«أنت لا تصغي».. دعوة للإنصات في زمن الإنترنت

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن لفذلكة كتاب يحمل عنوان «أنت لا تصغي»، أن تحلّ في زمان أنسب من الذي نعيشه اليوم، رغم المنحى المرعب الذي يمكن أن يتم فيه تجاهل المسألة برمتها في عصر ما عاد إيثار الناس للهواتف على الناس بالأمر العجيب. لقد بات من الواضح بالنسبة للأشخاص الذين يفكرون بوضوح وبمعزل عن تفهّمهم أننا نعيش في زمن حيث نناضل للإصغاء، بل ونطالب بأن يتم الاستماع لنا.

هكذا تفرد المؤلفة كيت مورفي في «أنت لا تصغي» المشكلة وتحللها بتفاصيلها المحبطة: «في المقاهي، والمطاعم، وطاولات العشاء العائلي، تجد الناس بدلاً من التحدث أحدهم إلى الآخر ينظرون إلى شاشات هواتفهم. حتى وإن كانوا يتحادثون، تجد الهاتف متربعاً على الطاولة.

وكأنه جزء من أدوات المائدة، يتم تناوله بين الحين والآخر كسكين أو شوكة بما يوحي ولو ضمناً أن الرفقة الحالية ليست جاذبة بما يكفي. في وقت مضى، كانت حين تمرّ لحظات من الفراغ أو القلق، يستل الناس سيجارةً فيشعلونها»، تقول مورفي، وتضيف: «أما اليوم فإن يدهم تمتد بشكل غير واعٍ إلى هواتفهم».

ثقافة

إلا أن الهواتف ليست الوحيدة المسؤولة عن تدمير قدرتنا على الإصغاء، تؤكد مورفي، بل ثقافة «التسويق الشخصي العدائية، حيث إن الصمت يرادف التأخر. فأن تصغي يعني أنك تفوّت فرصة تطوير علامتك وصنع بصمة خاصة بك.

وعادةً ما ينظر للإصغاء على أنه نظير التكلم المهادن. وأصبحت القيمة اليوم لما تعرضه، لا لما تستوعبه، وباتت صورة النجاح والقوة تتلخص في شخص مزوّد بميكروفون يصرخ من على مسرح ما».

تخوض مورفي في بحثها الأكاديمي حول فن «الإصغاء»، الذي يبدو غثاً بالمقارنة مع قريبه «التحدث»، وتسرد لنا مقابلات أجرتها مع أشخاص يتمحور عملهم حول الاستماع والانتباه. وتشير إلى أن ما قد يخيّل لنا للوهلة الأولى أنه مجرد نشاط سلبي، ليس في الواقع إلا نشاط فاعل يتطلب مهارةً فريدةً.

فلسفة

نخطئ كثيراً، حسبما ترى مورفي في التقليل من أهمية الإصغاء وتذكرنا بما قاله الفيلسوف الإغريقي إبكتيتوس: «لقد وهبتنا الطبيعة فماً واحداً وأذنين بحيث نستمع ضعف ما نتكلم». وفي جميع الأحوال، فإن العالم أصبح كثير الضجيج بحيث غدا الإصغاء تحدياً جسدياً حقيقياً. في الأساس؛ الإصغاء فضول كبير ونوع من الانفتاح الدال على رغبة المستمع أن يتعلم شيئاً من المتحدث.

Email