تنافس جيوسياسي على الأمن العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتغير ديناميات الأمن في منطقة المحيط الهادئ ـ الهندي بسرعة. ولا تُعد المنطقة موطناً للاقتصادات الأسرع نمواً في العالم فحسب، بل أيضاً الأسرع نمواً في الإنفاق العسكري والقدرات البحرية، وهي أشد منافس على الموارد الطبيعية وأخطر البقع الإستراتيجية الساخنة. يمكنك حتى القول إنها مفتاح الأمن العالمي.

يؤكد الاستخدام المتزايد لمصطلح «المحيط الهندي-الهادئ» - والذي يشير بدوره إلى جميع البلدان المتاخمة للمحيط الهندي والمحيط الهادئ - بدلاً من «منطقة آسيا والمحيط الهادئ»، يؤكد على الطبيعة البحرية للتوترات الحالية. لقد أصبحت محيطات آسيا على نحو متزايد ساحة للتنافس على الموارد والنفوذ. والآن من المرجع أن الأزمات الإقليمية المستقبلية ستبدأ و /‏‏‏ أو تستقر في البحر.

كان السبب الرئيس لهذا التحول هو الصين، التي عملت على مدى السنوات الخمس الماضية على دفع حدودها إلى عمق المياه الدولية، من خلال بناء جزر مصطنعة في بحر الصين الجنوبي.

ومن خلال عسكرة هذه البؤر الاستيطانية - المقدمة إلى بقية العالم كأمر واقع - حولت اهتمامها الآن إلى المحيط الهندي، وبعبارة أخرى، غيرت الصين المشهد الاستراتيجي للمنطقة خلال خمس سنوات فقط. إذا لم تتدخل القوى الأخرى لمواجهة التحديات القادمة للوضع الإقليمي والبحري، فإن السنوات الخمس القادمة يمكن أن تعزز المزايا الإستراتيجية للصين.

وقد تكون النتيجة هي هيمنة النظام الإقليمي غير الليبرالي الخاضع لسيطرة الصين، الأمر الذي يضر بالنظام القائم على القواعد الليبرالية التي تدعمها معظم بلدان المنطقة. ونظراً للوزن الاقتصادي للمنطقة، فإن ذلك سيخلق مخاطر كبيرة على الأسواق العالمية والأمن الدولي.

للتخفيف من حدة التهديد، على بلدان المحيط الهادئ الهندي مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية، بدءاً من اتساع الفجوة بين السياسة والاقتصاد. على الرغم من عدم وجود التكامل السياسي وإطار أمني مشترك في المحيطين الهادئ الهندي، فإن اتفاقيات التجارة الحرة آخذة في الانتشار، وآخرها كان الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، والذي وقعت عليه 11 دولة. وقد أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي لمعظم الاقتصادات الإقليمية.

لكن التجارة المزدهرة وحدها لا يمكنها الحد من المخاطر السياسية، يتطلب ذلك إطارًا من القواعد والمعايير العامة والقابلة للتنفيذ. وعلى وجه الخصوص، ينبغي أن توافق جميع البلدان على إعلان أو توضيح مطالبها الإقليمية أو البحرية على أساس القانون الدولي، وتسوية أي خلافات بالوسائل السلمية - لا عن طريق القوة أو الإكراه.

سيتطلب إنشاء إطار إقليمي يعزز سيادة القانون التغلب على التحدي الثاني: «مشكلة التاريخ» في المنطقة. وترتبط جميع النزاعات حول الأراضي والموارد الطبيعية والنصب التذكارية للحرب ومناطق الدفاع الجوي والكتب المدرسية بطريقة أو بأخرى، بروايات تاريخية متنافسة، والنتيجة هي التنافس والتعزيز المتبادل للقومية التي تعرّض مستقبل المنطقة للخطر.

لا يزال الماضي يلقي بظلاله على العلاقة بين كوريا الجنوبية واليابان - وهما أقرب حلفاء أميركا في شرق آسيا. ومن جانبها، تستخدم الصين التاريخ لتبرير جهودها من أجل تحسين الوضع الإقليمي والبحري الراهن، ومحاكاة الغارات الاستعمارية لمنافسها اليابان في فترة ما قبل عام 1945. تستند جميع النزاعات الحدودية بين الصين وجيرانها الأحد عشر على المطالب التاريخية، وليس على القانون الدولي.

هذا يقودنا إلى التحدي الرئيسي الثالث الذي يواجه منطقة المحيط الهندي الهادئ: تغيير الديناميكيات البحرية. على خلفية تدفقات التجارة البحرية المتزايدة، تناضل القوى الإقليمية من أجل الوصول والتأثير والمزايا النسبية.

وهنا يكمن التهديد الأكبر في محاولات الصين الأحادية لتغيير الوضع الراهن في المنطقة. إن ما حققته الصين في بحر الصين الجنوبي له آثار استراتيجية أكبر وأطول أجلا ، وهذا يشير إلى أن المقاربة الأحادية الجريئة لا تتضمن بالضرورة الإنفاق الدولي.

أضف إلى هذه التحديات الجديدة - بدءاً من تغير المناخ والصيد الجائر وتدهور النظم الإيكولوجية البحرية إلى ظهور العناصر البحرية غير الحكومية مثل القراصنة والإرهابيين والنقابات الإجرامية - أصبحت البيئة الأمنية الإقليمية محفوفة بالمخاطر وغير مؤكدة بشكل متزايد. كل هذا يزيد من مخاطر الحرب، سواء كانت عرضية أو متعمدة.

وكما ورد في أحدث تقرير عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي، هناك «تنافس جيوسياسي بين الرؤى الحرة والقمعية في منطقة المحيط الهندي-الهادئ». ومع ذلك، وعلى الرغم من حقيقة أن جميع الفاعلين الرئيسيين في المنطقة يتفقون على أن النظام المفتوح القائم على القانون هو أفضل بكثير من الهيمنة الصينية، فإنهم لم يفعلوا حتى الآن سوى القليل لتعزيز التعاون.

لا يمكننا إهدار المزيد من الوقت. ينبغي أن تتخذ سلطات منطقة المحيط الهندي الهادئ تدابير أكثر حسماً لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتعيد تأكيد التزامها بالمعايير المشتركة، ناهيك عن القانون الدولي، وإنشاء مؤسسات قوية.

بداية، يجب على أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة إحراز تقدم في إضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الأمني الرباعي، حتى يتمكنوا من تنسيق سياساتهم بشكل أفضل ومواصلة توسيع تعاونهم مع اللاعبين المهمين الآخرين مثل فيتنام وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، وكذلك مع الدول الصغيرة.

من الناحية الاقتصادية والإستراتيجية، ينتقل مركز الثقل العالمي إلى منطقة المحيط الهندي-الهادئ، إذا لم يتحرك الفاعلون الإقليميون الآن لتعزيز نظام مفتوح قائم على القانون، فإن الوضع الأمني سيستمر في التدهور - مع عواقب قد تؤثر على العالم أجمع.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي وزميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين

opinion@albayan.ae

Email