الصيام.. ارتقاء بالسلوكيات الإيجابية وتعزيز للصحة النفسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعرف عن الصيام فوائده الصحية الكثيرة، إلا أن الانعكاسات النفسية للصيام والعلاجات التي قد يسهم فيها قد يكون لها أثر إيجابي على العديد من المشكلات النفسية وبعض الأعراض، فخلال شهر رمضان، يتعزز التصالح مع النفس والشعور بالراحة والطمأنينة، ما يخفف من حدّة التوتر والقلق والإحباط والاكتئاب، فالصيام يعزز الارتقاء بالسلوكيات الإيجابية والصحة النفسية للأفراد والمجتمع.

وخلال الصيام، تستريح معظم أعضاء الجسم عن العمل، ويبقى الدماغ هو الأكثر نشاطاً، ما يساعد على التخفيف من حدة التوتر والعصبية والانفعال.

كما يحد الصيام من بعض الأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق، والأرق والضغوط النفسية، فيولّد القدرة على تحمُّل ضغوط الحياة ومواجهتها، ما يؤدي إلى الاستقرار النفسي.

ضبط النفس

وفي هذا الصدد، أفادت الدكتورة سامية خوري استشارية ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى راشد بأن شهر الصيام يساهم في ضبط النفس والتقليل من العصبية والغضب، حيث يُدرك الصائمون الكثير من المعاني الروحانية وقيمة النعم التي كانوا يحظون بها على مدار 11 شهراً، ويمتازون خلال هذا الشهر بزيادة صبرهم وتحملهم واحترامهم للآخرين. كما يعزّز رمضان من قيم التسامح والتراحم بين الناس، مشيرة إلى إنّ «شكر الله على نعمه، والرضا على ما أنعم به علينا، من أبرز أسباب الشعور بالراحة والطمأنينة، وهذا كلّه يخفف من حدة التوتر والاكتئاب».

تهدئة النفس

ويساهم صيام شهر رمضان المبارك بتهدئة النفس وتهذيبها، ويخفّف من التوتّر والقلق والاكتئاب، على عكس ما يروّج بأنّه يزيد من العصبية وسرعة الانفعال والغضب، وذلك بحسب، الدكتورة سامية خوري، والتي أكدت أن للصوم فوائد جمة بشكل عام على الجميع ويؤثّر بطريقة إيجابية بشكل خاص على الحالة النفسية للصائمين.

وأضافت: إنَّ «شهر رمضان يدفع الصائم إلى الوقوف مع نفسه، ومحاسبتها، ويحدّد ضوابط ترتبط أساساً بالعبادات والأخلاق»، مشيرة إلى أن أهمّ تغيير فيزيولوجي في رمضان يتمثّل في زيادة عمل الدماغ ويساعد على إفراز عوامل نمو الأعصاب، وتساهم هذه الإفرازات في حماية الصائم من التوتر والقلق والاكتئاب والإحباط.

تصالح مع النفس

وقالت الدكتورة سامية خوري: الصيام لا تقتصر إيجابيته على الصحة البدنية فقط، بل تشمل أيضاً الحالة النفسية للشخص، ويساهم بصورة كبيرة في التخفيف من حدّة التوتر والقلق والإحباط والاكتئاب، وذلك حسب ما توصلت إليه الدراسات والأبحاث. فخلال الصيام، تستريح معظم أعضاء الجسم عن العمل، ويبقى الدماغ هو الأكثر نشاطاً، ما يساعد على التخفيف من حدة التوتر والعصبية والانفعال.

تحسن

وحول إمكانية صيام المرضى النفسيين، أكدت أنه أجريت دراسة انتهت إلى أن غالبية المرضى النفسيين تتحسن حالتهم النفسية بالصيام في رمضان، موضحة أن الصوم يمنح الصائم الأمل في ثواب الله، ويجدد رغبته في الخروج من دائرة اليأس، فمشاركة الآخرين في الصيام والعبادات طوال رمضان تنهي رغبة مريض الاكتئاب في العزلة التي يفرضها عليه المرض، ويتحول إلى شخص متفائل تبعده عن فكرة إيذاء النفس.

وأضافت: «تبين أن صيام رمضان وما يصاحبه من مشاركة في العبادات تجعل مرضى القلق النفسي يشعرون بالاطمئنان، وتتراجع مخاوفهم بالتدريج حتى يتخلصوا تماماً من مشاعر القلق والتوتر»، لافتة إلى أنه في حالة مرضى «الوسواس القهري» تتحسن الحالة النفسية للمريض، حيث ينشغل بالعبادات وقراءة القرآن ما يجعله يستبدل اهتمامه بالأوهام والوساوس بالاندماج في طقوس رمضان، ويشعر بالثقة في نفسه والرضا داخلياً لقدرته على أداء الفريضة مثل غيره.

وذكرت أن الكثير من حالات الأمراض النفسية تتعافى وتتحسن كلما كان لدى المريض وازع ديني قوي، والتزم بأداء العبادات، ولذلك فإن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية متزنة، وملتزمون بأداء العبادات والتعامل بروح الدين في حياتهم هم الأقل عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية.

وأكدت الدكتورة سامية خوري أن الصيام فرصة ذهبية لمن لديهم أي مشكلات نفسية، فهو يقوي الإرادة ويزيد ثقة الإنسان في نفسه وقدراته، وسلاح فعّال في مواجهة الاكتئاب والقلق والوساوس المرضية.

آثار إيجابية

من جانبها، قالت سميرة الحبشي أخصائية اجتماعية اكلينيكية أولى في قسم الطب النفسي في مستشفى راشد، القاعدة الطبية المعروفة التي تؤكد أن الوقاية أفضل وأجدى من العلاج تنطبق تماماً في حالة الأمراض النفسية، فقد ثبت لنا من خلال الملاحظة والبحث في مجال الطب النفسي أن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية متزنة ولديهم وازع ديني قوي، ويلتزمون بأداء العبادات وروح الدين في تعاملهم هم غالباً أقل إصابة بالاضطرابات النفسية، وهم أكثر تحسناً واستجابة للعلاج عند الإصابة بأي مريض نفسي، وبعض هذه الدراسات تم إجراؤها في الغرب حيث ذكرت نتائج هذه الأحداث أن الإيمان القوي بالله والانتظام في العبادات لدى بعض المرضى النفسيين كان عاملاً مساعداً على سرعة شفائهم واستجابتهم للعلاج بصورة أفضل من مرضى آخرين يعانون من حالات مشابهة، والأغرب من ذلك أن دراسات أجريت لمقارنة نتائج العلاج في مرضى القلب والسرطان والأمراض المزمنة أفادت نتائجها بأن التحسن في المرضى الملتزمين بتعاليم الدين الذين يتمتعون بإيمان قوي بالله كان ملحوظاً بنسبة تفوق غيرهم.

طمأنينة

وأضافت أن جميع الأبحاث أكدت أن شعور الطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان بالله له علاقة بقوة جهاز المناعة الداخلي الذي يقوم بدور حاسم في مقاومة الأمراض.. وقالت إن الصيام وذكر الله في نهار رمضان والتقرب إلى الله بالعبادات في هذا الشهر من الأمور الإيجابية التي تنعكس على الصحة النفسية للجميع.. والفرصة كبيرة أمام الذين يعانون من الاضطرابات النفسية لتدعيم تحسن حالتهم ومساعدتهم في الخروج من المعاناة النفسية.. كما أن الفرصة الذهبية هي من نصيب ممن هم أسرى لعادة التدخين التي تهدد صحتهم ويمكن أن تودي بحياتهم، وللذين وقعوا في مأزق الإدمان على المواد المخدرة.. كل هؤلاء يمكنهم الاستفادة من هذه الفرصة في شهر رمضان الذي استقبلناه ونعيش أيامه ولياليه في جو روحاني رائع.

روحانية

وقالت إن الجو الروحاني الخاص الذي يميز هذا الشهر من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار، وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية على المرضى النفسيين الذين يعانون من العزلة ويشعرون أن إصابتهم بالاضطراب النفسي قد وضعت حاجزاً بينهم وبين المحيطين بهم في الأسرة والمجتمع.. وشهر رمضان بما يتضمنه من نظام شامل يلقي بظلاله على الجميع حين يصومون خلال النهار، وتتميز سلوكياتهم عموماً بالالتزام بالعبادات، ومحاولات التقرب إلى الله. وتعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث على الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة التي تمثل معاناة للمرضى النفسيين، فيسهم هذا التغيير الإيجابي في حدوث تحسن في حياتهم النفسية.

إرادة

كما لفتت أخصائية اجتماعية اكلينيكية أولى في قسم الطب النفسي في مستشفى راشد إلى أن للصوم آثاراً إيجابية في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة ضعف في كل مرضى النفس.

تحسن

أوضحت سميرة الحبشي أخصائية اجتماعية اكلينيكية أولى في قسم الطب النفسي في مستشفى راشد أن الصوم يمنح أملاً في الثواب ويساعد على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي، كما أن الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب يسهم في قدرة المريض على مقاومته للأعراض المرضية.. ولهذه الأسباب فإننا في ممارسة الطب النفسي ننصح جميع المرضى بالصيام في رمضان ونلاحظ أن ذلك يؤدي إلى تحسن حالتهم النفسية.

 

Email