خطوات لوقف معاناة الروهينغا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أضرت الأزمة الإنسانية التي حلت بمسلمي الروهينغا في ميانمار بالاستقرار السياسي للدولة، وحطمت صورتها كبلد يتحرك صوب الديمقراطية. كما لطخت سمعة زعيمة الحكومة (بحكم الأمر الواقع) أونغ سان سو تشي، الحائزة جائزة نوبل للسلام، وشككت في مؤهلات وكفاءات إدارة الأزمة لدى كل من رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والأمم المتحدة، وأثارت السخرية من المؤسسات الدولية المعنية بمنع النزاعات.

لكن رغم كل هذه الظروف التي تنذر بالأسوأ، لا يزال الحل ممكناً، وإن كان تحقيقه يستوجب الإسراع باتخاذ خمس خطوات دون تأجيل.

أولاً وقبل كل شيء، يجب وقف عمليات القتل والأعمال الوحشية، وهو أمر صعب بقدر ما هو ضروري. فلقد تورط جيش ميانمار في حملة متواصلة من التطهير العرقي هدفها الرئيس طرد الروهينغا من البلاد. ورغم استحالة إصلاح ما وقع من أضرار، يمكن، بل وينبغي، وقف سفك دماء جديدة أو أعمال طرد أخرى موجهة.

وتكمن المشكلة بالطبع في الاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب الجيش، الذي رد على ضربات جيش إنقاذ الروهينغا بإطلاق حملة شعواء لحرق الأخضر واليابس أسفرت عن مقتل ما يصل إلى ثلاثة آلاف شخص. كما أحرق الجنود قرى بأكملها للروهينغا، وتورطوا في اعتداءات وحشية، ودمروا المساجد، وتسببوا في نزوح جماعي. ويصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين ما يجري في ميانمار بأنه «نموذج كلاسيكي لتطهير عرقي»، بينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأزمة «بالكارثية».

في الوقت ذاته، أخفقت سو تشي في ممارسة أي سلطة معنوية، بل بدت وكأنها تبرر وتدافع عما يجري عندما أصرت على أن «جبل ثلج ضخماً من المعلومات المضللة يروج لمصلحة الإرهابيين». وهي بالطبع محصورة بين جيش يحتفظ بالسيطرة الكاملة على الخدمات الأمنية في البلاد، وسكان غالبيتهم من البوذيين تتملكهم مشاعر متجذرة من التعصب والتحيز ضد المسلمين. إلا أن ورطة كهذه لا تبرر فشلها في إدانة ما يحدث أمام ناظريها، لكن لا شك أن حكومة سو تشي تشعر بالاستياء من البيانات المثالية، غير الحيادية في نفس الوقت، التي يصدرها غالباً زعماء غربيون وممثلون للأمم المتحدة، وقليلون في الغرب يدركون التحديات التي يواجهها صناع القرار في الدول النامية التي تحارب التطرف من جانب المتمردين والإرهابيين.

هذه التحديات على وجه التحديد هي ما صعّبت على ميانمار كسر دائرة العنف، حتى ان بنغلاديش والهند رفضتا إعادة توطين لاجئي الروهينغا بصورة دائمة، وبالمثل، دعمت حكومة الصين جهود ميانمار لحماية أمنها القومي، كما تستثمر الصين 7.3 مليارات دولار في مشروع ميناء جديد في راخين كجزء من مبادرة الحزام والطريق، مما قد يدفع الصين لاعتراض أي محاولة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة ميانمار على أفعالها. هذه الشبكة المتداخلة والمعقدة من المصالح، مع فشل الحكومة أيضاً، تعني أن مسؤولية حماية كل شعب ميانمار تقع على عاتق رابطة الآسيان أو الأمم المتحدة.

وبمجرد أن تتوقف الأعمال العدائية، ستكون الخطوة الثانية نحو ضمان سلام طويل الأجل إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، الأمر الذي قد يكون بمثابة كابوس لوجيستي. فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، عبر نحو 700 ألف من لاجئي الروهينغا إلى بنغلاديش في نهاية سبتمبر، مع وصول أكثر من نصفهم منذ أواخر أغسطس. وقد قام جيش ميانمار بزرع الألغام على الحدود مع بنغلاديش لمنع اللاجئين من العودة.

وبناء على افتراض إمكانية معالجة قضيتي العنف واللاجئين، يجب على ميانمار السماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى المناطق المتضررة. وتعد رابطة الآسيان، التي أظهرت قدراتها وإمكانياتها في أعقاب إعصار نارجيس عام 2008، في وضع جيد للمبادرة إلى تشكيل استجابة إقليمية، كما يمكنها أيضاً التنسيق مع الأمم المتحدة بشأن إدارة أطقم الطوارئ.

أما الخطوة الرابعة فهي محاكمة كل من ساعد على وقوع الأعمال الوحشية، إذ يجب على حكومة ميانمار أن تتولى هذا الأمر - أو أن تسمح لرابطة الآسيان أو الأمم المتحدة للقيام بذلك نيابة عنها - وذلك بفتح تحقيق مستقل وعادل في عمليات القتل وتحديد مرتكبيها وتقديمهم لمحاكمة تتسم بالشفافية والمصداقية. فإذا لم يمكن تنفيذ ذلك من خلال السلطات المحلية، تجب إحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية.

أخيراً، يجب على الحكومة التي تقودها سو تسي إلغاء أو تعديل كل القوانين التمييزية وإنهاء التمييز الرسمي من جانب الدولة ضد الروهينغا، التي تعد واحدة من أكبر المجموعات العرقية المشردة في العالم، حيث يبلغ عدد أعضائها 1.1 مليون شخص. ولم يعترف قانون الجنسية الصادر عام 1982 بالروهينغا كواحدة من 135 مجموعة عرقية تنتشر في البلاد، كما أن إمكانية حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف محدودة للغاية، ناهيك عن القيود المفروضة على حرية حركتهم.

لا يزال التحول الديمقراطي في ميانمار هشاً، في حين تتنافس قضايا مثل العلاقات المدنية العسكرية، والفقر، والنمو الاقتصادي، والحوكمة على انتزاع الاهتمام، لكن يجب أن تُعطى الأولوية لوقف الأعمال العدائية وحل أزمة الروهينغا. ويرسم التقرير الذي أصدرته اللجنة الاستشارية حول راخين، التي يرأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، في أغسطس الماضي طريقاً محتملاً للمضي قدماً وتجاوز هذا الوضع.

لن تداوي هذه الخطوات الخمس كل جرح أو تضع نهاية لكل مَظلمة، لكنها يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة بالحيلولة دون وقوع المزيد من الأعمال الوحشية، وردع التطرف العنيف، وتحسين أمن الحدود. فربما كانت هذه أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحالي.

* مساعد سابق لأمين عام الأمم المتحدة، ويشغل حالياً منصب مدير مركز منع الانتشار النووي ونزع السلاح التابع للجامعة الوطنية الأسترالية.

Email