مدارات

الهجرة داعمة التنمية الاقتصادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

صوّتت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أواخر العام المنصرم على تبنّي الميثاق العالمي للهجرة، فحصد القرار 152 صوتاً مؤيداً وخمسة أصوات معارضة و12 امتناعاً. وفي حين رحّب المؤيدون به بوصفه خطوةً نحو إدارة أكثر إنسانيةً وانتظاماً للهجرة، ظل المعارضون على موقف العداء اللدود. ولا يشكّل الميثاق اتفاقيةً ملزمة، كما لا يضمن أية حقوق جديدة للمهاجرين. والحقيقة أن أهداف القرار الـ 23 قد نصّت بعد سنتين من النقاشات المعمّقة وست جولات من المباحثات التي تركّزت تحديداً حول خلق إطار عمل للتعاون الدولي يكون غير مفرط في التدخل بالشؤون الداخلية للدول.

ونظراً لما يعتري الميثاق من إساءة فهم، كان لا بدّ للمنتدى الاقتصادي العالمي أن ينظر في أحد تقاريره عن كثب إلى تحدّي الهجرة والفوائد الجمّة التي يمكن أن يجلبها نظام حسن الإدارة للدول المضيفة والوطن الأم على حدٍّ سواء.

الدافع الأهم للهجرة وقبل كل شيء يكمن في غياب الفرص الاقتصادية في البلد الأم. وبما أن معدّل مستوى الدخل في البلدان ذات الدخل المرتفع أكثر بـ 70 مرة مما هو عليه في الدول ذات الدخل المنخفض، ليس مفاجئاً أن يشعر كثر في الدول النامية بضرورة ملحة تدفعهم لتجربة حظهم في مكان آخر.

وتعزز التحولات الديموغرافية مثل هذا التوجه، ففي حين تواجه الدول ذات الدخل المرتفع مشكلة السكان المعمّرين، تحفل كثير من الدول ذات الدخل المتدني بسكان من فئة الشباب ممن هم في سنّ العمل. ويلقي الاختلال التكنولوجي بثقله كذلك على أسواق العمل. ومن المتوقع أن يعمل تغيّر المناخ المشار إليه في أحدث تقارير البنك الدولي وتيرة الموجة السائدة تلك من خلال تهجير ما يقارب 140 مليون شخص من أوطانهم في العقود المقبلة.

عقبة أساسية

وتقدّم الهجرة منافع اقتصادية أساسية للأوطان الأم. ففي حين ينفق المهاجرون الجزء الأكبر من أجورهم في البلد المضيف، بما يعزز الطلب هناك، فإنهم يميلون لإرسال الأموال لمساعدة عوائلهم في بلدهم الأم. ويعرف بأن تلك الحوالات تتفوق على مساعدات التنمية الرسمية. وقد سجل العام المنصرم زيادةً في الحوالات إلى الدول ذات الدخل المتدني والمتوسط بلغت 11% ووصلت إلى 528 مليار دولار، بما يتخطى تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على تلك الدول.

إلا أن قوة التحويلات المالية في دعم التنمية المستدامة لم تقابل بقوة مماثلة، حيث تكمن العقبة الأساسية في ارتفاع تكلفة تحويل الأموال. ويقوم المهاجرون الذين يرسلون الأموال إلى الوطن بدفع ما معدله سبعة 7% من إجمالي قيمة التحويل نفسه، وذلك جراء التنافسية الضعيفة في سوق خدمات تحويل الأموال، الناجم عن القوانين المتشددة الرامية لمكافحة الجرائم المالية كغسل الأموال، كما ويعود السبب للاعتماد على التقنيات غير الفاعلة. وإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بخفض تكلفة التحويلات إلى ما يقل عن ثلاثة بالمئة، بما يدعم التقدم نحو تحقيق هدف زيادة إجمالي حجم التحويلات يتطلب معالجة الدول لمكامن الضعف تلك.

دحض خرافات

هناك مراقبة عن كثب للطرق المغفلة غالباً التي تدعم بها الهجرة التنمية، لناحية ارتباطها بمؤشرات أهداف التنمية المستدامة. إلا أن الأبحاث التي أجريت مؤخراً تدحض الخرافات الأخرى اللصيقة بالهجرة، فتظهر على سبيل المثال أن المهاجرين لا يلقون بعبء مالي على الدول المضيفة أو يبخّسون أجور العمال الأصليين.

تدفق موجات الهجرة في ازدياد، إنه نمط مقدّر له الاستمرار. ولا يمكن لسياسات الهجرة المجتزأة التي رسمت الخرافات الشعبية ملامحها أن تدير هذه العملية بفعالية، بل وإنها تمعن في إضاعة التقاط الفرص لتعزيز دورة النمو التي تخلقها الهجرة. بالمقاربة المتناغمة فقط، كتلك المنصوص عنها في ميثاق الأمم المتحدة، يمكننا تحقيق المهمة.

إسهامات المهاجرين

يسجل المهاجرون الذين يبقون في الدول المضيفة إسهامات هائلة. وعلى الرغم من أن المهاجرين الذين يقدّر عددهم بـ 266 مليوناً لا يشكلون إلا 3.4 بالمئة من سكان العالم، فإنهم يسهمون في أكثر من 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتجاوز المهاجرون عقبات تعيق النجاح الاقتصادي، ودفع البعض رسوماً مرتفعة تتخطى دخل عام كامل، وتبرز هنا ماهية تضمّن أهداف التنمية المستدامة تخفيض تكاليف التوظيف.

5.5

خلافاً للاعتقاد السائد، فإن قرابة نصف المهاجرين لا ينتقلون من الدول النامية إلى الدول المتقدمة، بل إنهم يتنقلون بين الدول النامية فيما بينها، وغالباً ما تكون متاخمة لهم.

أضف إلى ذلك أن الهجرة المعاكسة في تزايد، وتكون مغفلة لأن المهاجرين يحرمون في معظم الأحيان من الدخول إلى سوق العمل أو بعقود عمل منتهية الصلاحية. على سبيل المثال، أعداد العمال الجنوب إفريقيين قد سجلت انخفاضاً ملحوظاً، تراوح بين 12% و41 %، على مدى العامين السابقين. أما أعداد العائدين المحتملين من أوروبا أو طالبي اللجوء من الذين رفضت طلباتهم أو غير الموثّقين، فقد ارتفعت أربعة أضعاف لتصل إلى 5.5 ملايين، بين الأعوام 2011 و2017. وسجلت الفترة عينها تضاعفاً في أعداد العائدين من الولايات المتحدة، وبلغت أكثر من ثلاثة ملايين. كما ارتفعت نسبة الهجرة العائدة من جنوب إفريقيا.

أكبر الدول المستفيدة

تشكل الهند، على مستوى العالم، أكبر مستقبل للحوالات بمبالغ تصل إلى 80 مليار دولار، تليها الصين فالفلبين والمكسيك ومصر. أما كجزء من الناتج المحلي الإجمالي، فتشكل كل من تونغا وطاجيكستان وقيرغيزستان والنيبال. وجاءت هذه الزيادة خلال عام 2018 نتيجة التحسن في سوق العمل في الولايات المتحدة واستعادة التدفق من كل من روسيا ودول الخليج.

Email