بيت الشيخ سعيد في حضرة صناع الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

للتراب هنا طعم آخر، ورائحة معتقة تتلبسك وتأخذك إلى هناك، حيث البساطة والإرادة تغزلان حقبة من تاريخ الإنسان الإماراتي، هنا أنت لست وحدك رغم خلو المكان إلا من الشمس الدافئة، أنت في حضرة صناع الحياة ومؤسسي نهضة مدينة دبي، أنت في صحبة آل مكتوم، ينقلونك من صورة جميلة إلى صورة أجمل، قف ما شئت من زمن، واحفر بعينيك في اللوحات بحثاً عن معنى جديد، وأنصف بقلبك إن شئت وصفاً أو.. فالصمت أولى، لا صوت يعلو في المكان فوق الأغاني الآتيات مع نسيم الذكريات، ودقات قلبك ولهاث أنفاسك سعياً للجمال، هنا في بيت المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم ومع جولة «البيان»، تتوقف عقارب الساعة، ويظل إحساسك بالزمن رهن أحاديث الجدران، وهمس الزخارف وحكايا «البراجيل» المطلة على مياه خور دبي، قرن ونيف شاهد على المتغيرات والإنجازات، «براجيل» أربعة بوسعها أن تدلك عبر شرفاتها على ما كان وما هو كائن، صورة دبي الحديثة بمبانيها المعمارية على أحدث طراز، وصورة دبي العائدة إلى عام 1896 حيث تاريخ إنشاء بيت الشيخ سعيد آل مكتوم.

راية التأسيس

تأخذ شهيقاً عميقاً مع الدهشة، لا فرق بين الصورتين، فهنا السواعد التي بذرت ورفعت راية التأسيس، وهنا السواعد التي شمخت وتناوبت على حمل الراية على مر التاريخ، تعود إلى داخلك وتسأل، ثم تجيب عن نفسك، بيت الشيخ سعيد ليس مجرد جدران وزخارف أو «براجيل»، إنه قصة تاريخ وفصل من فصول نجاحات آل مكتوم. في عهد المغفور له الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم تم بناء البيت واستخدم مسكناً ومقراً للحكم.

يقع البيت في منطقة الشندغة بين الخليج العربي وخور دبي على مساحة قدرها ثلاثة آلاف وستمئة متر مربع، ومقسم إلى أربعة أجنحة، الأول جناح المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم، والثاني للمغفور له الشيخ جمعة بن مكتوم، والثالث للمغفور له الشيخ حشر بن مكتوم، والرابع للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إضافة إلى المجلس الرئيس وغرفة لكاتب الشيخ، أما الطابق العلوي فيحتوي على غرف متعددة وشرفات واسعة، وكان يستخدم صيفاً لتوفير التهوية الجيدة والإطلالة المباشرة على الخور، وقد ظل البيت عامراً بالسكان طوال فترة حياة الشيخ سعيد (1888ـ1958م).

ركن أساسي

يمثل بيت الشيخ سعيد ركناً أساسياً لمظاهر تطور تاريخ دبي الحديث في عهد آل مكتوم، واستمر محتفظاً بمكانته مقراً للحكم حتى عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وأضحى ضمن الشواهد التاريخية لحضارة الإمارة، ولهذه الأهمية التاريخية، فقد تم إعادة ترميمه في العام 1986م وتحويله إلى متحف وطني توثيقي يعرض مراحل التطور الحضاري، التي شهدتها الإمارة، وفي العام 1996 تم افتتاحه أمام الزوّار.

تلك نبذة معلوماتية تاريخية استقيناها من كتيّب أعده قسم المباني التاريخية ببلدية دبي، هي نبذة في غاية الأهمية. نعم، لكن حيز الإحساس يبقى نابضاً تجاه المكان وتفاصيله الصغيرة. وإذا كان البيت قد تحوّل إلى متحف ومعرض للصور يجسدان الحياة القديمة، فإن الأصل والصورة يأسرانك في أجواء متوحدة، أنت تتجول بين الأجنحة والغرف في بيت الشيخ سعيد. هذه حقيقة، أنت الآن في صورة قديمة جداً للبيت والساحة المحيطة به، تطالعك الوجوه الضاحكة، تشعر بأنك واحد من أولئك العائدين من السوق حاملين أطفالهم على الأكتاف، وأيديهم السمراء قابضة على مشترياتهم البسيطة. أنت في صورة لمنطقة الشندغة، تخلع حذاءك وترفع ثنية بنطالك وتدوس الماء عابراً مع السائرين، تخرج من جناح وتدخل آخر، غناء الصيادين يملأ أرجاء الغرفة، تلهث معهم، تجدف بقوة، تسحب الشباك وتفلق المحار، تهش الأغنام مع الراعي، وتستظل تحت جذع نخلة باسقة، تتفحص النقود والطوابع التذكارية، تلقي التحية على الصائغ وبائع الأقمشة، وتشاكس بائع الأسماك فيرد عليك بابتسامة واسعة تخترق إطار الصورة.

لست وحدك

في بيت الشيخ سعيد.. لست وحدك، أنت في عالم نابض لا يزال يعيش الحياة، أنت في حضرة من يفعلون ما يقولون، ها نحن من كنا ومن نكون، كأنك تجلس مع الشيخ سعيد، تنتقل معه إلى مجلس في الهواء الطلق، تغمرك أحاديث الكبار وقفزات الصغار، أنت في صورة مع الشيخ راشد بن سعيد على مائدة من حصير، تعود إلى الشيخ سعيد وتقلب ساعة جيبه العتيقة، تصعد درجات تطل على الساحة، يملأ البيت والمكان عينيك، نسمة هواء تداعب الأوراق بين يديك، تدور في ثنايا المكان، تتفحص الزوايا وسياج النوافذ، تطل بقلبك على لوحة تشكيلية متفردة، تجمع بين الماضي والحاضر، وفي المنتصف تجري مياه الخور حاملة مزيجاً من السفن الحقيقية والزوارق الحديثة، ما زلت في المكان تبحث عن سر اللوحة ومفاتيحها، وتأتيك الإجابة، إنها إرادة الإنسان.

أماكن عتيقة

يحرص الزائر عامر عبدالله على زيارة الأماكن العتيقة بين فترة وأخرى، ويقول: «فيها أشعر بأنني أنتمي إلى مكان له في الحضارة الإنسانية والإسلامية باع طويل، كما أنني أعشق الأماكن القديمة، ولا يختلف اثنان في رسالة المتاحف وما تحتويه من معارف وأشياء لها عظيم الإفادة في بناء الثقافة العامة». أما صلاح محمد فيؤكد أنه لا يضيع فرصة للاطلاع على إضافة جديدة من تراث الإمارات، وبالنسبة لهذه الزيارة يقول: «رسخت المعلومات في ذهني أكثر، وأفتخر عندما أرى السائح يقطع الأميال لرؤية ما لدينا».

وتقول السائحة الروسية كريستينا: «قرأت كتيباً عن دبي في مكتب للترويج السياحي في بلدي، وأعجبني تصميم البيوت القديمة، لذلك أنا هنا اليوم لرؤية ذلك في الواقع». وتكمل: «لقد فوجئت كثيراً من أن دبي التي نراها اليوم لم تكن كذلك منذ 40 عاماً مضت، هذا شيء مذهل».

وأشارت إلى أن المتاحف في كل بلدان العالم جزء مهم من حياة الشعوب، لذلك فهي تستحوذ على نسبة عالية من الإقبال من جميع الأعمار.

Email