فقاعة التعليم في أميركا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يستطيع أن يشكك في أهمية الاستثمار في التعليم. فقد أظهرت دراسات عديدة عائدات كبيرة للأفراد والمجتمعات على حد سواء. ذلك أن المستويات الأعلى من التحصيل التعليمي تساعد في مجمل الأمر في تحسين الرفاهة الاقتصادية والازدهار، وخفض أعباء التقاعد، وتعزيز الحراك الاجتماعي والشعور بالرضا. فمعدل البطالة بين خريجي الجامعات في الولايات المتحدة لا يتجاوز 2.5%، وهو ما يقرب من ثلث المعدل بين أولئك الذين لا يحملون شهادة الدراسة الثانوية، ويتعين على صناع السياسات أن يقرروا كيف يمكن الاستثمار في التعليم على النحو الذي يعمل على تعظيم هذه الفوائد من دون خلق مخاطر جديدة. وهنا ربما تكون الولايات المتحدة مقصرة.

فعلى مدى السنوات العشر الماضية، كانت التركيبة التي تتألف من ارتفاع الرسوم الدراسية، وزيادة أعداد الطلاب الملتحقين، والاعتماد بشكل أكبر على القروض، سبباً في تضاعف الديون غير المسددة المستحقة على الطلاب إلى ثلاثة أمثالها تقريبا. والآن تتجاوز هذه الديون 1.2 تريليون دولار أميركي، أكثر من 60% منها مستحق على الربع الأدنى من الأسر (تلك التي تقل صافي ثرواتها عن 8500 ألف دولار).

واليوم، يتخرج سبعة من كل عشرة من طلاب ما بعد المرحلة الثانوية ولم يسددوا ديونهم، مع تجاوز الحجم الإجمالي لمجموع الديون من بطاقات الائتمان وقروض شراء السيارات. وعلاوة على ذلك، تشكل القروض الطلابية 45% من الأصول المالية المملوكة فيدراليا.

وما يزيد الطين بلة أن العائد على الاستثمار في التعليم آخذ في الانخفاض، لإن الاقتصاد ينمو ببطء ويتغير بسرعة، الأمر الذي يجعل من الصعب على بعض الخريجين الحصول على عمل يستغل معرفتهم ومهاراتهم. وتميل الجامعات غالباً إلى البطء في تكييف مناهجها الدراسية مع احتياجات الاقتصاد، في حين تتسبب التكنولوجيات ونماذج الأعمال الجديدة في تفاقم ظاهرة استئثار الفائز بكل شيء.

وإذا استمر العائد على الاستثمار في التعليم في الانخفاض، فسوف يميل سداد أقساط القروض الطلابية إلى مزاحمة أوجه الإنفاق الأخرى على الاستهلاك والاستثمار، وخاصة لأن الديون الطلابية لها أقدمية كبيرة في بنية رأس المال. وفي هذا السيناريو، ترتفع مخاطر العجز عن السداد والجنوح، جنباً إلى جنب مع انعدام الأمان المالي وعدم الاستقرار عموما، وكل من هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم ثلاثية التفاوت بين الناس (الدخل، والثروة، والفرصة).

والخبر السار هنا هو أن نقاط التحول المالية وعلى مستوى الاقتصاد الكلي لا تزال بعيدة بعض الشيء برغم أن نحو 10% من المقترضين يواجهون بالفعل مشاكل في السداد. بيد أن هذا ليس عذراً للتراخي؛ بل إنه يتيح الوقت فحسب لبذل جهود جيدة التنسيق لتنفيذ التدابير الكفيلة بتخفيف حِدة الاتجاهات المدمرة الناجمة عن القروض الطلابية.

ففي المقام الأول من الأهمية، يتعين على الساسة الأميركيين أن يتحملوا المسؤولية كاملة عن الحوكمة الاقتصادية، فلا يكتفون بالسعي إلى تعزيز النمو، بل وأيضاً تجنب انخفاض إمكانات النمو في الأمد البعيد. فبعد الاعتماد على سياسة نقدية غير تقليدية لفترة أطول مما ينبغي، يتعين على الكونغرس الأميركي أن يتبنى نهجاً أكثر شمولاً، مع اتخاذ التدابير التي تستهدف تحسين تدريب العمال، وإعادة تجهيز الأدوات، وتحديث المناهج التعليمية، وإدماج التكنولوجيات التحويلية في الاقتصاد بشكل أكثر فعالية. وهناك احتياج أيضاً إلى زيادة الاستثمار في البنية الأساسية، وتحسين السياسات الضريبية بالنسبة للشركات، وتحديث النهج المتبع في التعامل مع الميزانية.

ومن جانبها، يتعين على الجامعات ــ التي استفادت بشكل كبير من توفر القروض الطلابية على نطاق واسع ــ أن تعمل على كبح جماح تكاليفها، في حين تبادر إلى تقديم المزيد من المساعدات المالية المباشرة الممولة من خلال العمل الخيري. وقد تبنت بعض الجامعات بالفعل سياسات «عدم الإقراض»؛ فبالاستعانة بالمنح الممولة من قِبَل الجامعات وغيرها من الجهات المانحة، يصبح من الممكن تلبية الاحتياجات المالية المثبتة للطلاب. ولا يتعين على كل الجامعات أن تذهب إلى هذا الحد ــ وأغلبها غير قادرة على ذلك لأنها تفتقر إلى الأوقاف الكبيرة بالقدر الكافي لتغطية التكاليف. ولكن هناك احتياج إلى تحرك أوسع في اتجاه تمويل التعليم العالي بأساليب أخرى غير الدين.

ومن الممكن أيضاً بذل الجهود لتشجيع الأسر على زيادة مدخراتها في وقت مبكر لغرض الإنفاق على التعليم. ولا بد أن يكون الإفصاح عن القروض الطلابية أكثر شفافية، وبالتالي تمكين المتقدمين بطلباتهم من اتخاذ قرارات مسؤولة، مع الاستعانة بالكليات المجتمعية الأقل تكلفة كنقطة انطلاق مفيدة إلى التعليم الجامعي التقليدي. ومن الممكن القيام بالمزيد لتوسيع خطط السداد القائمة التي تستند إلى الدخل.

لن يكون اتخاذ أي من هذه التدابير أمراً سهلاً. ولكن إذا ظل التنفيذ متأخراً عن الواقع على الأرض، فسوف تكون التحديات أعظم على الطريق. ومع تسبب الديون المتنامية المستحقة على المقترضين في الحد من مرونتهم المالية وإسهامهم المنتج في المجتمع، فسوف يتحول تركيز السياسات من تخفيف المخاطر في المستقبل إلى تقليص المديونية بشكل مباشر من خلال الإعفاء من الديون وعمليات الإنقاذ. وهذا من شأنه أن يثير قضايا شائكة تتصل بالعدالة والحوافز المنحرفة، وقد يفضي في نهاية المطاف إلى إحداث التأثير المنحرف المتمثل في الحد من القدرة على الوصول إلى التعليم.

* رئيس مجلس الرئيس الأميركي باراك أوباما للتنمية العالمية

 

 

Email