المهنـة... نختارها أو تختارنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

المسيرة المهنية أشبه بلعبة ألواح إذا فهمنا حقيقتها ولعبنا حسب قوانينها الحديثة قد يحالفنا الحظ بالنجاح والثراء وتحقيق الاكتفاء على كافة المستويات.

ندرك منذ نعومة أظفارنا ومن حيث لا ندري بأننا نسبح في نهر لا نختاره، ونجد أنفسنا على مسار رصف حجارته لنا الأهل والمجتمع والظروف. يتم إبلاغنا طبعاً بقواعد النهر وطرق السباحة، والأهداف الواجب الوصول إليها، لكن وظيفتنا لا تقضي التفكير بالمسار الذي وضعنا عليه، بل بتحقيق النجاح الذي سبق أن حددوا تعريفه لنا.

غالباً ما يفضي المسار المرسوم إلى بركة تعرف بالجامعة، حيث مساحة التنفس أوسع قليلاً تتفرع عن فسحة الغوص باهتمامات أكثر تحديداً، وحيث نبدأ بالتساؤل لدى النظر إلى شطآن العالم الحقيقي، فيما إذا كنا نود فعلاً أن نمضي بقية حياتنا، الأمر الذي يولّد مشاعر متشابكة. وهكذا بعد حوالي 22 عاماً نتخرج من مسيرة التعليم، يطلب من المرء منح «معنى» لحياته. وبصفته شخصاً يفتقر للمهارة والمعرفة لحدٍّ ما، تحاصره عدة تساؤلات بعد أن وجد نفسه على مسار الحياة الفعلي، العملي، ليكتب قصة حياته.

غالباً ما يجد العلماء لدى دراسة حالات أشخاص يراجعون شريط حياتهم على فراش الموت، بأنهم يختزنون مشاعر ندم جمّة نابعة من أن الغالبية لم يتم تثقيفها حول صناعة الطريق المهني في الطفولة، ولم يتحسن أداؤها ذو الصلة مع البلوغ مما يتركها على مسار لا تفقه معناه فعلياً بالارتباط إلى حقيقتها والعالم الذي تعيش فيه.

يعتبر شق طريق المهنة تحديداً من الأشياء التي تحتل أهمية قصوى لأسباب واضحة، أبرزها: الوقت، ونوعية الحياة، والتأثير، والهوية. تستهلك المهنة النموذجية ما يقارب 250 ألف ساعة من حياة البلوغ المجدية أو من 20 إلى 60 بالمئة منها، وتنعكس تأثيراتها على كافة الساعات الأخرى من حياتنا كوسيلة عيش. كما تملك قوة مضاعفة كأولى وسائل التأثير على الآخرين وتحديد شكل العالم من حولنا. وتوازي المهنة بطبيعة الحال هويتنا في المجتمع وتعرف عنا.

ويمكن تصنيف حاملي خطط المهنة إلى ثلاث فئات ينظر أولها إلى خارطته ويرى علامة استفهام محبطة كبيرة، ويشعر أصحاب تلك الفئة بالتذبذب حيال مسارهم المهني. وقد أخبروا أن يلحقوا شغفهم، لكنهم لا يشعرون بالشغف حيال أمر محدد. وأبلغوا بأن يتركوا نقاط قوتهم تقودهم لكنهم لا يثقون بما أفضل ما يتقنون، علماً أنهم كانوا يملكون الإجابات في الماضي. ويرى أصحاب الفئة الثانية على خارطتهم سهماً واضحاً يمثل اتجاهاً يثقون بصحته، لكنهم يجدون أنفسهم يسيرون باتجاه مختلف. يعيش هؤلاء أكثر مصادر المأساة الإنسانية شيوعاً متمثلة بمسار يدركون أنه خاطئ. أما المحظوظون في الفئة الثالثة فيظنون أنهم يدركون الوجهة التي يريدون ويؤمنون بأنهم نحوها سائرون، لكن حتى هؤلاء يجب أن يسألوا أنفسهم عمن رسم السهم أصلاً.

حالما يتحقق المرء من الرغبات التي تحدد مسار المهنة على الصعيد الشخصي والاجتماعي والأخلاقي والعملاني ونمط الحياة، لا بدّ من الانتقال إلى مستوى آخر وإجراء استجواب يطال كافة أفرع الرغبات بهدف التأكد من أنها تمثل حقيقتك أو هي مجرّد قناع. لا بدّ من طرح أسئلة من نوع: كيف انتهى بك الأمر هنا؟ ولماذا أنت اليوم ما أنت عليه؟ واعلم أن الرغبات والمعتقدات والقيم والمخاوف لا تولد من عدم، إنما تتطور عبر الزمن بفعل الوعي الداخلي المتمثل بالملاحظات والتجارب الحياتية، أو تَرشح من عوامل خارجية بفعل شخص آخر. قد يكون درب التعرف إلى الذات الحقيقية شاقاً للغاية لا يكتمل مطلقاً لكن مجرد السير فيه يثبتنا على السكة الصحيحة لمواءمة الرغبات مع حقيقة من نكون، ولكشف الستار بصبر عن رغبات مفقودة ربما دفينة على مستوى أعمق من اللاوعي في مكان يدعى سجن الإنكار.

وظف مواهبك ومهاراتك ونقاط قوتك، واجعل العالم يلتفت إليك.

روب ليانو

كاتب ومستشار ومدرب حياة أميركي

 

ليس عدم الإنجاز ما يحدد مسيرتك المهنية، بل ما نجحت في تخطيه.

كارلتون فيسك

لاعب بيسبول أميركي

 

السبيل الوحيد للقيام بعمل عظيم يكمن في حب ما نقوم به. إن لم تجد شغفك بعد.. تابع البحث.

ستيف جوبس،

مؤسس شركة آبل

 

سجن الإنكار

سجن الإنكار مكان في دماغنا لا يعلم معظمنا بوجوده، يختزن أجزاء من ذواتنا نريد كبحها والتنصل منها، إما لأن الاعتراف بها أو التفكير بها مؤلم للغاية أو ناجم عن تعنت أو أن أحدهم قد أوصد عليها الباب. غالباً ما يكون الوصول للأجزاء المفقو دة شاقاً لكونه مدفوناً في أعماق اللاوعي وكأنه بالكاد موجود.

ستظل هناك أجزاء من ذاتك الحقيقية عصيّةً على الكشف داخل السجن لانغماسه في العتمة الدامسة. لكنك إذا صبرت، سيما بعد أن أجريت حساباتك، وأفسحت المجال لها على خارطة حياتك، فقد تعود للظهور.

 

اعرف نفسك

يتمخض عن حساب أخطبوط الرغبات تراتبية معينة تشير إلى أنه على قدر أهمية الرغبات تكون الأولوية. ويسهل التعرف إلى التراتبية لأنها مكشوفة في أفعالنا. ومن المهم أن نتذكر بأن تصنيف الرغبات يعني تصنيف المخاوف. وإن كانت أفعالك تبدو غير متوافقة مع ما تعتقد أنه الترتيب الداخلي لرغباتك، فعادةً ما يعود السبب لأنك تنسى أن تفكر بالدور الذي تلعبه مخاوفك. وإن كانت أفعالك تبدو مدينة لرغبات لا تؤمن بأنك تهتم لها بالفعل، فإنك لا تمعن النظر على الأرجح في مخاوفك.

وهناك فيما يتعلق بإمكانيات المسيرة المهنية مجموعتان من المعتقدات: تلك التي للعالم والأخرى المرتبطة بقدراتك الكامنة. كما توجد بضعة أمثلة لصيقة بالأضاليل والتصورات المغلوطة حول المسيرات المهنية العظيمة، كالمشهد العام، والإمكانيات الذاتية، والسرعة، والمثابرة، ونقاط الضعف والقوة الحقيقية. ولا بدّ لخانة حقيقة ذاتك أن تتضمن فعلياً كافة المسارات المهنية التي تعتقد أن النسخة المحسنة الفضلى منك يمكن تحقيقها، على امتداد حياة كاملة من الجهود، والوصول بها إلى مكان يحلو لك مماهاته بالنجاح.

 

طاهٍ أو شيف؟

إنه مبدأ قابل للتطبيق على كافة نواحي الحياة، وينطوي على فكرة الاستدلال من المبادئ الأولى، كعالِمٍ يرتكز إلى الحقائق والملاحظات الجوهرية لغاية استخلاص نتيجة، وكأنه شيف يعبث بمكونات أولية محاولاً صنع طبق جيد، وعليه فإنه يدوّن وصفةً جديدة. أما الاستدلال بالتناظر فيحدث لدى النظر إلى كيفية حصول الأشياء وتقليد أسسها مع إضفاء ربما القليل من التعديلات هنا وهناك على طريقة طاهٍ يتّبع وصفةً مكتوبة. ويمكن تلخيص كافة عمليات الاستدلال في الحياة على طريقة الشيف أو الطاهي، أي الخلق مقابل النسخ والأصالة مقابل التشاكل. طريقا الشيف والطاهي متباينان، ينطوي الأول على كمّ هائل من الوقت والطاقة والتجربة والخطأ، في حين أن الطاهي طريقه أيسر وأكثر استقامةً وأقلّ رداءةً.

صفحة متخصصة تصدر عن قسم الترجمة

Email