الفن التشكيلي في الإمارات.. ذاكرة بصرية لعراقة المكان وحضارة المجتمع تحتاج إلى توثيق

الراحل حسن شريف في مرسمه | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حماية الإبداع الفني عن طريق توثيقه تساعد على إثراء الحركة الثقافية، فالفن يحمل ذاكرة وطن ومكان وتاريخ، والتوثيق لا يرتبط بالأعمال الفنية فقط بل يمتد إلى الاعتناء بفن العمارة وتوثيق عملية تطورها فهو يعد أحد الفنون الشاهدة على عراقة المكان وحضارة المجتمع، فالأعمال صورة ذهنية تجذبك لمعرفة تاريخ الفنان والمكان الذي عاش فيه، ولا يقف العمل عند التوثيق فقط بل يمتد إلى عرضها في مكان يليق بقيمتها الفنية، فهناك أعمال فنية لفنانين تحتاج إلى التوثيق والتسجيل لأنها تعتبر علامة فارقة في مسيرة الحياة التشكيلية بالدولة، وخصوصاً أعمال الفنان أحمد الأنصاري وهو أحد رواد الفن التشكيلي، وهو قليل الحضور في الفعاليات والمعارض ويملك الكثير من الأعمال الفنية في منزله، والفنان عبيد سرور والذي لا يزال مستمراً في تحدي ظروف المكان والزمان من خلال احتفاظه بأعماله بمرسمه في رأس الخيمة، إضافة إلى الفنان عبدالرحيم سالم الذي تضم أعماله مرحلة من مراحل تطور الفن في الإمارات وغيرهم الكثير من الفنانين الذين تركوا بصمة في تاريخ الفن التشكيلي.

تطوير الفن

«البيان» التقت مجموعة من الفنانين والمؤرخين للحديث عن أهمية توثيق الأعمال الفنية ومسيرة الفنانين، وذلك لتأثيرها في تطور الحراك الثقافي بالدولة، وقد أشار الدكتور والمؤرخ والناقد يوسف عيدابي إلى أن التدوين والأرشفة أصبح علماً يُدرس فلا بد من أن يطبق في السياسات الثقافية بشكل عام وقال: في دولة الإمارات هناك نمو سريع ومتعاظم ويشتغل على الأنظمة الحديثة، فأصبح من الضروري مع تحولات المجتمع الشروع بالتوثيق والأرشفة والتسجيل بشكل مستعجل لأن الكثير بدأ يضيع، وذلك في الجوانب المختلفة التراث الشعبي والعمارة والآثار والقصص والنوادر وكل الذاكرة الشعبية، إضافة إلى ذاكرة المكان لأنها كلها تختفي خلال النمو المتسارع لبناء الدولة الحديثة وبالتالي فالرجوع إلى هذا التخطيط والتوثيق وصون التراث العام مهمة أساسية للجهات المعنية بالثقافة، والملاحظ أن التوثيق والأرشفة في الدولة ينمو ولكن ببطء وبالأخص في مجال الأدب والفنون والثقافة، وأتصور من الضروري وجود مراكز لتوثيق الأدب الفني في كل إمارة يتابع ويخطط ويمول، لأن الجهود الفردية في هذا المجال قد تكون محمودة وإيجابية ولكن قد تكون ضعيفة وسرعان ما تخف لأن التكلفة المادية والظروف لكل فنان وأديب تختلف، وهو شغل جماعي يحتاج إلى نظام معلوماتي مكتبي أرشيفي متجدد باستمرار.

آفاق مستقبلية

وأضاف يوسف عيدابي: وإذا تناولنا الفنون خلال بداية الحركة الفنية في فترة الستينيات فهي مهملة، مثلاً من صمم أول طابع بريدي أو أين كان مقر جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وأين كان يسكن الشاعر طناف أو الشاعر راشد الخضر أو بيت الفنان حسن شريف، فالأرشفة الفردية مهمة ولكن تحتاج إلى المساعدة من جهات متخصصة، مثل جمعية الإمارات التشكيلية، وهيئة دبي للثقافة والفنون، ودائرة الثقافة والإعلام، ووزارة الثقافة وتنمية المجتمع وكل جهة مسؤولة عن مؤسساتها.

وأضاف د. عيدابي: هناك أسماء كثيرة من الفنانين الأوائل في الإمارات الآن لا نسمع عنهم شيئاً وهم يستحقون التوثيق ليتعرف عليهم الجمهور، فليس هناك مطبوعات وكاتالوغات أو أرشيف في مكان معين نحصل منه على معلومات عنهم، وبالرغم من أهمية الصحف المطبوعة ودورها في التوثيق إلا أنها زاد يومي والأمر يحتاج إلى فريق مؤسساتي لذلك فالاعتماد على الفنان وحده لا يكفي، وأتصور أن نتفاءل بالتخطيط الثقافي للدولة بواسطة الوزراء الشباب، فتوثيق الفنون له الأولوية والعالم الآن يتألف ويتطور ويتعايش للأمام، والثقافة هي العمود الفقري والأمة التي تقرأ وترسم وتتمسرح وتغني هي التي تبقى وتصل للمراتب الأولى.

ويؤكد د. عيدابي أن باستطاعة الإمارات ومن خلال الجدولة في مرحلة زمنية، وقبل فوات الأوان أن يتم توثيق كل الحياة التشكيلية في الدولة، وأرض الإمارات قد حباها الله بكثير من الإيجابية، فالإنسان هو رأس المال، نحتاج إلى متحف فنون لنضع فيه ونسجل كل فنوننا وتاريخنا لتدريسه للأجيال القادمة، ونحتاج إلى ورش عمل يتدربون على التوثيق بطريقة صحيحة ويكون هناك كادر متخصص لكيفية المحافظة على الفنون التشكيلية والمسرح والتراث الشعبي، لا بد من أن نوثق يومياً أعمالنا لنحقق ونصل إلى حافظة جيدة للإمارات.

وأضاف على سبيل المثال عملت الفنانة فاطمة لوتاه منذ فترة لوحات في أميركا لكن لم توثق من جهات رسمية، كما أن في بعض الأحيان نبحث عن صور أحد الفنانين القدامى فلا نجدها على محرك البحث، علينا أن نحترم المبدع ونعطيه مكانته، الموضوع متشعب ولكن مهم ويلزم أن نوليه اهتماماً يحقق إضافة في الفنون في الإمارات، كما أنه في الإمارات كل ما نبحث في مجال نجدهم مبادرين ومتفوقين وناجحين، وهناك الكثير من المشاركات الدولية التي تبرز اسم الدولة وتستقبلهم الدول الأخرى لمكانتهم ولفنهم الراقي.

خبرات وأجهزة

وعن الجهود المبذولة يقول يوسف عيدابي: هناك جهود من الجهات المختصة للتوثيق ولكن نحتاج للخبرات والأجهزة والمعدات، وتدريب الأشخاص أولاً ونهيئ أماكن وبرامج ونجهز لعمل جماعي ومستمر وطويل ويومي وإشراك المتخصصين في تلك الشؤون، وتكون هناك مراكز محلية لعمل التدوين ويستفيد منه العموم، الجهود موجودة ولكن ينقصهم الكادر والمكان والتوعية الكافية، ودور الصحف والجرائد كبير في توثيق المعارض الفنية الكبيرة والإنجازات الإنسانية لأنها تكون موثقة وتبقى على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال الصحيفة.

وقد ساهم الدكتور عيدابي في التوثيق لعدة فنانين من خلال بحثه وكتاباته منهم الفنان حسن يوسف حيث أصدر كتاباً بعنوان «الفن الجديد في الإمارات تغيير الواقع وآفاق المستقبل»، كما شاركت مؤسسة الشارقة للفنون في إقامة معرض استيعادي للفنان نفسه وجمعت كل أعماله كمرسمه ومكتبه والكثير من مقتنيات الفنان الشخصية وأعماله الفنية وهو يعتبر مكنزاً ثقافياً.

موقع إلكتروني

وبدورها تحدثت الفنانة نجاة مكي عن تجربتها في التوثيق حيث تقول: وثقت بعض أعمالي، وأتمنى توثيق مسيرتي الفنية عن طريق موقع إلكتروني أو كتاب، ولكن هناك بعض العوائق لعملية التوثيق مثل الحاجة للتكلفة المادية وذلك من خلال الاستعانة بمصور محترف لالتقاط صور للأعمال بجودة عالية، كما نحتاج إلى الوقت للكتابة والشرح عن الأعمال الفنية التي ستعرض على الموقع، إضافة إلى الحاجة إلى النقد الفني بطريقة سهلة، وأضافت قد أقوم بشرح اللوحة ولكن لا بد من أن يكون هناك ناقد يتحدث عن مراحل تكوين اللوحة وانطباع الناقد عن الفنان في تلك المرحلة أو أثناء رسم اللوحة، والعناصر التي وضعت في اللوحة والتغيرات التي حدثت للفنان أثناء مسيرته الفنية، تلك الجوانب يجب أن توضع مع الأعمال الفنية.

وتتابع مكي: بالنسبة لي تقريباً هناك بعض الكتب والأعمال الفنية التي احتفظ بها انتظاراً للتوثيق وبعضها الآخر ضاع أثناء التنقل أو السفر، وعن مشكلة توثيق الأعمال الفنية على موقع إلكتروني فالفنانة نجاة مكي تجد هناك بعض التخوف من أن تسرق اللوحات أو تطبع فعالم الإنترنت واسع وكبير ويستطيع الجميع أخذ الصور واستخدامها من دون الرجوع إلى الفنان، ولا توجد لدينا حقوق ملكية اللوحة.

 

جودة عالية

كما أشار الفنان محمد كاظم إلى تجربته وقال: يوجد لدي كتاب شامل عن تجربتي ولكن مهما كان شاملاً فإنه لفترة معينة، لأنه على الفنان أن يستمر في توثيق أعماله، نعم هناك بعض العوائق للتوثيق منها نحتاج لتصوير الأعمال بجودة عالية ونحتاج لتوثيق الأعمال من ناحية عناوينها بشكل دقيق وشرحها من ناحية الطول والارتفاع والحجم وتاريخ العمل، إضافة إلى زمان ومكان عرض العمل الفني أول مرة والأماكن التي انتقلت فيها القطعة الفنية للعرض، مع كتابة مادة نصية مصاحبة وشرح عن العمل الفني ثم يتم أرشفة العمل من خلال «القرص الصلب» أو برنامج «ماي كلاود» وغيرها من البرامج، كما أنها تحتاج إلى عمل كبير يشارك فيه الفنانين و المؤسسات الفنية، ويتابع محمد كاظم: كما أن الموضوع يحتاج إلى شخص يساعد الفنان، وهذا الأمر يحتاج إلى تكلفة وجهد وتغطية مادية للتصوير والتوثيق، للمحافظة على العمل من الضياع.

 

مقومات الحركة

ويقول الدكتور محمد يوسف: توجد لدي المصادر والكتب والمراجع الخاصة، ولكن المسألة تحتاج إلى التحليل الذي يربط الكتب بالأشكال التي أنفذها، وهذا الأمر مفقود، لأن الأعمال التي أقوم بتنفيذها، وصممت لها الهيكل والأطراف والأرجل، وهي مقومات الحركة، حيث تكون الأعمال مستلقية وهو بالضبط ما يشبه أعمال القدماء المصريين، وحالياً أقوم بتوثيق الحركة في الأعمال الفنية، وعندي كتاب شامل وموقع إلكتروني وأصدرت قرصين، وأسعى إلى توثيق أعمالي بنفسي وبدأت بكتابة وشرح أعمالي الأخيرة، ولا بد من أن يوثق الفنان أعماله بنفسه.

4 آلاف عمل

المؤسسات لا تستطيع توثيق جميع الأعمال لأنه لا بد من المتابعة، والفنان نفسه هو من يجب أن يساعد ويجهز المواد الموجودة عنده ويقدمها إلى الجهات المعنية، مثل الراحل حسن شريف الذي يملك أكثر من 4 آلاف عمل، وأخيه عبدالرحيم شريف قام بدور كبير في توثيق أعماله على مدى سنين، لذلك لا بد من الشخص الذي يقوم بالتوثيق أن يكون من أحد أقارب الفنان لمعرفته الجيدة فيه لذلك الآن الفنان حسن شريف ترك أعمالاً فنية ضخمة وراءه وذلك نتيجة الاهتمام والتوثيق الدائم لأعماله، فالعمل يحتاج إلى عمل دقيق تتوضح فيه الخامات والمقاسات وأحجام العمل وهل هو موجود حالياً، وكيفية الحفاظ على هذا العمل، وهو مجهود شخصي في البداية ولكن يحتاج أن نساعد الفنان.

ملفات خاصة

ومن أهم الخطوات التي يجب أن يتخذها الفنان لتوثيق أعماله تقول الفنانة التشكيلية عفراء الظاهري: سواء لتوثيق العمل بما يخص الفكرة الفنية أو لمجرد توثيق أعماله حتى تكون لديه وثائق يحتفظ فيها الفنان حتى يقدمها في معارض أو غيرها من الأماكن، لذلك أوثق الأعمال بعد انتهائي من كل ورشة عمل، حيث أقوم بتصوير الأعمال وتوثيق المواد المستخدمة في العمل واسم العمل والقياسات ودائماً أحتفظ فيها من خلال ملفات خاصة وفي نفس الوقت أنشرها في الموقع الإلكتروني الخاص بأعمالي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا يساعد على مشاركة الأعمال من خلال المجتمع الفني.

 

استعارة للإفادة

وبعكس فكرة الفنانة نجاة مكي بأن العمل قد يقلد إذا وضع على شبكات الإنترنت، فتقول عفراء الظاهري: يعتمد ذلك من فنان إلى آخر وأعتقد كل فنان عنده شيء مميز يسمح للعالم بأن يطلع عليه، لذلك إذا قمت بعمل معين وأخذه بعض الأشخاص وأعاد صناعته أو قلده فهو لأنه عمل ناجح من وجهه نظري، وفي حال سرقة الأعمال فأنا التي أبتكر الأعمال الفنية وأستطيع أن أبتكر غيرها، بالعكس نحن نشارك في الحركة الفنية، كما أننا نتعلم في الوسط الفني التشكيلي من خلال تقليد الفنانين المشاهير والمحترفين، وقد تكون استعارة للإفادة.

 

وتضيف: حالياً أوثق أعمالي التي أنتجتها قبل 3 سنوات وعندي مساعدة تشاركني في إخراج الأعمال وتوثيقها وتصويرها بصورة جيدة، مع وضع الشرح المناسب والذي يحتاج أن يكتب باللغة العربية وترجمتها بالطريقة الصحيحة، كما أحتفظ بالكتب التي أثرت في مسيرتي الفنية حيث إن الكتب هي التي تغذي العمل الفني، والكتب التي يقرأها الفنان جداً مهمة في مسيرته الفنية وتساهم في تشكيل أعماله.

Email