كثيرة هي الحكايات التي يمكن تلمسها بين جنبات دبي مفعمة بألق الثقافات وجماليات التنوع والإبداع، وبعضها يتصل بالمجتمع، وأخرى تسرد قصصاً نابعة من حضارات محددة يعيش بعض أبنائها على أرض «دانة الدنيا»، إذ نجدهم اتخذوا منها مقراً ليسردوا مع حكايات حضاراتهم وثقافاتهم وإبداعاتهم قصصاً ثرية مختلفة، استطاعت أن تثري المشهد الثقافي والفني في الإمارة، تلك التي لا تمل من ذكاء وتنويع معارضها الفنية وما تفيض به من جماليات فنية.
فدبي باتت وجهة للمبدعين، ممن يدركون أهمية الألوان وتأثيرها في النفس، ويجيدون رواية حكاياتهم وأفكارهم باستخدامها، وهنا نجد معارض كثيرة تحتضنها دبي حالياً، تكاد تغطي كل زاوية من زواياها، ولكننا نتبين ملمحاً متفرداً خاصاً لاثنين بينها، هما: «انعكاس» و«لأول مرة منذ زمن بعيد»، إذ تكاد المرأة أن تشكّل قاسمهما المشترك، ليس لكون الأعمال من صنع أناملها فقط، وإنما لأن موضوعاتها تتصل بصورة أو أخرى بالمرأة وهمومها.

4
السعودية تغريد البقشي، ومواطنتها سندس الإبراهيم، وآية البيطار، والأوكرانية فيرا دي جي، أربع فنانات اجتمعن في واحة إبداعات دبي، لتسرد كل واحدة منهن حكايتها مع الألوان في معرض مشترك حمل عنوان «انعكاس»، هدفه الأساسي تمثل في استكشاف الحواس المختلفة، باستخدام لغة المشاعر والإبداع.
نظرة واحدة على أعمال الفنانات الأربع، اللواتي اجتمعن في منطقة القوز بدبي، وتحديداً في عائشة العبار غاليري للفنون، لا تكفي لاستكشاف مدى تأثير انعكاس الأعمال البشرية والفنية في المجتمع، وإعادة بناء المستقبل، وهو الأمر الذي جعل من أعمالهن موضوعاً مهماً في الفنون التشكيلية، فطالما اعتبرت الفنانة تغريد البقشي المرأة بأنها «شيفرة كونية»، وسعت إلى التعبير عنها بطريقة غير مباشرة، كما في لوحات «حديث التفاح» التي فاضت بالكثير من المشاعر والأحاسيس الإنسانية، لكون المرأة لدى تغريد البقشي تمثل الكون، وهي الاحتواء لكل شيء حولها، وهي التي تمنح المجتمع السكينة والتوازن.
في المقابل، يبرز التراث الماضي بكل أصالته في أعمالها، لكونه يأتي من زمن معبق بالحكايات والتاريخ والحكمة. 7 لوحات قدمتها تغريد البقشي، مزجت فيها بين الفن التوضيحي والتجريدي، وسلطت الضوء من خلالها على فلسفة الإنسان، إذ تنقل مفردات اللوحة إلى خارج الإطار.
في المعرض ذاته، بدا فن الخط العربي أو «الكاليغرافيتي» مغرياً للفنانة الأوكرانية فيرا دي جي التي مزجت عبر لوحاتها الثماني بين الأساليب الأوروبية وفن الخط العربي، ولكن الملاحظ هو ميلها نحو الشكل الدائري، لكونه يمثل احتضاناً للأفكار، معتمدةً في الوقت ذاته اللون الذهب الذي يشي بالجانب المشرق من الحياة والأمل الذي تمنحه المرأة عادة للمجتمع.

بحث في الحياة
حكاية إبداعات المرأة لم تتوقف عند حدود ما قدمته الفنانات الأربع، وإنما امتدت في دبي، لتشمل أيضاً مركز فن جميل بمنطقة الجداف، الذي ما إن تلج من بوابته الضخمة، حتى تواجهك جدارية معلّقة، تحمل توقيع الفنانة السعودية سارة أبو عبد الله، التي تعودت في أعمالها على البحث في الحياة الخليجية المعاصرة، وكيف أسهمت التكنولوجيا بكل أشكالها في صياغة مفهوم هذه الحياة، ونظرة المجتمعات الخليجية إلى العالم.
وبرغم أنها المرة الأولى التي تطل فيها سارة على الملأ في دبي، عبر معرض خاص يحمل عنوان «لأول مرة منذ زمن بعيد»، فإن أعمالها، لا سيما الجدارية منها، تبدو لافتة، تدعوك إلى التوقف أمامها طويلاً والتمعن في تفاصيلها، ومحاولة قراءتها، برغم هيمنة اللون الأسود عليها، إذ تحمل الكثير من التفاصيل، وتسعى إلى البوح عن طبيعة الاهتمامات، ونوعية الثقافات التي تسود في حياتنا حالياً، في ظل استمرار تدفق المعلومات والصور من كل حدب وصوب.

