الخطوات التالية من أجل أوكرانيا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعكس النجاحات التي حققتها أوكرانيا أخيراً مزاجاً أكثر تفاؤلاً في الاتحاد الأوروبي، ولكن على الرغم من إنجازاتها، لم تصل أوكرانيا إلى نهاية النفق بعد، ولا تزال عملية الإصلاح بعيدة عن الاكتمال، ولا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يسمح لنفسه بالاستسلام للشعور بالرضا عن الذات الآن، بعد أن بدأنا نحرز تقدماً ملموساً، وأفضل طريقة لحماية أنفسنا من ذلك هي إنشاء اتحاد جمركي بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا.

بدأت الإصلاحات وأوجه الدعم الدولي تؤتي ثمارها لمصلحة الاقتصاد الأوكراني، كما أبرمت أوكرانيا اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، والآن بات بوسع الأوكرانيين أن يسافروا إلى الاتحاد الأوروبي بجواز سفر إلكتروني (يحتوي على البيانات الحيوية) فقط، وهو جواز السفر الذي تصور أغلب المراقبين أنه غير واقعي قبل بضع سنوات فقط، عندما كان السفر دون تأشيرة لا يزال يتطلب استيفاء أكثر من 140 شرطاً مسبقاً.

الواقع أن الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو ملتزم شخصياً بتحديث البلاد ومحاربة الفساد، ولكن ينبغي للقادة الأوروبيين أن يدركوا أنه يواجه معركة شاقة لتنفيذ إصلاحات رئيسة، في ظل حرص القوى الشعبوية في البرلمان الأوكراني على فرض ضغوط متزايدة على الحكومة في انتظار الانتخابات التي يحين موعدها بعد أقل من عامين.

وسوف يؤكد الاتحاد الأوروبي ضرورة مواصلة الإصلاحات في كييف وتنفيذ معايير الاتحاد الأوروبي الفنية، ولكن إذا كنا راغبين في الحفاظ على تحرك أوكرانيا إلى الأمام، فلا يجوز لنا أن ننخرط في تبادل الاحتفالات بعد كل قسم نقطعه من الطريق بالفعل. كانت القوة الدافعة الأكثر فعالية في تعزيز الديمقراطيات المستقرة والقابلة للحياة والناجحة هي دوماً استخدام الشروط المسبقة لربط الإصلاحات بفوائد واضحة وملموسة، وينبغي لنا أن نواصل وضع معالم جديدة على طول الطريق لإظهار التزامنا بنجاح أوكرانيا وجديتنا بشأن مكافأة الإصلاحات.

ويُعَد احتمال إنشاء اتحاد جمركي الحافز الأقوى لتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة المتفق عليها ومواصلة دمج أوكرانيا اقتصادياً في الأمد البعيد مع أوروبا، وهو ليس مشروعاً قصير الأجل، فسوف يستغرق أكثر من عقد من الزمن قبل أن تصبح أوكرانيا جاهزة، ولكن بمجرد إنجازه، تُصبِح الشركات الأوكرانية قادرة على الانضمام إلى سلاسل إمداد التصنيع الأوروبية، وتتمكن الحكومة من ملاحقة استراتيجية صناعية متنوعة مطلوبة بشدة للاستفادة من القرب الجغرافي من أكبر سوق في العالَم، وبدلاً من أن تكون إضافة لاقتصاد أوروبا، تُصبِح أوكرانيا جزءاً من نسيجه.

ولكن لماذا يشكّل هذا الأمر أي أهمية؟ من منظور الاتحاد الأوروبي، هناك العديد من الفرص الكبرى للتجارة في اقتصاد قوامه 46 مليون نسمة. فمنذ أقامت تركيا اتحاداً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي في عام 1996، ازدادت التجارة الثنائية في السلع بما يتجاوز أربعة أضعاف. وعلاوة على ذلك، اختارت أوكرانيا، التي استفادت في السابق من الانقسام بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، مستقبلاً أوروبياً واضحاً. أي نوع من الإشارات قد نرسله إذاً إلى دول أخرى في جوارنا، أو إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا أدرنا ظهورنا لأوكرانيا؟

أنا لا أنظر إلى الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا من خلال نظارات وردية، فالأمر لا يخلو من بعض سلبيات. (يجري التدرب يومياً على الحجج لمصلحة وضد فكرة الاتحاد الجمركي في المناقشة الدائرة حالياً حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي). والانضمام إلى الاتحاد الجمركي من شأنه أن يحد من قدرة أوكرانيا على التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة التي تخصها. وحتى إذا كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر على الإطلاق لأوكرانيا، فإن أكثر من نصف تجارته يُدار مع بقية العالَم. ولن تتمكن أوكرانيا من التفاوض مع الاتحاد الجمركي الأوراسي، الذي سيصبح مسؤولية بروكسل.

لقد أصبح النزوع إلى فرض تدابير الحماية واضحاً بالفعل في بعض دول أوروبا الشرقية، حيث يستبد القلق بالحكومات - وربما لا يكون هذا مفاجئاً - إزاء التأثير المحتمل لتحرير التجارة على الزراعة. وحتى برغم ذلك، تتقارب أنماط التجارة والاستثمار في أوكرانيا على نحو متزايد مع الاتحاد الأوروبي. وفي الإجمال سنجد أن الحجة الاقتصادية قوية، والحجة السياسية مقنعة، في ظل مكاسب محتملة تفوق كثيراً أي مخاطر.

الواقع أن الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا يمكنهما الاحتفال بالكثير، فقد مر كل منهما عبر الأزمة بسلام، ولكن الاكتفاء بالاحتفال يعني فرصة مهدرة، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينظر في الخطوات التالية إلى الأمام من أجل أوكرانيا، لإبقائها على مسار الإصلاح ونحو مستقبل أفضل، كما يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إثبات أنه لا يزال يشكل قوة تحويلية في جيرته.

* الأمين العام الأسبق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ورئيس وزراء الدنمارك سابقاً، ويشغل حالياً منصب مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، وهو رئيس شركة راسموسن غلوبال الاستشارية

Email