70 % من قرّاء « البيان » يرون أن الأعمال المحلية لم تتناول قضاياه

التاريخ ساحة مهمة لم تتطرق إليها الدراما الإماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمر أي موسم رمضاني دون أن تترك الدراما الإماراتية بصمتها، فهي حال لسان المجتمع، وقلب قضاياه النابض، تلك التي يعكف صنّاع الدراما المحلية، على «نبشها» وتقديمها للجمهور في مشاهد تعودت التأرجح بين الكوميديا، وبعض التراجيديا، والدراما التي تستوحي حكاياتها من التراث المحلي، ليظل السؤال عن مدى اقتراب صناع وكتاب الحكايات الإماراتية من الدراما التاريخية، تلك التي تحكي بعضاً من سيرة البلاد وأهلها وأبرز ما شهدته من أحداث على مدار العقود.

حتى الآن ما تزال المسافة بين أبناء الدراما المحلية والأعمال التاريخية واسعة، وهو ما بينته نتائج استطلاع «البيان» الأسبوعي، حيث أكد 32% من المستطلعة آراؤهم عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة، أن الدراما المحلية نجحت في طرق أبواب القضايا التاريخية، وهو ما لم يلمسه 68%، أما نتائج الاستطلاع على موقع «تويتر»، فانحازت نحو أولئك الذين يعتقدون أنها فشلت في طرق أبواب التاريخ، بعد أن وصلت نسبتهم إلى 72%، مقابل 28% يعتقدون خلاف ذلك، في حين جاءت النتائج على موقع «فيسبوك» مقاربة، حيث أكد 71% أنها لم تطرق أبواب التاريخ، مقابل 29% رأوا عكس ذلك.

غياب النص

المخرجة الإماراتية، نهلة الفهد، في حديثها مع «البيان» أكدت أهمية الدراما التاريخية، وتأثيرها في وجدان المشاهد العربي والخليجي.

وقالت: «لقد أثبتت الدراما التاريخية وجودها على الأرض العربية وحتى العالمية، وعدم اقتراب الدراما الإماراتية منها، رغم وجود الكثير من الأحداث التاريخية التي مرت بها الدولة، قد يعود سببه إلى قلة المراجع وغياب النص التاريخي الموثق، إلى جانب عدم توافر الميزانيات الضخمة التي عادة ما تحتاجها مثل هذه الأعمال، سواء من حيث الملابس أو الاكسسوارات أو رسم بعض الشخصيات، وهو ما يحتاج إلى كادر فني متخصص».

وتابعت: «لا يمكننا أن ننكر أن الدراما الإماراتية قد اقتربت كثيراً من التراث، الحاضر بقوة في مشاهدها، وقد يكون ذلك لكونها الأقرب إلى ذاكرة المشاهد والممثل، وكذلك التنفيذ على الأرض، واستطاعت أن تترك بصمة في هذا الجانب».

بوابة المسرح

أما الناقد، ماهر منصور، فقال: «لطالما اعتبرت أن الدراما الإماراتية لا تشبه ما كانت حسابات الورقة والقلم تقدره لها، فهي دراما قامت ولم تزل على فنانين جاؤوا إلى التلفزيون من بوابة المسرح، على نحو مشابه للتجربة السورية، وهو الأمر الذي كان يفترض أن يستلهم آليات المسرح الفنية والفكرية، باعتبارها أساس تكوين الذائقة الفنية لهؤلاء النجوم، وتوظيفها في خدمة العرض الدرامي التلفزيوني، وهو الأمر الذي شاهدنا أمثلة عديدة وناجحة عربياً وعالمياً، ومنها مثلاً تجربة ممدوح عدوان في عدة أعمال سورية أهمها الزير سالم، و تجربة المخرج المسرحي بيتر بروك الذي استعان بالصياغة المسرحية للنص في تجربته الإخراجية لفيلم «مارا/‏ صاد»، فيما بدا ذلك خجولاً في الدراما الإماراتية، حيث اقتصر الأمر على تجارب معدودة مثل مسلسل القياضة الذي أخذ كاتبه محمد سعيد الضنحاني، من تجربته المسرحية آليات استلهام التراث في النص المسرحي، ودمجها بشروط الفرجة الدرامية بكل ما تنطوي عليه من عوامل تشويق وتسلية ورسالة إنسانية».

وأضاف: السمة الغالبة للدراما الإماراتية ظلت تشي بحالة قطعية بين الخبرات المسرحية الإماراتية والمسلسل الإماراتي الذي ظل يراوح ما بين الكوميديا والتراجيديا الاجتماعية المعاصرة، وقلما عاد إلى سنوات سابقة مضت إلا ليقارب مسلسلات تراثية جاءت من طابقين، الأول ونسبتها قليلة أبدت فهمها للتراث وتوظيفه درامياً، فيما بقي الثاني عند حدود الاستلهام الشكلي للتراث، بل وقعت في مطب فهمها للتراث بالقديم أنها بدائية في الشكل الفني.

ميزانيات ضخمة

وواصل: غياب النص التاريخي وبدائية العمل على عدد من المسلسلات التراثية بميزانيات ضخمة، بدت هذه الأخيرة هي البديل عن المسلسل التاريخي، فيما صار إنجاز هذا الأخير مهمة صعبة، فإلى جانب حاجته للنص المحكم والذي يتميز برشاقته المعاصرة، فهو يحتاج إلى ميزانيات ضخمة وإخراج بمفهوم المشهدية لا الأسماء التسويقية، وإن كنا نثق بأن الميزانيات الضخمة يمكن توافرها في ظل مشاريع الدعم الفني التي نشهدها في الإمارات، تبقى العثرة الأساسية في النص وهو ما أجد خلاصه في الاعتماد على الإرث الروائي الإماراتي والخليجي لتقديم نصوص أكثر تماسكاً لجهة حبكتها وبنائها الدرامي، مثل رواية الإماراتية مريم الغفلي «أيام الزغنبوت»، التي تقدم وثيقة تاريخية مهمة لمشهد اجتماعي واقتصادي، عرفته منطقة الخليج العربي في حقبة أربعينيات القرن الماضي، مبيناً أن هذه الرواية تشكل مادة حيوية لدراما إماراتية تاريخية مثيرة.

واقع الحياة

ولفت منصور إلى أن الرواية فقط لا تشكل ملهماً لدراما تاريخية إماراتية، وإنما واقع الحياة الإماراتية نفسه، والتي لا تخلو من محطات تاريخية، مبدياً استغرابه من عدم اقتراب الدراما الإماراتية من تجربة الاتحاد التي تستحق تقديمها ضمن ملحمة درامية، بوصفها مشروعاً استهدف بناء الإنسان وتحصينه أكثر من كونه إعادة رسم خطوط خارطة جيوسياسية للمنطقة.

وقال: حين تدرك الدراما الإماراتية هذه التجارب التاريخية، ستستطيع أن تنجز أعمالاً أكثر تتناول فترات تاريخية ربما تعود لأكثر من مئات السنين.

Email