الأخلاق والاستدامة لإعادة تصميم أزياء المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تعد الموضة المستدامة مجرّد موضة عابرة أو صيحة مؤقتة أو مجرد كلمة طنانة في عالم صناعة الأزياء اليوم، ذاك القطاع النابض الذي يوظف مئات الملايين ويدرّ الأرباح، ويكاد يلامس كل فرد أينما كان. منذ القرن العشرين والملابس تزداد ترسخاً في فئة السلع المتاحة، وتمعن صناعتها في أخذ منحى العولمة، حيث تصمم الأزياء في بلد وتصنَّع في آخر وتباع في كافة أنحاء العالم بوتيرة أكثر تسارعاً.

وقد تبلور هذا التيار على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية مدفوعاً بارتفاع الطلب من قبل أبناء الطبقة المتوسطة المتزايدة عبر العالم، وبروز ظاهرة «الموضة السريعة» التي أدت لمضاعفة الإنتاج على امتداد الفترة عينها.

أهواء المستهلك

ومع أن الاستدامة ليست بالأمر المستجد، إلا أن كافة مسوّقي الأزياء يسيرون اليوم تقريباً وفق أهواء طلب المستهلك ويلحقون بركب القطار الأخضر.

«لربما كانت الاستدامة أمراً مستساغاً وتياراً عابراً، لكنها باتت اليوم عامل تمييز جوهري وإحدى سبل إقامة المستهلك لمبدأ التفاضل بين العلامات التجارية»، هذا ما أكدته لوسي غرين، المديرة العالمية لمجموعة «إنوفيشن غروب» وموقع «جيه دبليو تي إنتليجنس» في شركة «واندرمان ثومبسون» العالمية.

فالأجيال الجديدة من المشترين، لا سيما أبناء جيل الألفية وجيل زد اللاحق يبدون اهتماماً أكبر بكوكب الأرض الذي يفترض أنهم سيورثونه، وقد عمدوا إلى تكييف طريقة إنفاقهم بما يتوافق مع ذلك.

ممارسات صديقة للبيئة

ومما لا شك فيه أن إدخال نوع محدد من الممارسات الصديقة للبيئة ضمن علامة تجارية ما قد يعني عدداً من الأشياء. فبعض العلامات تعتمد المواد المرسلة لإنتاج الملابس، فيما تدّعي أخرى أنها تعيد تدوير السلع التي اشترتها.

ويعتبر غياب التعريف الواضح للتعابير مفيداً ومتعباً في آن للماركات التي تعاني لإيجاد أفضل سبل تسويق الوعي البيئي لدى المستهلك. ويتعين على الشركات التنبه من التملق الكاذب حيال صرعةٍ ما يكون المستهلك مهيأ لتعقبها وفضح زيفها عبر مواقع التواصل والتطبيقات المتخصصة.

وفي السياق قالت ساندرا كابوني، الشريك المؤسس لتطبيق تقييم الماركات العالمية: «يكمن الأمر الجيد في اعتبار الاستدامة والأخلاق من ضمن الخصائص المرغوب بها للمساعدة في تسويق بعض الماركات، إلا أن الوجه السلبي يتمثل بمغالاة بعض العلامات حيال جهودها لأجل الالتحاق بالتيار».

وضوح الرسالة

بالإضافة إلى المصداقية والشفافية الجذرية التي تلعب دوراً مهماً، لا بد أن يحرص المسوقون على وضوح الرسالة وإيجادها الصدى المنطقي لدى الناس. فكلمة «استدامة» قد تكون من أكثر الكلمات المبالغ في استخدامها في عالم الأزياء اليوم لدرجة أنها لم تعد تعني للمتسوق كثيراً.

«تتمتع العلامات التجارية بالخبرة في مجال التواصل وتشويق الناس وحضهم على بناء أسلوب حياة، لكن المضحك أنه حين يصل الأمر للاستدامة ينسون تماماً أصول التسويق». تقول هانا فانغ، مدير التسويق والدعم لإحدى هيئات استراتيجيات الاستدامة.

تعزيز الأداء

يتحمل قطاع الأزياء مسؤولية المضي قدماً نحو تعزيز الأداء البيئي والمجتمعي. ويتسم، بوصفه قطاعاً ضخماً ومبدعاً بمصلحة حيوية لتأمين مستقبل مستدام ومزدهر. لا يخفى أن الضغوطات البيئية والاجتماعية هائلة وفي تصاعد مطّرد، قياساً بحجم طلب العملاء.

أضف إلى أن سلوكيات المستهلك والتكنولوجيا سريعة التطور تعمل على الدوام على تحديد ملامح القطاع وتعبيد طريقه بالتحديات. ومن هذا المنطلق فإنه لا مناص من أمر واحد مؤكد: بضرورة تكيف القطاع لزاماً. فهل يصح رأي المحلل كاميلو ليون الذي أشار إلى اعتقاده بأن العلامات التجارية التي ستتميز من ناحية الاستدامة ستحتل المكانة الأفضل وتحصد الحصة الأكبر من محفظة المستهلك الألفي.

من الهامش إلى القلب

تنشط في العام 2019 التيارات المطالبة بالأخلاق معياراً في عالم تصنيع الملبوسات، بحيث تكون أكثر صديقة للكوكب، وأقرب اعتماداً على المواد المعاد تدويرها وتلك العضوية.

كما يتوقع بأن يتواصل تزايد الممارسات الاجتماعية الجيدة، حيث شهد العام المنصرم خطوات جبارة في مجال الموضة، التي لا تسيء لصنّاعها، واشتدت عود حركة ثورة الأزياء العالمية المطالبة للشركات بالكشف عن هوية «الشخص الذي أبدع الزي»، ويتصاعد هذا العام أيضاً مدّ الملابس الأخلاقية التي تحمي حقوق الحيوان.

128.5

عبر التاريخ، عرفت العلامات التجارية المنخرطة في الممارسات الصديقة للبيئة بغير التقليدية وصاحبة الوعي البيئي، إلا أن ذلك التيار أخذ يجذب الانتباه الفعلي في فترتي الستينيات والسبعينيات، لتكتسب المسألة الزخم الأكبر منذ مطلع الألفية الثانية، حيث بدأت ماركات السوق الكبرى تلحظ أهميتها المبدئية.

وقد ساعدت الحملات الاجتماعية، التي شجعت المستهلكين في السنوات الأخيرة للتفكير بشكل أعمق في كيفية صُنع ملابسهم، على المطالبة بالمزيد من الشفافية.

وكشفت دراسة حديثة لشركة «نيلسن» للبحوث التسويقية، أن 81% من المستهلكين قد أعربوا عن رغبتهم الشديدة في ضرورة مساعدة الشركات للبيئة. وأشارت الدراسة إلى أن 75% من أبناء الألفية قد بدّلوا من عاداتهم الشرائية لصالح البيئة.

وفي حين لفت بحث «نيلسن» إلى الارتفاع الذي شهدته المنتجات المستدامة كالطعام ومستلزمات العناية الشخصية، التي سارت عبر منحرف نمو بمعدل 20 بالمئة بين الأعوام 2014 و2018 لتصل إلى 128.5 مليار دولار، فإن المحللين يتوقعون بأن ينعكس ذلك الارتفاع بشكل واضح على قطاع صناعة الملابس كذلك.

الموضة الواعية الدائرية والرحيمة

نشهد منذ بعض الوقت انتشار مفهوم الموضة الواعية مضافةً إلى مفهوم آخر ولج منصة الأزياء يعرف بالموضة الدائرية المستند إلى مبدأ الاقتصاد الدائري.

ومع مواصلة توسع دائرة انتشار المفهوم يبرز تيار ثالث يتمحور حول الموضة الرحيمة بما تعنيه من احترام للعاملين والمجتمعات والحيوانات والبيئة الطبيعية التي شكلت محور مسار الموضة الأخلاقية البطيئة المستدامة. إلا أن قطاع صناعة الأزياء ينفتح اليوم على تبدّل حقيقي من التحلي بالوعي والإدراك نحو الشعور برحمة حقيقية حيال كيفية تأثر العمال والمجتمعات والنظم البيئية عبر سلاسل الإمداد.

ليس هناك من جمالية في أرقى الألبسة إن كانت تصنع الجوع والبؤس.

المهاتما غاندي (زعيم هندي راحل)

صناعة المنسوجات اليوم قائمة على نموذج خطي فائق الهدر والتلويث.

إلن ماكآرثر (بحارة إنجليزية)

الموضة السريعة ليست مجانية. شخص ما في مكان ما يدفع الثمن.

لوسي سييغل (كاتبة وصحافية إنجليزية)

 

Email