سرطان البنكرياس.. العدو الأشرس

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من منا لم يسمع بسرطان البنكرياس ومن منا لم يسمع عن قريب أو بعيد في عائلته أو معارفه وافته المنية بعد أسابيع قليلة من إعلان إصابته بسرطان البنكرياس، ومن منا من لم يسمع بالآلام الحادة والمعاناة الشديدة والأعراض المهولة التي يصاب بها مريض البنكرياس قبل وفاته.

كل من عايش التجربة من الناس عن قرب أو بعد مع أحد أقربائه أو معارفه يعرف معنى الإصابة بهذا الورم الفتّاك والسرطان الشرس ويعرف تبعاته القاسية وآثاره الهدّامة على المريض وعائلته ومحيطه.

يقع البنكرياس وهو إحدى الغدد الهامة بالجسم في الجزء العلوي من تجويف البطن خلف المعدة عند مستوى الفقرة القطنية الأولى والثانية، ويبلغ طوله 20 سم تقريبا، ووزنه 75-90 جراما. يعتبر البنكرياس أحد أعضاء الجهاز الهضمي الذي يعمل على هضم وتحليل وتحضير الطعام حتى يمكن امتصاصه والاستفادة منه في خلايا الجسم، حيث تتواجد في داخله قناة تسمى القناة البنكرياسية تربط بين البنكرياس والجزء الأول من الأمعاء الدقيقة، كما يوجد فيه نوعان من الغدد: غدد خارجية الإفراز وغدد داخلية الإفراز. تحدث الإصابة بسرطان البنكرياس غالباً في الجزء العلوي منه مما يؤدي إلى انسداد القناة الصفراوية والإصابة باليرقان. وقد ينتشر المرض إلى الأعصاب المجاورة والغدد الليمفاوية مسبباً الألم للمريض.

يعيش 7% فقط من مرضى سرطان البنكرياس لمدة لا تتجاوز الخمس سنوات، ويتوفى 30% منهم خلال شهرين من التشخيص. وعلى الرغم من أن الجراحة هي الخيار الوحيد للشفاء من المرض، إلا أن المرض غالبا ما يكون قد وصل إلى مرحلة متقدمة للغاية في 80% من الحالات عند التشخيص، ويكون لا داعي لإجراء الجراحة عندئذ.

تتضمن الاختبارات اللازمة للتأكد من الإصابة بسرطان البنكرياس اختبارات الدم، والأشعة بالموجات فوق الصوتية، والأشعة المقطعية، والأشعة بالرنين المغناطيسي، والتنظير الداخلي، ومنظار تلوين قناة الكبد والمرارة وقناة البنكرياس، والتنظير الداخلي بالأشعة فوق الصوتية، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، وإجراء الخزعة على أنسجة من الجزء المصاب، وتنظير البطن. ومما لا شك فيه أن الذي يساعد في تقييم الحالة من الناحية المرضية وله الدور الكبير في التحضير لما يمكن تحضيره من استراتيجيات وسياسات علاجية هو ما يعرف بتصنيف الورم والذي يقسمه إلى مراحل إكلينيكية متصاعدة من مرحلة أولى مبكرة إلى مرحلة أخيرة متقدمة وميؤوس منها وهي موزعة على الشكل التالي:

المرحلة 1

حيث ينحصر وجود الورم في البنكرياس فقط، أي أنه لم ينتقل إلى أي عضو آخر بجانب البنكرياس. ويصنف المرض في هذه المرحلة بأنه في المرحلة المبكرة.

المرحلة 2

حيث ينتقل إلى الغدد الليمفاوية القريبة من البنكرياس أو يزداد حجمه من دون أن ينتقل إلى الأعضاء المجاورة.

المرحلة 3

حيث يجتاح الأعضاء المجاورة مثل البطن، والطحال أو الأمعاء الغليظة. ويمكن أن يجري ذلك مع إصابة الغدد الليمفاوية بذلك أو من دونها.

المرحلة 4

عند انتشار الورم إلى أعضاء أخرى مثل الكبد، أو الرئتين، أو بطانة المعدة. ويطلق الأطباء على هذه الحالة اسم مرحلة المرض المتقدمة.

تعتبر الجراحة أفضل وسيلة متبعة حاليا لحل مشكلة انتشار الورم شرط أن يكون الورم في مرحلته الأولية المبكرة ولم يخرج عن طور السيطرة إلى خارج البنكرياس هذا بالإضافة إلى خلو المريض المصاب من مشكلات صحية صعبة لا تتيح تطور العلاج الجراحي بشكل إيجابي ومن دون مشكلات أو تعقيدات.

وتُعتبر تقنية «ويبل» الجراحية من أشهر أنواع التقنيات الجراحية المعتمدة عالميا لاستئصال سرطان البنكرياس. وفي بعض الحالات المتقدمة يُستخدم أيضاً العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي في دعم العلاج الجراحي في بروتوكولات محددة ومرتبطة بالتقييم النسيجي لسرطان البنكرياس.

ظهرت في الآونة الأخيرة دراسات وأبحاث تربط بين الإفراط في شرب الخمر والتدخين ونشوء سرطان البنكرياس، كما ظهرت أوراق بحثية كثيرة حول تأثير بعض العادات والسلوكيات (في الدول الغربية خصوصاً) كالمزج بين تناول اللحوم المقددة -وخاصة لحم الخنزير- وشرب البيرة في بعض الدول والمجتمعات وازدياد نسبة الإصابة بسرطان البنكرياس فيها، وذلك بسبب التفاعل الكيميائي الناتج عن اختلاط بين مواد تدخل في تركيبة البيرة مثل مادة «نيتروسامين» مع مواد دهنية وبروتينية موجودة في اللحوم المقددة مما يساعد على تحفيز الخلايا السرطانية وسرعة نموها وانتشارها في البنكرياس.

حاز سرطان البنكرياس على ألقاب كثيرة منها «السرطان القاتل» ومنها «السرطان الصامت» ومنها «الورم المخادع» لكن لقب «العدو الأشرس» هو الأكثر التصاقا بواقعه المميت والأوضح تعريفا بسيرته «الخبيثة» القصيرة وبصعوبة علاجه المستعصي.

ولقد أجمع الباحثون في مجال السرطان على قوة «شراسته» وشراسة «عدوانيته» في آن معا، نظرا لتمركزه في منطقة حساسة لا يمكن أن تصل إليها جميع العلاجات بما فيها العلاج الكيميائي ونظرا لقدرته على الانتشار السريع، حيث ينتقل بسرعة قياسية إلى دائرة تصل إلى الغدد اللمفاوية والكبد ثم يمتد ويتمدد وينتقل إلى مناطق أخرى كالرئة والعظام، محدثا آثارا مضاعفة تقضي على المريض في مدة زمنية لا تتجاوز الخمس سنوات وتحدث لديه آلاما شديدة لا يمكنه تحملها.

من هنا تأتي أهمية الالتزام الشديد بإجراء الفحوص الدورية في كشف الأمراض بشكل عام والأورام بشكل خاص والحرص على متابعتها دوريا، وفي حال الكشف عن أية ظواهر أو كتل أو أورام جديدة يجب الإسراع إلى التأكد من مصادرها وتحديد أنواعها وأحجامها.

وبالتالي يجب على الإنسان العادي في عصرنا الحاضر المواظبة على إجراء الفحوص العامة والخاصة بشكل سنوي لمن تجاوز سن الأربعين (ومرتين في السنة لمن تجاوز الخمسين) وعدم إهمال تغيرات الجسم غير الطبيعية لأن الجسم في معظم الأحيان يرسل إشارات معينة وينقل شيفرات محددة لينبّه الإنسان ومن حوله إلى وجود خلل ما أو عوارض ما، منها ما يدخل ضمن نطاق «التقلبات» الدورية أو الطارئة وهي قابلة للعودة إلى طبيعتها الأولى ومنها ما هو خطير وغير قابل للعودة إلى وضعه الأساسي أو الطبيعي!

*استشاري أمراض الأنسجة والخلايا رئيس شعبة أمراض الأنسجة في مستشفى دبي.

Email