حكاية مع السوريين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

باتت الصور القاسية من سوريا، تجسد جزءاً أساسياً من نشرات الأخبار اليومية، أما بالنسبة إلى الخمسة ملايين الذين تمكنوا من الفرار من الصراع، فإن التكيف مع الحياة في دولة جديدة، قد يكون في غاية الصعوبة، وفي الوقت الذي ينصب تركيز غالبية العائلات فيه على إيجاد سبل النجاة، يتم تهميش أحد أهم جوانب الحياة، وهو التعليم.

وفي ضوء ذلك، بدأت مؤسسة كرم، وهي مؤسسة خيرية، يقع مقرها في الولايات الأميركية، في علاج نقص الموارد التعليمية المتاحة أمام الأطفال السوريين اللاجئين، وذلك عبر المركز المجتمعي الذي افتتحته مؤخراً في منطقة الريحانية.

افتتحت المؤسسة.. بيت كرم، كما تطلق عليه، في شهر مارس، ليوفر للأطفال حصصاً ودورات تدريبية، تمكنهم من اكتساب المهارات الأساسية للتعويض عما فقدوه من التعليم.

وفي معرض تعليقها على ذلك، قالت ندى هاشم مديرة العمليات في مؤسسة كرم: «لدينا الآن ما يزيد على 120 طفلاً، كما سجل الكثيرون في قائمة الانتظار».

ويشارك الطلبة في دورة تمهيدية مدتها ستة أسابيع، يطلق عليها بيت كرم 101، والتي تعد من المتطلبات الأساسية للالتحاق بالمركز. وقد تم تجهيز المركز بالعديد من الأدوات التي تمكن الأطفال من الاستكشاف بصورة إبداعية، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والطابعات ثلاثية الأبعاد ومختبر الطهي والأدوات الكهربائية.

وقد علقت ندى على ذلك قائلة: «يضم المركز ستة مرشدين ومدربين مؤهلين من الشباب، والذين يقدمون التوجيه والدعم للأطفال أثناء محاولتهم لاستكشاف اهتماماتهم».

ويوفر المركز دورات تدريبية لتعليم اللغتين الإنجليزية والتركية، بالإضافة إلى ورش عمل لتعليم فنون الطهي، ومختبر للحاسب الآلي، يتم من خلاله تعليم الأطفال مهارات البرمجة. كما تتم استضافة مرشدين عالميين لتقديم وإدارة ورش عمل، كتلك التي تتناول العمل الصحافي، على سبيل المثال.

وأوضحت ندى أن «الهدف الرئيس من المركز، يكمن في تحفيز التعليم الإبداعي، إذ يوفر للأطفال، الأدوات اللازمة التي تمكنهم من الاستكشاف والفشل والنجاح وبناء أنفسهم».

يركز بيت كرم بصورة رئيسة على الشباب اليافعين، الذين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 18 عاماً، وذلك بهدف رفدهم بالمهارات اللازمة التي تمكنهم من بناء مستقبلهم.

وقد أنشئت مؤسسة كرم، والتي يوحي اسمها بالسخاء والعطاء، في شيكاغو عام 2007، قبل اندلاع الحرب في سوريا.

ومن جهتها، قالت لينا سيرجية عطار، المؤسس المشارك، الرئيس التنفيذي للمؤسسة: «انطلقت المؤسسة في البداية كجمعية خيرية صغيرة لجمع المجتمع العربي في أميركا. وعندما بدأ الصراع في سوريا وتحول إلى أزمة إنسانية، أعدنا النظر في هدف المؤسسة، ووجهناها لمساعدة السوريين».

وكان على مؤسسة كرم، التأقلم سريعاً مع ظروف العمل في منطقة الصراع، وتوفير المساعدات للأفراد الأكثر حاجة، وعندما زارت لينا مخيمات النازحين عام 2012، وشاهدت بنفسها مدى سوء الأوضاع، أقنعت مجلس إدارة الجمعية، بالتركيز على إيجاد حلول طويلة الأمد، وبشكل خاص في ما يتعلق بالتعليم.

وفي هذا الصدد، قالت لينا: «توقع الناس أن تنتهي الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها بسرعة، إلا أن هناك الكثير من الأطفال الذين لا يمكنهم الوصول إلى التعليم، الأمر الذي يجسد مشكلة طويلة الأمد».

أطلقت مؤسسة كرم، بعثتها الأولى في مجال التعليم في مخيم للنازحين داخل سوريا، بالقرب من الحدود التركية، والذي كان يضم 25 ألف نازح.

وتقول لينا عن ذلك: «أطلقنا برنامجاً يعتمد منهجية المعسكرات الصيفية، وقد تضمن الفنون والألعاب الرياضية، كما أنشأنا ملعباً لكرة القدم».

واستعان فريق العمل كذلك بطبيب أسنان لفحص صحة أسنان الأطفال.

واستطردت لينا قائلة: «تمكنا من بناء صلة قوية مع المجتمع هناك، فلم يكن هدفنا الذهاب لمدة أسبوع واحد، ومن ثم، المغادرة وعدم رؤية الأطفال مجدداً».

وفي عام 2014، أعدت مؤسسة كرم، برنامجاً مخصصاً للشباب اليافعين، أطلقت عليه اسم «برنامج كرم للقيادة»، والذي يتناول مواضيع تتعلق بالبرمجة والصحافة والرفاهية العامة.

وأشارت لينا إلى أن «الشباب اليافعين تعرضوا لمرحلة حرجة جداً، وأردنا مساعدتهم على الالتحاق بالجامعة، وعلى اكتساب المهارات التي تمكنهم من الحصول على وظائف محترمة».

أكمل فريق العمل إلى الآن ثماني بعثات تعليمية منذ عام 2013، ووصل إلى 8,000 طفل لاجئ، كما ساعد في ترميم ورعاية 30 مدرسة في سوريا. وقد ساهمت هذه الجهود في إرساء أسس بيت كرم.

وتقول لينا عن ذلك: «أردنا إيجاد مكان يمكنهم من خلاله الوصول إلى الأدوات التي نوفرها طوال العام. ويُعد مركز بيت كرم، بمثابة مركز مجتمعي مبتكر، يتيح للأطفال إمكانية الوصول إلى مختبرات الحاسب الآلي والمرشدين، وتعلم مختلف المهارات التي تؤهلهم للالتحاق بالجامعة، والمهارات اللغوية، كما نأمل أن نساعدهم في إيجاد وظائف افتراضية من خلال شبكة اتصالاتنا».

لقد فقد العديد من الأطفال اللاجئين والنازحين في الداخل السوري، فرصتهم في التعلّم، وذلك بسبب إغلاق المدارس، أما بالنسبة إلى أولئك الذين تمكنوا من الفرار إلى دول مجاورة، مثل تركيا، فليس من السهل عليهم الالتحاق بالنظام التعليمي المحلي، حيث واجه الأطفال صعوبات عند الدراسة باللغة التركية.

وفي تعليقها على ذلك، تقول لينا: «هناك حاجة ماسة إلى أنظمة تعليمية إصلاحية، تتسم بالمرونة، من أجل الأطفال الذين اضطروا إلى ترك مرحلة من مراحل التعليم. ولا يكمن الحل في إنشاء مدارس تقليدية لأولئك الذين يعانون من وجود فجوات في تعليمهم».

هناك ما يقارب خمسة ملايين طفل سوري، تأثر تعليمهم بسبب الحرب، فبخلاف السنوات التي انقطعوا فيها عن التعليم، تجسد الصدمة النفسية عقبة رئيسة أمام تعليمهم.

وقد أشارت لينا إلى أن أحد الحلول قد يكون من خلال تعليم الأطفال سبل الاستفادة من التقنيات، للتغلب على الفجوات في تعليمهم، سواء أكان ذلك من خلال الالتحاق ببرامج تعليم الرياضيات، أو العلوم على الإنترنت، أو غير ذلك.

وقالت لينا: «أصبحنا نعيش في عصر مختلف، حيث يمتلك كل لاجئ هاتفاً ذكياً. وهناك الكثير من الأفراد الذين يحاولون تصميم أنواع مختلفة من التطبيقات، سواء للتعليم أو للالتحاق بالجامعة عبر الإنترنت».

وبالنسبة إلى لينا، تكمن المشكلة في العديد من تلك الأدوات في تطويرها، دون الاعتماد على آراء اللاجئين والمجتمعات التي تستخدمها.

وفي هذا الإطار، عملت مؤسسة كرم عن كثب مع الأطفال اللاجئين، لتحديد ما يمكن أن تقدمه مؤسسة مثل بيت الكرم لمساعدتهم.

وقد قامت مؤسسة كرم، من خلال آرائهم ومُدخلات الشبكة العالمية للمؤسسة، بتصميم برامج مخصصة للتعامل مع احتياجات الأطفال في مخيمات اللاجئين. كما يتم تقديم العلاج النفسي، سواء ضمن مجموعات أو بصورة فردية عند الحاجة.

ومن ضمن أكثر الدورات التعليمية شعبية، دورة البرمجة، التي يقدمها عبد الرحمن إدلبي، والذي علق عليها قائلاً: «بدأنا بتعليم البرمجة باستخدام لغة برمجية تسمى «سكراتش»، والتي تتيح للطلاب سرد قصصهم وتصميم رسومهم الخاصة. وقد اتجهنا إلى البرمجة، ليتمكن الأطفال من توصيل مصابيح LED وأجهزة الاستشعار وبناء النماذج الأولية واختبارها».

تتفاوت القدرات من طفل إلى آخر، إلا أنهم يتعاونون باستمرار لتعلم مهارات جديدة. وقد أوضح عبد الرحمن ذلك قائلاً: «لا يتعلق الأمر بتعلم استخدام أداة محددة، فالمهم هو أن يتعلم الأطفال سبل التعبير عن أنفسهم وعن أفكارهم».

وأطلقت مؤسسة كرم كذلك برنامجاً يمكن الأفراد من رعاية عائلة سورية لاجئة، من خلال التبرع بخمسين دولاراً أميركياً شهرياً. ويمكن للأفراد الراغبين بالتبرع كذلك، اختيار الطفل الذي يريدون دعمه ومساعدة عائلته وضمان التحاقه بالمدرسة.

وفي هذا الصدد، تقول لينا: «ساعدنا ما يزيد على 200 طفل من الأطفال العاملين أو القائمين على رعاية المصابين من أهلهم على الذهاب إلى المدرسة بدوام كامل. وقد ساهم ذلك في تغيير حياة هؤلاء الأطفال بصورة سريعة، تكاد تكون فورية، بمجرد رجوعهم إلى صفوف الدراسة، الأمر الذي أعاد الكثير من الكرامة إلى عائلاتهم».

تزور مؤسسة كرم، الأطفال الذين تقدم لهم الرعاية شهرياً، وتُطلع المتبرعين على آخر مستجداتهم. وقالت لينا حول ذلك: «زرت إحدى المدارس التي عملنا معها، وكان أحد أوائل الأطفال الذين ساعدناهم، يدعى سليمان، حيث كان حينها يبلغ من العمر 13 عاماً، وتخلف عن أربع سنوات من الدراسة. وقد شارك سليمان في برنامج إصلاحي لمدة 18 شهراً، والتحق في شهر ديسمبر بالصف التاسع».

وتسعى المؤسسة الخيرية إلى افتتاح فرع آخر لمركز «بيت كرم» في إسطنبول، نهاية هذا العام، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال اللاجئين. وتُسهم مؤسسة كرم، من خلال توفير الموارد التعليمية التي تلبي احتياجات الشباب اليافعين، بصورة ملموسة في بث الأمل في نفوس هؤلاء الأطفال بمستقبل أفضل.

* متخصصة في قضايا وشؤون الشرق الأوسط

Email