السعي إلى مصادر طاقة مستدامة يدفع بالعلماء للتجديد في مجال الطاقة النووية

منعطف بالغ الأهمية في طاقة الاندماج

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن علماء الطاقة الأميركيون اكتشافهم معلماً مهماً في سعيهم باهظ التكلفة، الذي استغرق عقودا لتطوير طاقة الاندماج، التي تعد إذا أمكن التحكم فيها بنجاح أن تكون مصدرا مستداما للطاقة لأجيال المستقبل.

وذكرت مجلة «ساينس أند تكنولوجي»، العلمية المتخصصة، في تقرير لها حول هذا الموضوع، أنه للمرة الأولى استطاع العلماء في مختبر «ليفر مور»، الوطني في كاليفورنيا انتاج طاقة من تفاعلات الاندماج تفوق في كميتها الطاقة الموضوعة في وقود الاندماج.

ووصف الباحثون هذا الإنجاز بأنه مهم، ولكنهم قالوا إن الحاجة ماسة إلى المزيد من العمل قبل أن يصبح الاندماج مصدرا يعتمد عليه للطاقة.

وأوضح الباحثون المشرفون على المشروع بقيادة عمر هيراكين أن ضرورة بذل جهد في عمليات الاندماج يرجع إلى أنها لم تنتج التسخين الذاتي المطلوب بعد والمسمى بالاشتعال لإتمام الاندماج النووي، الضروري لأي محطة لإنتاج طاقة الاندماج.

وواجه العلماء تحديات هندسية وعلمية كبيرة خلال محاولاتهم تطوير الاندماج النووي.

وفي هذا الصدد قال عمر هيراكين : «لأول مرة، في الحقيقة ، حصلنا على طاقة أكبر من هذا النوع من الوقود، الذي وضعناها فيه. وهذا نادر في حد ذاته، وهذا نوع من التحول الكبير».

وعلى عكس الوقود الأحفوري وطرق استخراجه وفصل مكوناته عن بعضها، لا تلوث طاقة الاندماج النووي البيئة بالنفايات المشعة ولا بغازات الدفيئة، وذلك لأن الطاقة تنتج عبر محاولة إدماج الذرات النووية مع بعضها البعض.

تحفيز الاندماج

ويشير العلماء إلى أن الأمر يحتاج إلى سنوات كثيرة قبل اعتماد نتائج الاندماج النووي كمصدر عملي للطاقة. وفي هذا السياق يقول هيراكين : «اتمنى أن أحدد موعدا لذلك، إلا أن الأمر لا يزال بحثا فقط، وعلى الرغم من أننا نمضي بشكل جيد في هذا المجال، إلا أننا لا نستطيع تحديد موعد محدد بعد لجعل الاندماج النووي مصدرا دائما للطاقة».

واستخدم العلماء 192 شعاع ليزر لاستخراج الطاقة من كبسولة بحجم 2 مليميتر ملأت بوقود الانصهار، المتكون من بلازما مادتي الديوتيريوم والتريتيوم، اللتين تعتبران نظائر الهيدروجين.

وتم طلاء الجدار الداخلي للكبسولة بطبقة مجمدة من الوقود يقل سمكها عن شعرة الإنسان. وعلى درجة حرارة عالية جدا تم بدأت نواتا الديوتيريوم والتريتيوم بإطلاق نيترونات وجزيئات ألفا وانتاج الطاقة.

وبينت النتائج المنشورة في مجلة «جورنال نيتشر»، أن هذه التجارب ولدت مادة تزيد 3 مرات عن كثافة الشمس. وكشف العلماء عن أنه تم انتاج طاقة كبيرة في تجربتين اثنتين من أصل ثلاث تجارب، غير أن المجموع الكلي للطاقة المنتجة لا يزال أقل من الكمية المكرسة فيها.

ولدى بطء عمليات التفاعل بين جزيئات الديوتيريوم والتريتيوم، يسلط العلماء مختلف أنواع أشعة الليزر في مختلف مراحل التجربة لرفع درجات حرارة المواد وتحفيزها لإنتاج الطاقة. ويقول الخبراء في هذا المجال إن عائد طاقة الانصهار ارتفع لعشرة أضعافه في حجم سلسلة التجارب السابقة، التي بدأت العام الماضي.

يشار إلى أن الإدارة الوطنية للأمن القومي، التابعة لوزارة الطاقة الأميركية تشرف على مختبر «ليفر مور»، الوطني الرائد في انتاج الطاقة الاندماجية.

ويقدم استخدام طاقة الاندماج النووي بدائل بارزة عن أنواع الطاقة التقليدية كالنفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى. ولاستغلال فرصة البدائل هذه تستثمر الولايات المتحدة ودول أخرى ملايين الدولارات في أبحاث الاندماج النووي بنتائج مختلفة.

إنتاج الطاقة الاندماجية

وتوجد طريقتان رئيسيتان لإنتاج طاقة الاندماج النووي، أولاها من ما يعرف بالعجز الذاتي لطاقة الانصهار، وذلك عبر تسليط أشعة الليزر على نواة الذرات وتحفيزها لإنتاج الطاقة.

والثانية تعرف بالمجال المغناطيسي لطاقة الانصهار، وهي الطريقة التي يعتمدها مركز «كولهام»، البريطاني لطاقة الاندماج النووي ومختبر «برينستون بلازما» الفيزيائي في نيوجيرسي، حيث يتم انتاج الطاقة بوضع البلازما في مجال مغناطيسي وتسخينها.

من جهته قال ستيف كولهام، مدير مركز «كولهام»، للطاقة إن : «النتائج ممتازة»، مضيفا إن من الصعب مقارنة نتائج مختلف التجارب مع بعضها البعض وذلك لاختلافها.

ويشير كولهام في هذا الصدد إلى أنهم : «انتظروا 60 عاما للحصول على الاندماج النووي المنضبط، وهم الآن قريبون من تحقيق منجزات أكبر في كلتا الطريقتين».

وذكرت مجلة «ساينس أند تكنولوجي»، أن الباحث في الاندماج النووي مارك هيرمان من مختبرات «سانديا»، الوطنية، في نيو مكسيكو، والخاضعة أيضا لإشراف الإدارة الوطنية الأميركية للأمن القومي قال إن نتائج الأبحاث في هذا المجال مهمة، مشددا على أن «الطريق لا تزال طويلة جدا لتقييم جدوى الاندماج كمصدر للطاقة البديلة على المدى الطويل، وأنا أؤمن أن هذه الطاقة النظيفة مهمة جدا للإنسان، وإذا ثبت وجود جدوى اقتصادية لها فإنها ستكون كبيرة».

المجالات العملية

 

تستعمل عملية الاندماج النووي في إنتاج الطاقة الكهربائية في المفاعلات النووية، كما تستعمل لإنتاج الأسلحة النووية. ومن المواد النووية الاندماجية الهامة والتي تستخدم كثيراً في المفاعلات الذرية مادتي اليورانيوم-235 وبلوتونيوم-239، والتي هي عماد الوقود النووي.

وفي الوقود النووي يتم ما يسمى بالتفاعل المتسلسل حيث يصطدم نيوترون مع نواة ذرة اليورانيوم-235 فتنقسم إلى قسمين؛ ويصاحب هذا الانقسام انطلاق عدد من النيوترونات يقدر ب 2 و5 نيوترونات في المتوسط وينتج عن ذلك انتاج الطاقة.

Email