الغضب مبرر في فلسفة الشاعر ديفيد وايت

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدرك أرسطو حين زرع بذرة الحضارة للحكمة العملية بأن الغضب يندرج ضمن فئة العواطف التي تمثل أكثر ما نقسو عليه عند الحكم عليها، في الآخرين وفي أنفسنا على السواء، وقد فعل ذلك حين لم يسأل ما إذا كان الغضب أمراً «جيداً» أو «سيئاً»، بل بكيفية وجوب استخدامه، ووجهته وتبلوره ومدّته وغايته.


ويعتبر فهم الغضب جوهرياً في رسم خارطة حيواتنا الداخلية، وهو ما يفصله الشاعر والفيلسوف الإنجليزي ديفيد وايت في كتاباته، حيث تقلِّب تأملاته الفهم العام للكلمات التي نستخدمها عموماً وتسلخ عنها القشور الخارجية وتظهر كنهها الذي غالباً ما يحمل المعنى النقيض، لاسيما في مقاله حول الغضب.


إذ يقول: «يشكل الغضب أعمق أشكال التعاطف مع الآخر، ومع العالم والذات والحياة والجسد والمثُل العليا مجتمعةً، والضعفاء بكليتهم. ويتبلور مجرداً من قيوده المادية وردود الفعل العنيفة كأحد أكثر أشكال الاهتمام نقاوةً، وإن شعلة الغضب الداخلية دائماً ما تنير كل ما ننتمي إليه وما نأمل بحمايته وما نبدي الاستعداد للمخاطرة من أجله. وليس ما ندعوه بالغضب إلا بقايا الجوهر حين يغمرنا الضعف المصاحب، ويصل بنا إلى مساحة ضائعة لا قدرة للجسد والفكر على تحملها، أو حين يلامس حدود استيعابنا».


ولا تجعل إعادة تصوّر الغضب تلك من وايت مدافعاً عن الغضب، بل صانع سلام في حربنا الأبدية مع هشاشته الكامنة، والتي هي حرب أبدية مع ذواتنا، على اعتبار أن في جوهره تقبع إنسانيتنا بأرقِّ معانيها.

Email