تُشكّل هوية بصرية لا تُخطئها العين

ألوان دبي.. رسائل مُفعمة بالإحساس والإيجابية

DtF6tktX4AAH3K4

ت + ت - الحجم الطبيعي

الألوان مدخل مفتوح للولوج إلى عالم دبي الثري، وتأمل سياقات الحياة فيها، وجوهر نموذجها الفريد، وبالتالي على هويتها البصرية، التي لا تخطئها العين، مدينة عصرية، ترسم خطاها حثيثة في عالم الحداثة.

وأول ما يقال هنا، إن الألوان واحدة من الإشارات الأقوى على التعددية والتنوع والحركة والتطور.. وكذلك الإمتاع وعوالم الترفيه والمعرفة. وهذا المزيج الذي تنجح دبي في صنعه باقتدار.

مسارات عدة

عموماً، تنساب علاقة دبي بالألوان عبر مسارات عدة، وهي في مجملها أطياف تؤدي رسائل مفعمة بالإحساس والإيجابية. وتنطلق هذه العلاقة، مبتدئة من الكتل اللونية الكبرى، التي تفرض حضورها على المدينة، بدءاً من زرقة السماء، ولون البحر الفيروزي، ورمال الصحراء الذهبية، والمسطحات الخضراء.

وتزداد هذه العلاقة تركيباً مع ما تشهده دبي من فعاليات ترفيهية متعلقة بالألوان، مثل معارض الفنون التشكيلية والبصرية، ومرافق الخدمة العامة، وأنظمة الحياة اليومية والخدمات التي يكتسي كل منها بلون متميز. حيث تصنع دبي بريشتها الخاصة ألوانها المتعددة.

وفي باب الاتصال الأزلي بين اللون والضوء، فإن دبي، باعتبارها بيئة طبيعية للعمارة الحديثة والمعاصرة، لا تستسلم لميل هذه العمارة إلى تحييد الألوان، والسيطرة على الفضاء العام؛ تزخر بالأضواء الملونة، مرسية أسلوبها الخاص في بث الألوان ليس فقط في كل أنحائها، ولكن أيضاً في مختلف جوانب الحياة فيها.

وخلافاً، لما يمكن أن نشهده في الحواضر العالمية، التي تزدحم بلوحات لونية صارخة، تسري الألوان في دبي برفق وسلاسة وانسجام، تنضبط على إيقاع الحياة، والأنشطة اليومية، بعيداً عما تشهده كثير من مدن العالم من تلوث بصري، تصنعه الأنوار الإعلانية التي تمــلأ واجهـــات الشوارع والمباني وتعج بالألوان الفوسفورية لجذب الانتباه، في لوحات يصنعها الإفراط لخدمة وظائف مبتذلة.

تصميم بالألوان

الألوان إما تكون مدمجة في مادة البناء (الحجر، الرخام، الزجاج، اللدائن الصناعية). أو تكون غير مدمجة، مثل الطلاء أو اللون غير الملموس مادياً مثل الأنوار والإضاءات الليزرية وانعكاسات الضوء؛ وفي حالة دبي، فإن الألوان المدمجة هي الأساس، لا الطلاء. غير أن الألوان غير الملموسة مادياً تحضر بكثافة مع الأنوار الكهربائية والإضاءات الليزرية وانعكاسات الضوء.

هذا المزيج الفريد، يضفي مرونة كبيرة على الوحدات اللونية المؤسسة للهوية، وبعبارة أخرى تكسب المدينة حيوية دائمة، لا تغيب حتى مع تبدل الحالات والعلاقات اللونية، التي دائماً ما تكون تحت تأثير وتفاعل بين العناصر الطبيعية المحيطة بها مثل الضوء.

وفي كلا المستويين من الألوان، المدمجة وغير المادية، نجد هوية دبي البصرية التي تنتقل بيسر ما بين مدينة الأعمال والسرعة، إلى مدينة الترفيه والاسترخاء، وما بين المدينة التي تعلن عن نفسها بقوة، وتلك الأخرى التي تتسلل إلى النفس بهدوء وروية.

علاقة تراكمية

تراكمت علاقة دبي بالألوان عبر عقود من الأنشطة والفعاليات وتطوير الخدمات والاشتغال على نمط وجودة الحياة. وكان لا بد لهذا الجهد الموصول أن ينتج شبكة من العلاقات المتراكمة مع الألوان، وأن ينسج مفاهيمه وأولوياته التعبيرية الخاصة. وهذا شيء يمكن البحث عنه في في أكثر الرموز إشارة إلى دبي المعاصرة. وهو ما نجده في ذلك «اللوغو» الخاص بدبي، الذي بات شائع الاستخدام في لوحات السيارات، كما تستخدمه العديد من المؤسسات.

هذا «اللوغو» لم يغفل الألوان. بل على العكس تلعب الألوان دوراً محسوباً بدقة فيه، ناهيك عن أن خيارات اللون في هذا اللوغو واضحة، وهي وحدها ولوحدها تتحدث عن جوانب ثرية وجريئة من علاقة دانة الدنيا بالألوان.

وأكثر من ذلك، فإن هذا «اللوغو» يقوم على تشابك حميم في الشكل. بينما الشكل هو اتحاد كلمتين في واحدة. أو بالأحرى هي كلمة واحدة كتبت بكلمتين، كل واحدة منهما تنتسب للغة (العربية والانجليزية)، وهما تقرآن كلمة واحدة. من شاء قرأها بالعربية «دبي»، ومن أراد قرأها بالانجليزية (Dubai). أما اللونان فهما يشيران إلى جنسي الكينونة البشرية.

دبي المتعددة، المنفتحة على الإنسانية، المنتمية للحضارة البشرية، هي ما يشير إلى هذا التشكيل الترميزي.

فعاليات

دبي ليست مجرد وجهة ملونة، ولكنها كذلك وجهة للألوان، مجسدة بالجنسيات والفنون والثقافة والأنشطة الحياتية والاقتصادية المتنوعة. ومن المعروف أن دبي قبلة للفعاليات التي تقع الألوان في صلبها. وكلنا نتذكر فعالية تركيب الألوان العائمة الفني في «دبي مول» بمناسبة يوم العلم الإماراتي، العام الماضي. لقد حمل هذا التركيب الفني، تمثالاً ضخماً يبدو وكأنه يعوم في القاعة الرئيسة (غراند أتريوم)، بارتفاع الطوابق الثلاثة لـ«دبي مول»، ويستوحي ألوانه من ألوان علم دولة الإمارات، بحيث يبدو للناظر وكأنه شريط ثلاثي الأبعاد تتموج ألوانه في الريح، ويخلق انطباعاً بالخفة والفرح، بالتزامن مع كونه رمزاً مبهراً للهوية الوطنية.

إن ألوان علم الدولة هي في الواقع، من مكونات هذه الهوية البصرية التي تصنعها دبي في يومياتها. وهذا متوقع، حيث إن من أهم وظائف التصميم بالألوان الثلاثة هي البعد الرمزي. والرمزية هنا، تشير إلى الدولة: الوطن. وهناك الكثير غير ذلك من الفعاليات الدورية الأخرى، التي تعتمد على عالم الألوان، ولعل منها مهرجان «دبي كانفاس»، التي قدمت بالمناسبة فعالية متميزة بعنوان «سيمفونية ألوان دبي»، التي قدمها الفنان الإسباني، نيل هاربسون، وأتاحت للجمهور سماع ألوان دبي، بمعونة فنان يحمل تقنية مزروعة في جسده تمكنه من تحويل الألوان، التي لا يستطيع هو نفسه رؤيتها بسبب إصابته بعمى الألوان، إلى موجات صوتية.

لقد تجول الفنان في دبي، في رصد للألوان المسيطرة فيها، وتطغى على معالمها الحضارية والتراثية، وبعدها قدم هذه الألوان، بعد ترجمتها إلى أصوات متكاملة، بشكل المعزوفة موسيقية.

مبادرة

وبطبيعة الحال، تقع الألوان في صلب علاقة الإنسان بالمدينة؛ ومن هذه الحقيقة سجلت هيئة الصحة في دبي قبل بضعة أعوام مبادرة لافتة حينما فاجأت رواد معرض «إكسبو ذوي الإعاقة 2016»، بإضافة خدمة نوعية جديدة خصصتها الهيئة للمصابين بمرض عمى الألوان، حيث أتاحت الهيئة لهذه الفئة من الجمهور، خدمة تصفح موقعها الإلكتروني باللونين «الأبيض» و«الأسود»، ما يساعد المصابين بهذا المرض من التنقل بين صفحات الموقع والاستفادة من محتواه الخدمي بكل يسر وسهولة.

وهذا مستوى آخر من مستويات العلاقة مع اللون، التي هي في النهاية علاقة مع الإنسان.

زهور ونباتات

علاقة دبي بالألوان تمر من خلال الزهور والنباتات، تماماً كما من خلال المباني والإنشاءات. ومقابل ألوان المساحات المعبدة والمرصوفة هناك المساحات الخضراء والمسطحات المائية.

ضمن هذا السياق، يمكن النظر إلى شوارع دبي المزدانة بالأزهار بكل الألوان البهجة، وإلى المساحات النباتية فيها التي تشكل نحو مليوني متر مربع من الألوان، موزعة في جميع أنحاء دبي وميادينها، وشوارعها، وحدائقها العامة، لتعكس الجهود الجبارة المبذولة في مجال تخضير وتجميل المدينة، وتنظيم علاقتها باللون.

لقد تطلب هذا الاهتمام زراعة حوالي 24.6 مليون شتلة في كل عروة وفقاً للموسم الزراعي، حيث تستخدم العديد من الأنواع والأصناف للتنويع والتجديد، وحتى لا تعتاد العين على نفس المزروعات طوال العام وكل عام، إذ يتم تغيير أنواع الزهور وأيضاً أشكال تصاميمها في المواقع من موسم لآخر.

لوحات

وفي المحصلة، فإنه على الرغم من البيئة الصحراوية التي كانت تسيطر على المشهد العام في دبي، إلا أن الجهود المبذولة جعلت منها موطناً لعدد كبير من الأزهار المنتشرة على الطرقات والساحات والحدائق العامة في المدينة. مع العلم أن اختيار ألوان الأزهار في الشوارع والحدائق والميادين يأتي بعد دراسات نفسية، فالألوان لها تأثير كبير على حالة الإنسان العقلية والمزاجية. وعلى سبيل المثال يتم اختيار الألوان التي تساعد على الهدوء في الطرقات التي تشهد حركة مرور كثيفة، أما على الطرقات السريعة فألوان الأزهار تعكس الطاقة والعاطفة والفرح والقوة. كما يجب أن تؤخذ السرعة على الطرقات بعين الاعتبار.

وهذا ليس كل شيء، إذ تشمل مراحل التخطيط لزراعة الأزهار عمليات اختيار الملمس والتباين واللون والحجم والتكرار والإيقاع والتسلسل والتوازن والانسجام وغير ذلك.

قيم التنوع

ما بين هذا كله، فإن علاقة دبي بالألوان دائمة التحول والتطور والتوسع، وهي دائماً تحمل رسائل مفعمة بالإحساس والإيجابية، وتشكل هوية بصرية لا تخطؤها العين، وتنم عن مدينة عصرية، تحرص على قيم التنوع.

Email