهلكين المكافحين الاقتراض لترحيل ديونهم وتمويل استهلاكهم الحالي، والذي توقف تماماً، مما أدى إلى تعميق الركود.

على النقيض من ذلك، في دول القلب، كان المقترضون الرئيسيون أثرياء، ولهذا كانوا الأقل معاناة. وإذا واجهوا صدمات دخل سلبية، فكان بوسعهم أن يستخدموا مدخراتهم لتخفيف الصدمات. وعلى هذا فإن شدة الركود كانت متوقفة ليس ببساطة على مستوى استدانة الأسر، بل على توزيع الدين عبر مستويات الدخل، وهذه أخبار طيبة إلى حد ما. فبعد أن تحملت الدول الطرفية صدمة التحرير المالي الأولية بالفعل، أصبح تأثرها بشكل غير معتدل بأحداث العرض الائتماني أقل ترجيحاً. وربما يعمل تحويل عملية تنظيم التحوط الكلي من المستوى الوطني إلى الاتحاد الأوروبي على تعزيز هذه النتيجة من خلال المساعدة على تنسيق سلوك الإقراض المصرفي.

لكن الأمر لا يخلو من عقبة واضحة فالتنظيم المالي على مستوى الاتحاد الأوروبي يقتصر على البنوك الجهازية الكبيرة. ومن غير المرجح نتيجة لهذا أن يؤثر في عمليات البنوك المحلية الصغيرة التي تقدم قروضاً صغيرة للمستهلكين الضجرين من ذوي الدخل المنخفض.

تتلخص أفضل طريقة لتعزيز مرونة منطقة اليورو المالية وقدرتها على الصمود في معالجة حوافز الاقتراض. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي تحسين وضع المقترضين من ذوي الدخل المنخفض من خلال استثمار الموارد الأوروبية في التعليم وجودة الوظائف، وحتى في دول القلب، ربما يساعد المزيد من المساواة في الفرص على تحسين الروح المعنوية، وبالتالي الحد من الادخار التحوطي. ولا بد من أن يلعب تحسين رأس المال البشري وزيادة تكافؤ الفرص دوراً بارزاً في المفاوضات حول الإطار المالي متعدد السنوات التالي في الاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل أن يقدم بنك الاستثمار الأوروبي أيضاً الدعم.

في ظل الوضع الحالي، يتلخص القاسم المشترك في اقتراحات إصلاح منطقة اليورو القائمة في استكمال الاتحاد المصرفي، والذي يعتقد كثيرون أنه ضروري للحد من التفتت المالي وكسر الحلقة المفرغة بين البنوك والديون السيادية. وهذه هي المنطقة حيث بات تحقيق التقدم أكثر ترجيحاً في الفترة التي تسبق اجتماع المجلس الأوروبي في يونيو. ولكن في حين يُعَد استكمال الاتحاد المصرفي خطوة إيجابية، فإنه سيظل منقوصاً في غياب الجهود الرامية للحد من التفاوت.

 

* مُحاضِرة السياسة الاقتصادية في جامعة يودين، وأستاذة سياسات الاقتصاد الكلي والإدارة في الاتحاد الأوروبي الزائرة في كوليدج أوروبا

opinion@albayan.ae

Email