44 مليار دولار خسائر إنتاجية من الاكتئاب

أمريكا نموذجاً: أمريكي من كل خمسة يعاني من مشكلات نفسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني الأمريكيون من ضغوط نفسية متزايدة، بينما لا تتوافر خدمات التأمين على الصحة النفسية لهم جميعاً، وبحسب تقرير نشرته شبكة «سي إن بي سي» الأمريكية، فإن عدد الأمريكيين البالغين الذين يعانون من أعراض القلق والاكتئاب، منذ مطلع العام الجاري، ارتفعت إلى 42%، بعد عامٍ قاسٍ وعاصف على الأمريكيين، وزاخر بمعاناتهم النفسية، وهو العام الماضي الذي شهد تفشي جائحة «كوفيد 19»، إلى جانب الحادث العنصري الشهير، الذي انتهى بوفاة المواطن الأمريكي الأسمر، جورج فلويد.

وأفاد التقرير بأن شخصاً واحداً من كل 5 أمريكيين، يعاني من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية، وأضاف: أن إنفاق الولايات المتحدة على الرعاية الصحية بلغ 225 مليار دولار في 2019، ويتضمن الرقم الذي شهد ارتفاعاً بنسبة 52% على مدار عقد كامل، الإنفاق على أمور كالعلاج، الأدوية، والبقاء في مصحات متخصصة في إعادة التأهيل.

وأوضح التقرير أن هذا الرقم لا يشمل التكاليف والخسائر غير المباشرة كانخفاض المشاركة في القوة العاملة وتراجع الإنتاجية، وفي واقع الأمر، فإن الاكتئاب وحده مسؤول عن خسائر تبلغ قيمتها الإجمالية 44 مليار دولار في إنتاجية أماكن العمل الأمريكية.

وأكد التقرير أن تكاليف الرعاية النفسية في الولايات المتحدة باهظة على نحو قد يُجبر العديد من الأمريكيين أن يُحجموا عن مجرد التفكير في تلقيها، في حال لم يكن يحظى المريض بالتغطية التأمينية.

وأفاد التقرير أن كُلفَة الجلسة الواحدة للرعاية النفسية في الولايات المتحدة تتراوح بين 65 دولاراً إلى 250 دولاراً لمن لا يحمل تأميناً صحياً يغطي هذا النوع من الرعاية، وعلاوة على ذلك، فإن المريض الذي يعاني نوعاً أشد قسوة من الاكتئاب يمكنه أن يتكلف 10836 دولاراً سنوياً في المتوسط في علاج مشكلته النفسية، بينما لا يتكلف مريض داء البول السكري سوى 4800 سنوياً لشراء حقن «الأنسولين» اللازمة لعلاجه.

وتبقى المشكلة الأشد صعوبة في ما يتعلق بمشكلات الصحة النفسية لدى الأمريكيين هي محدودية إمكانية وصولهم إلى التأمين على خدمات الصحة النفسية. ويعيش 112 مليون أمريكي في مناطق يندر فيها مزود خدمات الرعاية الصحية النفسية، وتشير التوقعات إلى إمكانية أن تظل الولايات المتحدة تعاني من نقص في مزودي الرعاية الصحية النفسية حتى عام 2050، وعلاوة على ذلك، فإن العديد من المزودين المتوافرين حالياً يعملون خارج مظلة التأمين الصحي.

ويقبل 56% من الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة التأمين الصحي التجاري بالمقارنة مع 90% من الأطباء الذين يعالجون الأمراض العضوية، ويُعزى السبب الرئيسي وراء ذلك إلى أن شركات التأمين الأمريكية تدفع للأطباء النفسيين مقابل خدماتهم أقل كثيراً مما تدفعه للأطباء أصحاب التخصصات الأخرى في العُمر ومستوى الخبرة نفسه، وعليه، فإن احتمالات لجوء الأمريكيين الراغبين برعاية نفسية إلى أطباء خارج شبكة التأمين الصحي أعلى 5 أضعاف من احتمالات لجوئهم إلى أطباء خارج الشبكة للعلاج العضوي أو لإجراء جراحات.

وتضمن التقرير مقابلة مع د. كورال ألتر، مديرة نُظم الصحة السلوكية لدى مركز «بايلور سكوت أند وايت» للرعاية الصحية بولاية تكساس الأمريكية، التي حذرت من خطورة الوضع الراهن على الصحة النفسية للأمريكيين، وبالتالي حياتهم، وقالت: «حتى في ظل العدد الحالي من الأطباء النفسيين والعضويين في البلاد، فإنه لا يكفي الجميع».

وأضافت: «يجري في كثير من الأحيان تشخيص اضطرابات الصحة النفسية باعتبارها أقل خطورة مما هي عليه فعلاً، وبالتالي، يجري تقييمها على نحو أدنى من الواقع أيضاً، وما يحدث بصفة عامة أن غالبية الناس لا يحصلون على علاج لاضطراباتهم النفسية، أو ربما يحصلون، ولكن على علاج أقل فعالية».

وأوضح التقرير أن هذه الحقائق السلبية لها تبعات خطيرة على الأمريكيين، الذين يعانون مشكلات نفسية، وقد تصل إلى حد وفاتهم. وأفاد أن أقل من نصف الأمريكيين، الذين يعانون اضطرابات نفسية يخضعون لعلاج سليم، أما نسبة من يخضع بينهم لعلاج فعّال فتقل عن 10%.

وعلاوة على ذلك، تصبح هذه الأرقام أسوأ عندما يتعلق الأمر بالأمريكيين السود، ذلك أن نسبة من يستطع منهم الوصول إلى علاج فعال للاضطرابات النفسية تبلغ تقريباً نصف نظائرهم من الأمريكيين البيض، ويؤكد التقرير أن الوضع الحالي في الولايات المتحدة يتطلب حلولاً، لعل من أبرزها زيادة التدريب والتعاون بين الأطباء الذين يقدمون خدمات الرعاية الصحية الأساسية من جانب والمحترفين في مجال الصحة النفسية من جانب آخر.

وتطرقت د. ألتر إلى جانب آخر من المشكلة، فقالت: «تُطرَح غالبية مشاكل الصحة النفسية في البلاد في إطار الرعاية الصحية الأساسية، وبالتالي، فإن أصحاب هذه المشاكل يُحالون إلى أطباء عضويين، وليسوا نفسيين».

وأضافت: «ثمة أشياء يمكن فِعلها لمساعدة أطباء الرعاية الصحية الأساسية على تشخيص الاضطرابات النفسية على نحو أفضل، وهذه الأشياء ليست ممكنة فحسب، بل إنها أيضاً تمثل المستقبل الحتمي لخدمات الرعاية الصحية الأساسية».

وثمة مُتغير جديد شديد الأهمية في معادلة الرعاية النفسية في الولايات المتحدة، وهو استخدام والتوسع في الطب الإلكتروني والعلاج عن بُعد، وهو متغير فرضته جائحة «كوفيد 19» ضمن ما فرضت من متغيرات جديدة كالتباعد الاجتماعي والعمل والتعلم عن بعد وغيرها من المفاهيم، وذكر التقرير أن هذا المُتغير مُرشح بقوة للبقاء، بل وللازدهار، حتى بعد زوال الجائحة.

وأوضح التقرير أن خدمات الاستشارات النفسية عن بُعد تتكلف أقل من نظيرتها التقليدية، التي تنعقد في حضور المريض فعلياً أمام الطبيب، ذلك أن أسعار هذه الجلسات تتراوح بين 60 إلى 90 دولاراً للأسبوع الواحد.

وتطرق التقرير إلى مجال ثالث يمكنه استيعاب تغيرات هائلة في ما يتعلق بمشهد الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وهو برنامج «ميديكير» الاتحادي، الذي يوفر خدمات التأمين الصحي للمواطنين الأمريكيين، الذين يبلغون من العمر 65 عاماً فأكثر، إلى جانب بعض الأشخاص من فئات عمرية أقل، والذين يعانون مشاكل صحية معينة كالإعاقة، الفشل الكلوي وغيرها.

وأفاد التقرير بأن «ميديكير» يوفر غطاء تأمينياً لمدة 190 يوماً على خدمات الرعاية النفسية داخل المستشفيات، وعلى الرغم من كون هذا الرقم قد يبدو ظاهرياً كبيراً، إلا أنه في واقع الأمر غير كاف على نحو مرعب للأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية مزمنة، منذ مراحل مبكرة من أعمارهم.

وأكد التقرير أن إجراء تغييرات على «ميديكير» لن يُحسن مستوى مشاركة الأطباء النفسيين في البرنامج فحسب، وإنما سيحفز على تغيير صناعة التأمين بأكملها في البلاد، ذلك أنه باعتباره برنامجاً فيدرالياً فهو دائماً ما يحث شركات التأمين التجاري الأمريكية على ما ينبغي أن تفعله.

Email