جداريات دبي قصص ملونة تنسج خيوط التراث

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«بحار عجوز، حفر الزمان خطوطه على ملامحه، يشد بيديه مجاديف قاربه الصغير»، ليبحر فيه بعمق الثقافة الشعبية، التي ترعرعت على شواطئ دبي، بينما تطل «فتاة صغيرة على العالمين من شباكها الصغير»، وقد جدلت ضفائرها بعناية، لتطالع وشقيقها ثلة من الأطفال الذين يركضون في عرض الفريج، يلاحقون معاً عجلة صغيرة، أعدت لتكون لعبتهم المفضلة.

تلك صور مستلهمة من التراث المحلي، تحررت من كوادرها الخشبية وتمددت ألوانها على جدران الثاني من ديسمبر، ذاك الشارع الذي إن مررت به تشعر بأنك تتجول بين ثنايا ذاكرة التراث الشعبي، الذي يعود إلى الوراء كثيراً، ويبقى شاهداً على رصانة «دانة الدنيا» التي تمددت على خورها، ونثرت شعرها على شواطئ البحر، الذي تطل عليه من خلال عيني فتاة جميلة، اختبأت بين طرقات «لا مير»، التي تذكرك برائحة البحر والسمك، وتنريمة «هو يا مال».

جداريات كثيرة تغفو على جنبات شوارع دبي، ليس في جميرا فقط، وإنما تتوسع لتشمل طرقات الإمارة، ومجمعاتها السكنية، ومزاراتها السياحية، التي تنبض بالحياة، جل هذه الجداريات حملت تواقيع فنانين تشكيليين عالميين وآخرين محليين، ممن تركوا بصمتهم على الجدران، وهم الذين احترفوا أصول «فن الغرافيتي»، الذي اكتسب في دبي «صفة رسمية»، فلم يعد فيها مجرد «خربشات على الجدران»، بل فناً ناطقاً بالحياة، فيما ساهم «براند دبي»، الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، في تكريس هذه الظاهرة الإبداعية، التي أنتجت جداريات رائعة امتدت على طول منطقة جميرا، ومناطق دبي الأخرى، إيماناً بأن «كل فن يحمل نوراً للآخر»، فجاءت هذه اللوحات لتبث روح الحياة في الجدران، وتحميها من الذوبان في ذاكرة النسيان.

ذائقة فنية

«للجداريات الفنية وقع خاص، على قلوب عشاق الفن»، بهذا التعبير آثرت الفنانة التشكيلية شيماء العامري، وصف أهمية الجداريات. وقالت: «أعتقد أن أهمية الجداريات تكمن في مساحتها، فكلما اتسعت المساحة، اتسع أفق الفنان وقدرته على التعبير، فضلاً عن كونها تسهم في رفع سوية الذائقة الفنية والبصرية للمتفرج».

شيماء التي تعودت أن تسكب ألوانها على الورق والكانفس، أشارت إلى أن حضور التراث في الجداريات، يمنحها طابعاً خاصاً، وقالت: «ذلك يعكس نظرتنا إلى الواقع، وارتباطنا بماضينا، وكذلك تطلعاتنا إلى المستقبل، فالكثير من الجداريات التي وجدت سواء في دبي أم أبوظبي أم الإمارات الأخرى، ساهمت في التعبير عن مكوناتنا ونظرتنا وهويتنا الوطنية». وأكدت شيماء أن الجداريات تمنح الناس فرصة للتأمل، والاستمتاع بالمشهد البصري.

وقالت: «التطور الذي مرت به تجارب «الغرافيتي» والجداريات، يعكس تطور المشهد البصري للمدن، ومدى تطورها، وهو ما يتناغم تماماً مع طبيعة دبي التي تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل».

وقالت العامري: «الجداريات عادة ما تشكل تحدياً للفنان، بالنظر إلى اتساع المساحة التي يسكب عليها ألوانه، وهو ما يتطلب منه الموازنة في الأشكال والتعابير، خاصة إذا كانت الجدارية تنتمي إلى فئة البورترية، أو الشخوص، والتي تستدعي الاهتمام بالتفاصيل والملامح وإبرازها بطريقة جميلة، قادرة على التعبير». وبيّنت أن الجدارية قادرة على بث الروح في الحوائط الخاوية، واستشهدت في ذلك بقول بيكاسو إن «الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية».

توجه رائع

«الجداريات مهمة جداً للأماكن العامة والطرقات»، هكذا ينظر إليها الفنان التشكيلي إياد الموسوي، الذي يرى أنها «مهمة لتطوير الذوق العام والذائقة البصرية»، نظرة الموسوي تلك تجسدت في معرضه الفني «تجليات العشق – مشروع الجداريات» الذي أقامه في يناير الماضي بدبي، حيث قدم فيه نماذج عدة لـ «الجداريات» التي تبعث على الفرح والإيجابية.

وفي هذا السياق، اعتبر أن وجود الجداريات في دبي، هو «توجه رائع وجميل». وقال لـ «البيان»: «أعتقد أنه يجب أن تستمر هذه التجربة، وأن تتسع رقعتها لتشمل كل أرجاء المدينة»، مبيناً أنه حتى الآن لا تزال «الجداريات في دبي في بداياتها».

وقال: «أعتبرها خطوة جميلة وجيدة، ويمكن مع مرور الزمن أن تتحول هذه الجداريات إلى بحث تشكيلي معمق، لأن انتشار الجداريات حول المدينة سيؤثر بشكل إيجابي في الحركة التشكيلية، وسيقدم فرصاً للفنانين التشكيليين للعمل والإنتاج الفني، الذي يسير بالاتجاه الصحيح».

Email