مدارات

الهُوية في العالم الرقمي.. أحدث فصول العقد الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتنامى التركيز، في ظل ولوج المزيد من الناس والأجهزة والبيانات الشخصية ذات العلاقة عالم الإنترنت، على عنصر جوهري لهذه البيئة الرقمية الجديدة، ألا وهو هويتنا الرقمية. وستحدد المقدرة على إثبات أننا فعلاً ما ندّعي فرصنا في إنشاء الثقة فيما بيننا وإحداث تفاعلات مجدية في الاقتصاد الرقمي.

لا زلنا على طريق التعلم ما الذي تعنيه «الهوية في العالم الرقمي»، كما لم نزل نطور سياسات وممارسات حول أفضل الطرق لجمع المعلومات المتعلقة بالهوية ومعالجتها أو استخدامها بطرق تمكّن الأفراد دون أن تنتهك الحريات أو تضر بها. لا بدّ من تعلم جماعي وخلق أهداف ومسارات مشتركة، وإيجاد أسس تعاون وثيق لرسم ملامح الهويات المتمحورة حول المستخدم، وإلا المخاطرة بمفاقمة أو خلق انقسامات رقمية، والفشل في تزويد المواطنين والمستهلكين بالفرص التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة.

ليس هناك شيء جوهري لدى البشر أكثر من الهوية، التي تعكس حرفياً حقيقة من نكون، فهي مزيج من التاريخ الشخصي والمعتقدات والسلوكيات الفطرية والمكتسبة، إضافةً إلى حزمة من الهويات الثقافية والعائلية والقومية وغيرها. وتكتسب الهوية أهميتها من كينونتها المرتبطة بالهيكليات الاقتصادية والاجتماعية التي نعيش فيها.

وترسي كيفية تمثيلنا في النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ومعدل اختيارنا وتحكمنا بطريقة تمثلنا في تلك الأنظمة معايير الفرص والحقوق المتاحة لنا في حياتنا اليومية.

شئنا أم أبينا، فإن هويتنا آخذة في الرقمنة والانتشار واتخاذ القرار بشأن المنتجات والخدمات والمعلومات التي نلج إليها. وليست الهوية الموجودة على الإنترنت مجرد مسألة دخول حساب على موقع أو الصورة التشخيصية عبر الإنترنت، بل مجموع كتلة متنامية ومتطورة من المعلومات المتعلقة بنا وملفاتنا الشخصية وسجل نشاطنا الشبكي. الأمر يتعلق بالاستدلالات المرسومة عنا، المرتكزة على تلك الكتلة المعلوماتية، التي تتحول إلى نقاط بيانية جديدة.

ينبغي لكل نقاش حول رسم ملامح الهويات الرقمية أن يبدأ وينتهي بالفرد وما قد تعنيه تلك الهويات لمستقبله كشخص. لا بدّ من توخي الثقة في الأنظمة منذ البداية. نحتاج لأن نفهم ما الذي تعنيه «الهوية الجيدة» في هذا الإطار، بناءً على القيم التي تحترم حريات الفرد. مع تزايد سرعة التفاعلات الرقمية بما فيها مليارات «الأشياء» المتصلة بالإنترنت، نعوز بإلحاح لترجمة القيم إلى توجيهات ترشد القيمين على تطبيق أنظمة الهوية الرقمية.

يعتمد مزيد من مزودي الخدمة، مع تطور الهويات الرقمية، على التحقق من الهويات، وتبرز في ظل تبعثر المستويات غير المسبوقة للبيانات الشخصية عبر الشبكة، تحديات جديدة تواجه القادة في مجالات الأعمال والحكومات والمجتمع المدني. تأمين قيمة المستخدم والحفاظ على الثقة أحد تلك التحديات، إضافةً لتفرق البرامج وتناسق المعايير.

تقع أنظمة الهوية اليوم نمطياً ضمن ثلاث أمثلة أصلية فإما أن تكون مركزية، موحدة، أو غير مركزية. وكما تشير التسميات، فإن الهيكلية الأساسية لكل مثل تميزه عن الآخر بما يترتب عن ذلك من آثار الاعتماد، ومستويات الثقة والحسنات والتحديات للمستخدمين الأفراد.

وينطوي المثال المركزي الأكثر تقليديةً وشيوعاً على قيام المؤسسات الحكومية أو الخاصة بإنشاء وإدارة الهويات والبيانات ذات العلاقة ضمن أنظمتهم الخاصة، أما المثال الموحّد فيعني أن الدور متشارك بين عدد من المؤسسات. الأنظمة التي تتبع المثال اللامركزي الأحدث لا تزال بمعظمها في المرحلة التجريبية وتسعى لمنح الأفراد هامشاً أكبر من التحكم لإدارة بيانات الهوية الخاصة بهم.

سبق للهويات الرقمية أن تسللت إلى حياتنا، وكما تشهد الثورة الصناعية الرابعة بما فيها من إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والآليات ذاتية القيادة تقدماً، فإن الهويات الرقمية ستفعل. ولا بدّ لأنظمة الهوية في ظل تسارع وتيرة التغيير من أن تكون مستعدةً للتطور مع إيلاء التركيز الأول على قيمة الأفراد.


«مستَقبَلات» متفاوتة
تبنى الهويات الرقمية وتتسع دائرتها يومياً، جاذبة المزيد من الناس نحو العصر الرقمي. ونظراً للدور الجوهري الذي تلعبه الهوية في المجتمع الرقمي، يسهل تصوّر مسارات مختلفة جذرياً، تبرز في الأجلين القريب والمتوسط، وإن خياراتنا وقراراتنا بشأن تصميم وتنفيذ أنظمة الهوية الرقمية اليوم تحدد معالم «المستقبلات» الممكنة غداً.

ويتسم المستقبل الأول بظهور فقراء وأثرياء رقميين، وإقصاء عابر للأجيال، حيث تبرز حاجة ملحة للإدماج تفادياً لخلق عدم تكافؤ بنيوي وطبقتين رقميتين من البشر. «لا خيار، ولا ثقة ولا حقوق» هو عنوان المستقبل الثاني، حيث الحكومات أو الشركات التي تدير أنظمة الهوية والبيانات الشخصية تخاطر بفقدان ثقة العملاء والزبائن. الإدماج التحولي عنوان مستقبل ثالث، يتيح التحولات الشاملة، ويضمن الحريات الشخصية والأمن والاحترام والقيمة والفرصة.

2020
يملك مستـــخدم الإنترنت العـــادي اليوم نحــو 92 حــساباً عـــبر الشبكة، ويرجح أن تصل إلى أكثر من 200 بحلول عام 2020. أما محركات معظم تسجيلات الدخول تلك على الشبكة، والبيانات ذات العـــلاقة هي الأهداف قصيرة الأجل للمؤسسات بغية زيادة الفـــعالية وتعــزيز الفعالية، ورفع أرباح بعض الخدمات.

وقد يكون يتمتع من تلك بنوايا جيدة، إلا أنه عند جمعها، فإن انفجار الخدمات الرقمية وغياب المعايير المشتركة يعني أن الأثر الشامل أكبر من مجموع الأجزاء.
وتسفر النتيجة بالنسبة للأفراد فهماً أو تحكماً متضائلاً حول كيفية تمثيلهم عبر الإنترنت.

ونظراً لما يقوم به التمثيل الرقمي من تحديد لكيفية عيش حياتنا، ينبغي أن تبلغ تلك التغيرات حدّ إعادة كتابة العقد الاجتماعي، وهو أمر بالكاد نتنبّه لوجوده.

عناصر الهوية «الجيدة»
تتسم الهوية الرقمية المتمركزة حول المستخدم، أي تلك التي تقدم قيمة حقيقية بخمسة عناصر، لا بدّ من النجاح جميعها ومن كل النواحي، وتتضمن التناسق مع الهدف، والإدماج، والإفادة، وتوفر الخيارات، والأمن.


الهوية الرقمية قوة جبارة في التجربة البشرية سواء كانت إيجابية أم سلبية.
ميتشل بيكر، رئيسة مجلس إدارة شركة موزيلا


يمكن للهويات الرقمية أن تعزز الإدماج في كافة نواحي الحياة تقريباً، وبطرق متغيرة إذا أحسن تصميمها.
إشمايل سونغا، المدير التنفيذي المسؤول لتجمع الاتحادات الزراعية بجنوب إفريقيا


هويتنا غالية، ولا بد لكل برنامج هوية رقمية أن يرتكز إلى تمكين الثقة والتحكم والمحاسبة المجدية.
أماندا لونغ، المديرة العامة لوكلاء المستهلكين الدوليين

Email