مجموعة العشرين وتغيّر المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تولت الأرجنتين رسمياً رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر الماضي، لم يشمل جدول أعمال الرئيس موريسيو ماكري تغيّر المناخ كأولوية قصوى.

وخلافاً لرئاسة مجموعة العشرين السابقة، التي ربطت بين أهداف التنمية الاقتصادية والأهداف المتصلة بالمناخ، قررت الأرجنتين فصل القضايا.

يمكن إعفاء ماكري من افتراض أن القيادة الحذرة لمجموعة العشرين هي ما يتطلبه مصيره السياسي. وقد عانى في الانتخابات منذ أن بدأ عملية إصلاح مثيرة للجدل في نظام التقاعد في الأرجنتين.

ولكن إذا كان ماكري يعتقد أن التقليل من أهمية تغير المناخ هو ما تحتاجه بلاده، فهو مخطئ. في الواقع، فإن تحقيق قيادة أكثر جرأة لتغير المناخ لمجموعة العشرين يمكن أن يعود بالنفع على اقتصاد الأرجنتين، مع تعزيز موقف ماكري السياسي على الصعيدين الوطني والدولي.

ويعتبر ماكري جدول أعمال مجموعة 20 في الأرجنتين بمثابة «استراتيجية الشعب» من أجل «التنمية العادلة والمستدامة». خلال عملية النقل الرسمية في العام الماضي، عين ماكري الوظائف والبنية التحتية والأمن الغذائي كأولويات ثلاث. وقال أيضاً إن الأرجنتين ستستغل رئاسة مجموعة العشرين كفرصة للقيام بدور أكبر في تعزيز تعددية الأطراف.

ومن المستغرب أن تغير المناخ لم يصنف ضمن الأولويات القصوى للأرجنتين. ولعلها لا توجد قضية أخرى للتوحيد مثل التحدي الدولي لمكافحة الاحتباس الحراري. ومع ذلك، عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى تعددية الأطراف، تقوم استراتيجية الأرجنتين بتجنبها.

ولا يمكن لأي جدول أعمال سياسي يسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام أن يهمل المخاطر البيئية المحتملة. ويتطلب تحقيق تنمية مستدامة حقاً إكمال الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وقادر على التكيف مع تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، تأمل الأرجنتين جلب 26.5 بليون دولار من استثمارات البنية التحتية حتى عام 2022. وإذا كانت تريد الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بالمناخ، فسيتعين عليها أن تدرج الآثار المناخية الحالية والمتوقعة - فضلاً عن التقدم التكنولوجي السريع، ولا سيما في مجال الطاقة المتجددة - في خطتها.

ومن شأن إعطاء أهمية أكبر لتغير المناخ على جدول أعمال مجموعة العشرين أن يفيد على الأرجح ماكري سياسياً. في العام الماضي، وجد «لاتينوباروميترو»، وهو استطلاع سنوي للرأي العام في 18 بلداً من بلدان أمريكا اللاتينية، أن 71٪ من الأرجنتينيين يعتقدون أن مكافحة تغير المناخ يجب أن تكون ذات أولوية قصوى، بغض النظر عن العواقب الاقتصادية.

ولحسن حظ ماكري، يمكن لسياسات المناخ أن تعزز النمو. ووفقاً لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، فإن الجمع بين السياسات المناخية مثل تسعير الكربون والسياسات الاقتصادية الرامية إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية المستدامة من شأنه أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 2.8 في المائة في المتوسط في بلدان مجموعة العشرين بحلول عام 2050.

وقد حصلت الأرجنتين بالفعل على بعض هذه الفوائد: في عام 2017، جذب قطاع الطاقة النظيفة في البلاد 1.8 مليار دولار في الاستثمار، بزيادة قدرها 777٪ عن عام 2016.

ولهذا السبب، جعلت رئاسة مجموعة العشرين السابقة سياسة المناخ أساسية في جدول أعمال الكتلة. وفي عام 2016، استخدمت الصين وقتها على رأس مجموعة العشرين لدفع البلدان إلى التصديق على اتفاق المناخ في باريس عام 2015.

والذي يهدف إلى الحد من الزيادة في درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. وفي عام 2017، أنشأت ألمانیا فريق عمل معنياً بتغیر المناخ، والذي اندمج مع فريق آخر بشأن الطاقة لصياغة السياسات الرئيسية المتعلقة بالمناخ. ومن خلال تقديم قيادة قوية بشأن تغير المناخ، أعطت الصين وألمانيا الكتلة ما يطالب به أعضاؤها.

ومع تحرك الأرجنتين في الاتجاه المعاكس، يجب على البلدان التي جعلت من تغير المناخ أولوية قصوى - بما في ذلك بريطانيا وكندا والصين وألمانيا وفرنسا والمكسيك - أن تساعد على إعادة ماكري إلى طاولة المفاوضات. وينبغي أن تقع المسؤولية على عاتق القادة السياسيين في أوروبا، حيث تساءل الدبلوماسيون بشكل خاص عن استراتيجية الأرجنتين.

وعلى افتراض أن ماكري مستعد لمراجعة جدول أعمال رئاسة الأرجنتين لمجموعة العشرين، فمن الضروري إيلاء الاهتمام لعدد من القضايا. بداية، يجب على مجموعة العشرين أن تضغط على المصارف الإنمائية الوطنية والإقليمية ومتعددة الأطراف لبذل المزيد من الجهود لدعم البنية التحتية الأنظف.

ويعد تحويل التمويل من مشاريع الوقود الأحفوري من بين أسرع الطرق لتحقيق تخفيضات في انبعاثات الكربون العالمية. فعندما يعقد بنك التنمية للبلدان الأمريكية اجتماعه السنوي في الأرجنتين هذا الشهر، وهو أحد البنوك الأكثر خضرة في العالم، ينبغي أن يغتنم ماكري هذه الفرصة لتشجيع زيادة الاستثمار في البنية التحتية المستدامة.

وبعيداً عن جدول أعمال مجموعة العشرين، يمكن للأرجنتين القيام بالمزيد من منظور ثنائي. كما ينبغي إعادة صياغة الالتزام مع الولايات المتحدة، وخاصة من خلال تعميق العلاقات مع الدول والمدن والمستثمرين الذين تبنوا موقفاً أكثر استنارة بشأن قضايا المناخ من إدارة ترامب، التي أشارت إلى نيتها في سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ. على سبيل المثال، يمكن للأرجنتين أن تتحالف مع حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون، الذي سينظم القمة العالمية للعمل المناخي في سان فرانسيسكو في سبتمبر.

ينبغي بذل المزيد من الجهود الرامية إلى خفض الانبعاثات العالمية المسببة للاحتباس الحراري. ولتجنب تجاوز عتبة درجتين مئويتين، يتعين على جميع الأطراف في اتفاق باريس رفع مستوى طموح التزاماتها الحالية بحلول عام 2020. وستحدد عدة اجتماعات هذا العام الاتجاه السياسي، بما في ذلك قمة قادة مجموعة العشرين، التي ستعقد قبل يومين من بدء المحادثات المناخية للأمم المتحدة في بولندا.

ويمكن للأرجنتين أن تستغل هذه الفرص للإشارة إلى نيتها في جعل التزاماتها متمشية مع اتفاق باريس، مما يشجع البلدان الأخرى على أن تحذو حذوها، مع كسب اهتمام المستثمرين الراغبين في استغلال الفرص منخفضة الكربون في الأرجنتين.

في وقت مبكر من ولاية ماكري، كانت الأرجنتين رائدة عالمياً في مجال حلول تغير المناخ، وشجع قادة البلاد سياسات لتنويع الاقتصاد، بعيداً عن الوقود الأحفوري. ولكن اليوم، لم تعد الأرجنتين تعير أي اهتمام بهذا الشأن. ولم يفت الأوان بعد لقيام ماكري بدمج برامج مناخية أقوى في قيادته لمجموعة العشرين. إن استراتيجيته الحذرة ليست رهاناً جيداً بالنسبة له، وليس جيداً على الإطلاق بالنسبة لعالم ملتزم بالنضال من أجل قضية لن يتحمل خسرانها.

* المدير المشارك لمختبر المناخ والتنمية في جامعة براون

 

Email