استعرضت مخرجات مختبر الإبداع المسرحي

«دبي للثقافة» تُؤسّس لمستقبل «أبو الفنون»

نخبة من الفنانين والمختصين في صورة جماعية خلال مشاركتهم في المختبر | من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشفت هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» أن مختبر الإبداع المسرحي، الذي نظمته الأسبوع الماضي في دبي، قد أثمر باقةً من المخرجات المهمة التي تم استقاؤها من خلال تحليل موضوعي دقيق للوضع الحالي للمسرح.

والتعرّض لما يواجهه من تحديات بفكر مبدع بعيداً عن الأسلوب التقليدي في مناقشة قضاياه، وأن تلك المخرجات ستدخل حيز التنفيذ قريباً، في إطار جهود الهيئة وخططها الاستراتيجية الرامية إلى الارتقاء بالحركة الثقافية والأنشطة الإبداعية في دبي بصورة عامة.

بلورة المخرجات

وأوضحت الهيئة أن العمل يجري على بلورة المخرجات التي قدّمها المختبر تمهيداً لوضعها موضع التطبيق العملي بصورة تُراعي بلوغ الأهداف المنشودة تأسيساً لانطلاقة حقيقية نحو مسرح المستقبل، ومن أبرز تلك المخرجات المطالبة بتشكيل لجنة استشارية خاصة بالمسرح تحت مظلة «دبي للثقافة»، تكون بمنزلة الجهة الرئيسة المعنية بتوجيه دفّة عملية التطوير المسرحي والعناية بكل شؤونه من خلال فريق مختص ومؤهّل، وإنشاء أكاديمية فنيّة تعمل على إعداد وتأهيل صنّاع المسرح من ممثلين ومخرجين وكُتَّاب نصوص وتقنيين.

وتَبنِّيها عدداً من الأعمال المسرحية الخارجية العالية الجودة، بشرط أن تتضمن مشاركة مبدعين محليين، إضافةً إلى ابتعاث عدد من الموهوبين إلى خارج الدولة، للاطلاع على أفضل التجارب العربية والعالمية في مجال الإبداع المسرحي، والعمل على إيجاد المزيد من فرص عمل في هذا المجال، وإيجاد المحفّزات التي من شأنها استقطاب الطاقات المبدعة.

شارك في صياغة مخرجات المختبر نُخبة من رموز المسرح والفنانين والمختصين والعاملين في المجال المسرحي، منهم سميرة أحمد، وحبيب غلوم، وعبدالله صالح، وعمر غباش، ووليد الجلاف، ووليد الزعابي، وحافظ أمان، وأحمد الشامسي، وجمال مطر، وخليفة البحري، وعبدالله المقبالي، وعائشة القصّاب.

ارتقاءٌ بالمسرح

وأكدت هالة بدري، مدير عام «دبي للثقافة»، أهمية المخرجات والنتائج التي قدّمها المختبر الإبداعي، ووصفتها بأنها فاقت التوقعات بما تضمنته من أفكار متنوّعة تؤسّس لمستقبلٍ واعد للمسرح، وقالت: «نمتلك اليوم باقةً من المُخرَجات التي ستسهم في الارتقاء بالمسرح بشكل جادّ وفاعل، وهي ثمرة خبرات شركائنا الفنانين الكبار وطموحات المبدعين الشباب، والأفكار المطروحة ستسهم بصورة عامة في النهوض بالعمل المسرحي، وترسيخ مكانة دبي منارةً للإبداع ووجهة للمبدعين».

وأضافت: «تمكنّا من خلال النقاشات الوافية التي شملها المختبر من رصد الفجوات التي يعانيها المسرح ومواضع الخلل التي تحتاج إلى تدخّل لإصلاحها، بما يستدعيه ذلك من تعامل جادّ وحاسم مع مجمل تلك التحديات، وتحويلها إلى نقاط قوة عبر التوظيف الصحيح للأفكار والمقترحات التي قدمها المشاركون في المختبر، ووضعها موضع التطبيق العملي بأسلوب مهني واحترافي يراعي مكونات الإنتاج المسرحي ومتطلباته كافة».

وذكرت أن حل الإشكالات المتعلقة بالمسرح يستدعي التعاطي معها بفهم واستيعاب عميقين لجوهر تلك الإشكالات، مشيرةً إلى أهمية اكتشاف المواهب المسرحية الواعدة، وتعزيز إسهام المسرح في تنمية الاقتصاد الإبداعي والارتقاء بالجانب الاقتصادي من منظومة العمل المسرحي لإيجاد المداخيل التي تضمن استدامة عملية التطوير.

وقالت: «لا بد من تقديم قيمة حقيقية تسهم في تعزيز حضور المسرح صناعةً إبداعيةً، إضافةً إلى خلق بيئة مسرحية محفزة للمبدعين، والارتقاء بمواهب الطلبة وخريجي مهرجان دبي لمسرح الشباب ومواصلة تطوير شغفهم في هذا المجال، ما يؤسس لبنية تحتية صلبة، ويُمَهِّد لقطاع فني يفرض نفسه بالإمكانات التي يمتلكها».

إجراءات عملية

وأكدت مدير عام «دبي للثقافة» أن الهدف من إطلاق مختبر الإبداع المسرحي كان التوصّل إلى تدابير وإجراءات عملية بعيدة عن الشعارات، مؤكدةً أن الهيئة ستأخذ كل المقترحات في عين الاعتبار لتحويلها إلى استراتيجية فاعلة، وستستثمر المخرجات في الإعداد لبرامج يتم توزيعها ضمن خطة مدروسة، لتطبيقها على المديين القريب والبعيد، ما يضمن آلية عمل شاملة ومتواصلة.

وقالت: «لم ينتهِ المطاف عند مجرد طرح الأفكار، ولكننا ملتزمون بتنفيذ تلك الأفكار والحلول وصولاً إلى استعادة هذا الفن العريق لجمهوره ورونقه وبريقه».

وركّزت على أهمية أدوار كل من التعليم والإعلام في دعم حركة تطوير المشهد المسرحي، مشيرةً إلى ضرورة تكاتف الجهود للارتقاء بالأهداف السامية للثقافة والفنّ.

محاور مُتعدّدة

وتم خلال جلسة المختبر الإبداعي، التي افتتحها الإعلامي محمد الكعبي، وأدارها المستشار ياسر النسّور، التطرّق إلى موضوعات عدّة ضمن أكثر من محور، كان أبرزها توظيف المُنتَج الفني والمسرحي في دعم الاقتصاد الإبداعي في إمارة دبي، وتبني الأعمال المسرحية من قِبَل المؤسسات الإعلامية المحلية وتسويقها، وخلق بيئة تفاعلية متناغمة تجمع الفنانين في مقرات الفنون الأدائية، إلى جانب الابتكار في شكل الأعمال المسرحية ومضمونها، من خلال التعليم والاستفادة من التجارب العالمية في مجال الإنتاج المسرحي.

وقدَّم صنّاع المسرح ومبدعوه خلاصة أفكارهم وتجاربهم، ضمن أجواء إيجابية امتازت بروح الفريق الواحد، واتسمت بالتآلف والتناغم.

واتفق المشاركون في الجلسة على أمور عدّة، كان أبرزها قلّة عدد الأكاديميين في هذا المجال، والحاجّة الماسّة إلى تجديد المواهب وتوفير الرعاية لها، كما ناقشوا سياسة دعم المواهب وتشجيعها، لافتين إلى وجود إشكالية تتمثل في ربط الموهبة بسوق العمل، وندرة المسرحيين المحليين في ظل الإعراض عن المسرح لعدم وجود أي حوافز تشجيعية.

كما اتفق المشاركون في الجلسة على ضرورة التعامل مع المسرح بوصفه «عِلْماً»، من خلال تشكيل فريق أكاديمي مختص، يمتلك خبرات واسعة تؤهله للإمساك بزمام الأمور، وتَوَلي دفّة القيادة، ليخطّط للمستقبل بشكل مدروس، ويتواصل مع مختلف الفرق المسرحية والجهات المهتمة بهذا المجال، ويعمل على إعداد خطط منهجية تتواصل على مدار العام.

مسؤولية إشرافية

واقترح الفنانون أن تتولى «دبي للثقافة»، مسؤولية الإشراف على الأعمال المسرحية، واختيار النصوص والممثلين وكل الجوانب الإبداعية، من خلال إدارة كاملة تنطوي تحت مظلتها، لتكون الجهة الوحيدة القائمة على الأعمال المسرحية في دبي من النواحي الفنّية والتقنية والمادية وغيرها، ما يسهم في تقديم أعمال عالية المستوى، تمتاز بالقوة والجودة العالية، وهو ما يسهل عملية تسويقها ووصولها للجمهور.

ثقافة وتعليم

وتطرقت الجلسة لمناقشة دور التعليم في الارتقاء بالمواهب وصقلها، إذ أكدّ المشاركون أهمية مزج منظومتيْ الثقافة والتعليم معاً، مطالبين بتصنيف المدارس وفقاً لمعيار تبنيها للفنون ودعمها للموهوبين، بالتنسيق مع «دبي للثقافة»، ما يوافق المبدأ السابع من مبادئ الحكم الثمانية لحكومة دبي «أرض المواهب» الذي يدعو إلى احتضان المواهب وأصحاب الأفكار المبدعة.

لاسيما أن المواهب الخلّاقة تصنع الإنجازات والابتكارات والمشاريع المتميزة والحلول غير التقليدية. وطالَب الفنانون بإشراك المؤسسات التعليمية في عملية اكتشاف مواهب الطلبة ودعمها، انطلاقاً من مسؤوليتها كجهات ينشأ فيها الطفل، وتُشكّل فيها ملامح شخصيته، وتنمو مداركه.

وطالَبَ المشاركون في الجلسة بإنشاء معاهد وأكاديميات مسرحية ومراكز تدريبية تُفعِّل حضور الفنان المسرحي، إلى جانب مقرّات للفرق المسرحية لتكون منصات تجمع الموهوبين، يتبادلون فيها الخبرات، ويصقلون مهاراتهم من خلال التدريب، ما يزيد وعيهم ويكشف مكامن القوة لديهم.

تسويق

فيما ناقش الحضور مسألة التسويق للأعمال المسرحية، مؤكدين أنه لا يمكن التسويق لعمل يفتقر إلى أحد جوانب الإبداع، فالجمهور اليوم يمتاز بوعيه الكبير، ولن يتقبل الأعمال التي لا ترقى إلى ذائقته الفنية الرفيعة، ورأى الفنّانون أن حل هذه الإشكالية يكمن في إيجاد عقلين لإدارة الأعمال الفنية المسرحية، أولهما العقل الفنّي، وثانيهما العقل التسويقي.

كما تطرقوا إلى الحديث عن الفنان المحلي، لافتين إلى أنه فرض على نفسه رقابة ذاتية أسهمت في تقديم أعمال هادفة، بغض النظر عن العوائد المادية، ليصطدم بعد ذلك بشروط المنتِجين الذين ربطوا دعمهم للأعمال بالعوائد والأرباح.

وتناول المشاركون دور الإعلام، مُطالبين القائمين عليه بالاهتمام بالحركة الفنّية المحلية ودعم مسيرتها، ومؤكدين أن الإعلام التقليدي اتخذ منحىً تجارياً كنظيره الحديث، وأجمعوا على أهمية دور الإعلام في صناعة النجم، وتأثيره في تغيير نظرة المجتمع للفنّ والفنّانين.

مصدر للسعادة

وأشار الفنانون إلى أن السعادة عنصر أساسي من عناصر استراتيجية حكومة دولة الإمارات، وأن الفنّ أحد مصادر هذه السعادة، ووصوله إلى الجمهور المحلي ينشر البهجة، وينعكس على سعادة المجتمع بشكل مباشر، وهو ما يجب الالتفات له، بما يتطلبه ذلك من دعم حكومي ومجتمعي للمسرح على حد سواء، لتتمكّن الفرق المسرحية من إكمال مسيرتها والقيام برسالتها في نشر السعادة، وترسيخ القيم النبيلة في المجتمع وبين أفراده.

وتعمل «دبي للثقافة» في الوقت الحالي على تنفيذ الأفكار والحلول التي تم طرحها خلال المختبر، إذ من المقرر عقد ورش عمل تخصصية تفاعلية لتحويل كل الأفكار والحلول إلى برامج عملية، ما يؤدي إلى تفعيل مخرجات الجلسة، وتحقيق أهدافها المحددة بأفضل السُبُل وأنجحها.

 

Email