"صحة دبي": غياب الحوار الأسري سبب التوجه إليها.. والاستخدام المتكرر يضعف الشخصية

إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونيـة.. مفتاح الأمراض النفسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدثت التكنولوجيا الحديثة «الهواتف النقالة والآيباد» وغيرها تغييراً جذرياً على حياة الأطفال، الأمر الذي ساعد على الانطوائية والعزلة والتسبب ببعض الأمراض النفسية نتيجة إدمان الأطفال عليها بعيداً عن متابعة ومراقبة الأهل لهم، فعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا الحديثة حولت الحياة نحو الأسهل من خلال قضاء الأمور والحاجيات بشكل أسرع إلا أنها أحدثت فجوة كبيرة بين الناس على أرض الواقع، وهذا ما يلاحظ في البيت الواحد، فنرى كل فرد من أفراد العائلة ممسكاً هاتفه الشخصي وصانعاً لنفسه عالمه الخاص.

والوضع الطبيعي للطفل هو اللعب أو مشاهدة الرسوم المتحركة، ولكن ما نراه اليوم هو العكس تماماً فالطفل أصبح متعلقاً بـ«الآيباد»، وأصبحنا نرى أطفالنا أكثر براعة منا في التعامل مع هذه الأجهزة بما تتضمنه من تطبيقات.تحفيز

وفي هذا السياق أوضحت الدكتورة ريم الجيلي أخصائية طب نفسي بقسم الطب النفسي في مستشفى راشد بدبي أن الوالدين هما المحفز الأساسي لإدمان أطفالهما على الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل «الآيباد» والأجهزة والألعاب الإلكترونية، كونهما هما أنفسهما منشغلان طوال الوقت بهذه الأجهزة وبوسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أن بعض المدارس تتيح الدراسة وتتطرح بعض الكتب الدراسية عبر «الآيباد».

عملة ذات وجهين

وأضافت أن هذه الوسائل تعد عملة ذات وجهين النافع والضار، مشيرة إلى أن الوجه الحسن فيها يكمن في إمداد الطفل بالمعلومات الوفيرة كما أنها تفتح مداركه وتوصله بالعالم من حوله وتجعله ملماً بالأحداث وبالجديد، فضلاً عن أنها تنمي مخيلة الطفل، والقدرة على الاستماع وتحليل المعلومات والتعلم ومستوى الوعي والإدراك من خلال التفاعل البصري والصوتي والبرامج التعليمية الموجودة على الشبكة العنكبوتية.

وتابعت الدكتورة الجيلي أن هذه الأجهزة تنمي قدرة الطفل على تحليل المعلومات وتحسين الوعي والإدراك والتفكير بصورة أفضل، وتخلق لديه ثقافة البحث العلمي والإبداعي.

دور سلبي

وأضافت أن الطفل الذي يقضي وقتاً طويلاً مع «الآيباد» يصبح دوره غير فاعل في الأسرة، إذ إنه لا يشاركها ولا يتفاعل معها، وبالتالي تضعف علاقته بمفهوم الأسرة، لافتة إلى أن الطفل مثل الصفحة البيضاء يكتسب ما يكتب فيها، لذا يجب مراقبة ما يشاهدونه على هذه الأجهزة ولا يسمح لهم بالدخول على بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل «سناب شات» على سبيل المثال كونهم لا يتمتعون بالخبرة التي تؤهلهم للتمييز بين الجيد والرديء، مما قد يجعلهم عرضة للابتزاز أو الاستغلال بشتى أنواعه.

تأثير

وإلى ذلك أوضحت الدكتورة منى القدة أخصائية طب نفسي في قسم الطب النفسي بمستشفى راشد بدبي أن استخدام أجهزة «الآيباد» من قبل الأطفال أو حتى الكبار يؤثر سلباً على الترابط الأسري، كما قد يخلق خللاً في شخصية الأطفال تحديداً في حال دخلوا على مواقع مشبوهة في ظل غياب الرقابة الأبوية، وقد تصيبهم بالاكتئاب أو تولد لديهم العنف.

وأضافت أن هناك جملة من العوامل تؤثر على نفسية الطفل مثل البيئة الاجتماعية والعلاقة الأسرية والوراثية، مشيرة إلى أن تمضية أوقات طويلة أمام «الآيباد» يؤثر سلباً على شخصية الأطفال خاصة إذا كانوا من ذوي الشخصيات الضعيفة.

زيادة

وأوضحت الدكتورة القدة أن نسبة الأطفال من المراجعين في قسم الصحة النفسية بالمستشفى ازداد في الآونة الأخيرة، وأرجعت ذلك إلى ازدياد وعي الأهل بالأعراض النفسية لدى أبنائهم وأهمية علاجهم، لافتة إلى أن أغلب أسباب إصابة الأطفال بمرض نفسي هو بسبب العنف الأسري أو انفصال الوالدين والتفكك الأسري.

شعور بالنقص

وبدورها بينت الدكتورة أمل بن جرش المستشارة النفسية والأسرية أن أغلب أولياء الأمور يفتقرون إلى المساحات الوقتية المخصصة للأبناء، فضلاً عن عدم إلمامهم بقدرات أطفالهم وتوظيفها من خلال الخدمات المجتمعية المتاحة مثل المراكز والأندية.

وأكدت أن غياب الحوار الأسري الراقي مع الأبناء سبب كبير لانصرافهم إلى الأجهزة الإلكترونية، مشيرة إلى أن معظم الحوارات الأسرية يغلب عليها كلمات تعطي انطباعاً سيئاً لدى الطفل، مشيرة إلى أن الأسر في مجتمعاتنا تنقسم إلى 3 أقسام وهي الأسرة الديمقراطية التي تترك الطفل يفعل ما يشاء، والمتسلطة التي تجبر الطفل على الانتهاء من واجباته ثم يتفرغ للأشياء الأخرى، ثم الأسرة الجاهلة غير الملمة بمعطيات المجتمع.

تعزيز الذات

وحول تعزيز الذات لدى الطفل بينت الدكتورة أمل بن جرش أن تعزيز الذات يأتي من خلال الحوار المعزز للشخصية بعيداً عن لغة التسلط والتهديد والوعيد، بحيث يتم إعطاء الطفل مساحة للتعبير عن ذاته وتفريغ ما بداخله بحيث يكون الحوار في اتجاهين، يتم من خلاله الاتفاق على العقاب على أن يختاره الطفل بنفسه من خلال اتفاقية سلوكية بين المربي والطفل، وهذا يعلمه ثقافة احترام القوانين عندما يكبر ويكسر لديهم جانب التمرد والعدوانية واحترام حدود الآخرين.

 

الخدمة الاجتماعية

وبدورها قالت سميرة الحبيشي أخصائية اجتماعية إكلينيكية أولى في قسم الطب النفسي في مستشفى راشد إن الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية بين الأطفال في تزايد بسبب ظهور التقنيات الحديثة من أجهزة «الآيباد» والهواتف النقالة التي يمضي فيها الناس وخاصة الأطفال ساعات طويلة بمفردهم دون رقابة ومتابعة الأهل، مشيرة إلى أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في الحد من مضاعفات الأمراض النفسية.

اضطرابات النوم

وقالت إن إدمان الأطفال على ألعاب الفيديو قد يسبب اضطرابات في النوم وفشلاً على صعيد الحياة الخاصة أو الدراسة، وكسلاً وخمولاً وعزلة اجتماعية، إضافة إلى التوتر الاجتماعي وفقدان المقدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة لدى الفرد.

عوامل

وبينت سميرة الحبيشي أن أسباب الأمراض النفسية كثيرة منها مثلاً المعاناة من بعض المشاكل الجسدية كالسمنة الزائدة أو النحافة الزائدة، أو طول القامة الزائد أو قصرها، وابتعاد البعض عن الاختلاط بالناس والانعزال عن الحياة الاجتماعية، والمعاناة من الفراغ، فعندما يشعر البعض بالفراغ فإنهم يلجأون إلى كثرة التفكير بالأمور المحيطة بطريقة سلبية، ومن هنا تبدأ المعاناة، بحيث يصاب الفرد ببعض الأعراض دون أن يشعر بها ثم تبدأ بالتزايد. كما أن الظروف الاجتماعية السيئة مثل التفكك الأسري والفقر، ترهق أعصاب الأفراد، وصعوبة ظروف حياة الشخص منذ الصغر، حيث تعتبر الطفولة من العوامل الأساسية في تشكيل شخصية الطفل وتأهيلها لما سيكبر عليه، وبالتالي، عندما تكون تربيته صعبة وظروفه قاسية فإنه يكون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.

مخاطر

ومن جانبه أكد العقيد الدكتور إبراهيم الدبل المنسق العام لبرنامج خليفة لتمكين الطلاب «أقدر» أن الدولة تحرص على حضور الاجتماعات الدولية لدراسة سبل حماية الشباب من مخاطر الجريمة الإلكترونية في إطار الحرص على تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والتعريف بأنشطة وبرامج وتجارب شرطة دبي في التصدي للجريمة الإلكترونية وحماية الشباب من مخاطرها، ودراسة السبل الكفيلة بتحصين الشباب في دول الخليج العربي من مخاطرها، مشدداً على ضرورة تفعيل دور الأسرة ووسائل الإعلام والجمعيات الأهلية في التوعية من مخاطر الجريمة الإلكترونية.

ونوه بأن البرنامج أسهم في تطوير كفاءة ومهارات الطلاب والمعنيين للتعامل الآمن مع الإنترنت، موضحاً أنه تم تنفيذ نحو 1000 ورشة عمل توعوية استهدفت حوالي 150 ألف طالب ومعلم وولي أمر، وإطلاق مجلة توعية رقمية تفاعلية باللغتين العربية والانجليزية، وتطبيق مبادرة المدرسة الآمنة رقمياً في نحو 100 مدرسة على مستوى الدولة، إضافة إلى تطبيق منهاج ثقافة التواصل الإلكتروني «السايبر س 3»، وإعداد مكتبة أقدر الصوتية للتوعية الإلكترونية.

وترى موزة أحمد الوالي اختصاصية نفسية ومشرفة المتخصصات النفسيات والاجتماعيات في مراكز المعاقين الحكومية في وزارة تنمية المجتمع، بأن الرقابة الأبوية على استخدام الأبناء للآيباد والأجهزة الإلكترونية ضرورة حتمية بحيث يتم تحديد عدد الساعات والبرامج التي يسمح لهم بمشاهدتها.

انعكاسات

أوضحت سميرة الحبيشي أن التأثيرات السلبية لانشغال الأبناء «بالآيباد» والأجهزة الإلكترونية تتمثل في التأثيرات الصحية على الأعصاب والعين وضعف التحصيل الدراسي وانعكاساته على المستوى التعليمي، والتأتأة وعدم الاكتراث لمشاعر الآخرين، والعدوانية في السلوك تجاه إخوانه وزملائه، فضلاً عن ضعف الارتباط الديني.

وقالت يجب على الأم أن تغلق الإنترنت وتسحب من أطفالها «الآيباد» والألعاب الإلكترونية فور أن يؤذن للصلاة لتعويدهم على احترام الصلاة والقوانين لكي لا ينشأوا على اللامبالاة، مشيرة إلى أن كلمة «لازم» يجب استخدامها فقط لإجبارهم على احترام القيم الدينية، وتفعيل قراءة القصص قبل النوم للأطفال.

 

أولياء أمور: التعاون بين المؤسسات الاجتماعية علاج للمشكلة

الطفل بطبيعته يحب اللعب والحركة المستمرة، ولا شك في أن إرهاق الأم طوال اليوم يجعلها تفضل أن يجلس ابنها هادئاً يشاهد التلفاز أو حتى يلهو بجهازه الذكي، على أن يسبب ضجيجاً بسبب لهوه أو اللعب، ولكن الأمهات قد لا يدركن الآثار السلبية الناتجة عن مشاهدة أطفالهن للتلفاز لساعات طويلة، إذ يعتادون على ذلك، فيتحول الأمر من مجرد مشاهدة عادية إلى إدمان شديد، مما يسبب مشكلات نفسية لهؤلاء الأطفال لدى ممارسة حياتهم الطبيعية.

وفي السياق تقول درة عطاطرة، تعتبر مسألة مكوث الأطفال أمام الشاشات سواء التلفزيونية أو الذكية لوقت طويل واحدة من أكبر المشكلات التي يشتكي منها الآباء والأمهات، والتي لا يكاد يخلو منها بيت في مجتمعنا المعاصر، ويرجع ذلك إلى عدة أمور أهمها انشغال الوالدين عن أطفالهما، بالإضافة إلى عدم توافر البرامج والمناشط الأخرى التي لا شك أن وجودها سيسهم بدرجة كبيرة في صرف اهتمام الأطفال عن مثل هذه الأمور.

وأضافت أن المشكلة الأكبر ليس في انشغال الوالدين فقط بل إنهما حين يعودان إلى المنزل يكونان منهكين من التعب وبالتالي فهما ينشدان شيئاً من الهدوء في المنزل، فيضطران لإلهاء أطفالهما من خلال مشاهدة التلفاز أو اللهو بالأجهزة الذكية التي أدمن عليها أطفال الجيل الحالي كونها تعتمد على المحاكاة البصرية والألوان الجاذبة لهم، مما يسهم في إغرائهم، ولا سيما في هذه السن، بالمكوث فترة أطــول أمــام الشاشــة.

 

حلول

وأضاف يوسف الحمادي أن العلاج من الإدمان على الأجهزة الذكية المسببة لمرض الاكتئاب لدى الأطفال ليس مستحيلاً، إذ يمكن أن يتحقق من خلال التعاون بين مختلف المؤسسات الاجتماعية مثل المنزل، والمدرسة، ووسائل الإعلام وغيرها، في ضبط أوقات الأطفال وإيجاد البديل المناسب، مشيراً إلى ضرورة حرص الأسرة على تنظيم الأوقات بصورة إيجابية، وبخاصة في أيام العطلات والإجازات، إضافة إلى أهمية التركيز على نشر الوعي اللازم الذي يبين مخاطر ومضار ومساوئ المكوث الطويل أمام الشاشات صحياً وفكرياً واجتماعياً.

وأشار أيضاً إلى أن الإدمان المرضي على ألعاب الفيديو قد يسبب اضطرابات في النوم وفشلاً على صعيد الحياة الخاصة أو الدراسة، وكسلاً وخمولاً وعزلة اجتماعية لدى الأطفال، إضافة إلى التوتر الاجتماعي وفقدان المقدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة لدى الطفل.

وتقول سمية سامي: «لا أسمح لأطفالي بقضاء أكثر من ساعتين في اليوم أمام الشاشة، وأبقي دائماً أجهزة التلفزيون والكمبيوتر خارج غرفتهم، إلا أنه وللأسف الشديد فقد باتت الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وفي واقعنا الحالي أصبح استخدامها في عمر مبكر جداً، لافتة إلى أنها كلما ذهبت لزيارة جارتها تلاحظ أنها تترك ابنها أمام شاشة التلفاز مع ألعاب الفيديو لساعات طويلة جداً متعللة بأنها لا ترغب في الإزعاج الذي يسببه لها، حتى أصبحت عيناه تعانيان من الاحمرار الشديد».

وتضيف: «طلبت من جارتي أن تلحق ابنها بأحد النوادي أو أن تشجعه على ممارسة السباحة حتى يتخلص من هذه العادة السيئة التي تسببت في انطوائيته، وفقدانه لمهارات التعامل والتواصل الاجتماعي مع من حوله بشكل لائق، بل إنه أصبح يتمتع بسلوك عدواني وعنيف مع إخوته بأثر من مشاهدة الألعاب الإلكترونية العنيفة، والأكثر من ذلك أنه كذلك أصبح يعاني من السمنة بسبب جلوســه طـــوال اليـــوم مــن دون حركــة».

Email