مدارات

الصالات الرياضية تجتاح مدن العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء انتشار الصالات الرياضية في المدن تلبية لحاجة فرضتها أنماط الحياة الحضرية الخاملة، ونتاجاً لتحول في الثقافة العامة نحو الاستهلاك والموضة بدفع من صناعات بمليارات الدولارات. وترتاد شرائح متزايدة من السكان تلك الصالات لدوافع مختلفة، فبعضهم سعى إلى كمال الأجسام فيما آخرون إلى أهداف صحية واجتماعية متنوعة، وعلى أهمية تلك المراكز في ربط الصحة بالنشاط البدني، يبقى هناك ضعف في الوعي بالأضرار المترتبة على سوء استخدام الآلات والأوزان داخلها، كما المكملات الغذائية التي رافقت انتشارها.

وبدءاً من السبعينيات، شهدت اللياقة البدنية تحولاً من ثقافة وطنية مقتصرة على الذكور عموماً، إلى صناعة ذات طابع تجاري عالمي شملت العنصر النسائي على قدم المساواة. وكان الوعي المتزايد بالرابط بين الصحة والحاجة إلى نمط حياة قائم على الحمية والنشاط البدني قد شكل سوقاً جذاباً لأصحاب المشاريع، لا سيما مع استعداد المستهلكين لدفع مبالغ لا يستهان بها للنفاذ إلى المعدات والبيئة الرياضية، وتفيد صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، أنه بينما كانت صناعة اللياقة البدنية تتوسع تدريجياً وتستحوذ على امتيازات لمفاهيم جديدة في مجال التمارين والحمية وأسلوب الحياة والأفكار المتعلقة باللياقة البدنية، كان الأمر بالنسبة إلى المستهلكين جزءاً مما يطلق عليه «تجربة نمط حياة» مرتادي الجيم، التي رفعت عروض شركات العلامات الفاخرة من الأحذية الرياضية والأكسسوارات وغيرها، بحيث تحولت أشياء مثل أماكن ممارسة الرياضة والملابس الخاصة بالرياضة إلى أشياء على الموضة.

وقد أسهمت وسائل التواصل الجماهيري في الدفع بتلك الصناعة بالفيديوهات والمشاهد التي تصور صفوف الرقص والرياضة على أنواعها، والمشروبات الرياضية، كما بالتدوينات الصوتية التي تحوي توجيهات في كيفية ممارسة مختلف أنواع الرياضة، فيما شكلت صور السلفي المأخوذة في الصالات الرياضية تعبيراً عن ثقافة جديدة تركز على الشكل.

ويؤكد المحللون أن هذه الحركة الشعبية الواسعة تجاه الصالات الرياضية يحركها إلى حد بعيد انشغال فردي للغاية، ولا يمكن مقارنتها بحركات القرن العشرين، ففي الوقت الذي كان الهدف من اللياقة البدنية عام 1800 تحسين الأجسام في سبيل الحفاظ على الأخلاق العامة كونها جزءاً لا يتجزأ من التربية الوطنية، شهد القرن العشرون دخول عصر اللياقة البدنية كونه عملاً تجارياً يهدف إلى بناء أجساد بغايات جمالية، مع زيادة في استخدام الآلات والمعدات المنزلية الرياضية، وتوسع صناعة المكملات الغذائية الرياضية، وما رافق ذلك من صدور مجلات وكتب، وأقراص «دي في دي»، وصولاً إلى التطبيقات التكنولوجية.

وتم تطوير ألوف الوسائل والبرامج، التي تعد بالوصول إلى أفضل شكل وهيئة بأقل فترة ممكنة. ولعبت وسائل الإعلام الجماهيري دوراً هاماً في تشكيل ثقافة اللياقة البدنية بسبب رسائل الجسد المثالي التي تم نقلها كالصورة النمطية في المجتمع، ما أوجد ضغوطات اجتماعية ثقافية للمشاركة في اللياقة البدنية.

الحوافز والدوافع

لكن إلى جانب الرغبة في الارتقاء بالجسد إلى المثل الجمالية المعاصرة، يشير الخبراء إلى دوافع عديدة تدفع بالمنتسبين لارتياد تلك الصالات، فهناك من يعتقد أن الارتياد المنتظم للصالات الرياضية يمنحه الإحساس بالكفاءة والإنتاجية والإنجاز، ما يؤثر إيجاباً على مسار يومه، وهناك من يقول إنه ينام أفضل ويبدو بمظهر أفضل فيشعر بالثقة والاستعداد والمرونة والرجولة، فيما يعتبر آخرون أن ارتياد الصالات الرياضية يحسن صحتهم النفسية، كالتغلب على الأحزان والتوتر والاكتئاب والإحباط، ويمكن القول إن أولئك الناس يدخلون في عملية تدريب منتظمة لإيجاد نسخة قوية ولائقة عن أنفسهم، ما يمكنهم من التعامل مع حياتهم اليومية. وفي المقابل، يوجد إلى جانب هؤلاء من يشعر داخل الصالات الرياضية بأنه عصري وعلى الموضة، أو يعتبر المكان مركزاً للعلاقات الاجتماعية.

وبمعزل عن الدوافع، كانت هناك فوائد لناحية زيادة ازدياد الوعي بأهمية التمارين الرياضية المنتظمة وكيفية تفاعل الجسم مع التدريب الجسدي. ومن وجهة نظر الصحة العامة، عبرت عن حاجة ملحة إلى التغيير في نمط الحياة، والانتقال من حياة حضرية تغذيها ثقافة الاستهلاك التي كانت تزيد البدانة والأمراض المزمنة، إلى نمط حياة صحي نشط يتطلب تكريس جزء من أوقات الفراغ لممارسة الرياضة، وقد شكلت الصالات الرياضية المكان الملائم السهل بالوصول لذلك، لا سيما بعد أن بنت سمعة كأماكن قادرة على تحقيق أهداف اللياقة البدنية على وجه السرعة.

المكملات الغذائية

لكن وسط جلبة تخسيس الوزن وفتل العضلات، كان يجري أحياناً إساءة استخدام المعدات والآلات والإجهاد الزائد في سبيل تحقيق نتائج سريعة، كما أوجدت مكملات التغذية بين مرتادي الصالات الرياضية مشكلات صحية، في ظل نقص المعرفة بأضرارها وكيفية تناولها.

ويقول كريس غيبونز أحد رافعي الأثقال: «هناك ميل للتفكير أنه يوجد بودرة ساحرة أو مكملات يمكن أن تمنح اللياقة، لكن لا بديل عن العمل الشاق والالتزام»، بالتدريب والحمية.

وكانت المؤسسات الصحية قد حذرت من أن تنامي صناعة مكملات غذائية رياضية على الإنترنت، يمكن أن يكون شديد الضرر.

ووفقاً للهيئة الأسترالية لمكافحة المنشطات الرياضية، فإن نحو واحد من أصل خمس مكملات رياضية تحتوي على مواد ممنوعة بما في ذلك منشطات سترويدية، وحذرت من أن أي مكمل غذائي قد لا يكون آمن الاستخدام، فبعضها يحتوي على كميات كبيرة من البروتين والكرياتين، قد تسبب ارتفاع اليوريا في الدم، فيما يؤدي استخدام السترويدات الاندروجينية إلى قصور في الغدد التناسلية.

ويقول الدكتور مارك ميلر من «منظمة الدواء والغذاء الأميركية» إن: «منتجات كمال الأجسام التي تحوي منشطات السترويد أو منتجات مثل السترويد مرتبطة بمخاطر صحية خطيرة، بشكل خاص على الكبد»، ناصحاً كل من يتناول منتجات كمال الأجسام تحوي السترويد أو شبه السترويد التوقف عن تناولها على الفور.

ويشير خبراء هيئة التغذية البريطانية إلى دلائل تفيد بأن استهلاك البروتين أكثر من اللازم يؤدي لمخاطر هشاشة العظام وإضعاف عمل الكلى. وينصحون بتفادي استهلاك أكثر من ضعف الكمية الموصى بها يومياً من البروتين (55.5 غراماً للرجال و45 غراماً للنساء)، كما يحذرون من دواء «دينيتروفينول»، لتخسيس الوزن الذي يتسم بالشعبية خصوصاً في أوساط كمال الأجسام.

وتنصح المؤسسات الصحية بضرورة استشارة الطبيب قبل تناول أي مكمل ومعرفة مكوناته وطريقة استعماله...إلخ.

معلومات عامة عن اللياقة البدنية

فروقات بين الجنسين

يفيد سيرين دوغان في مجلة علم النفس الأوروبية أنه على الرغم من الزيادة في مشاركة النساء في الصالات الرياضية ودخولهن مناطق التدريب على الأوزان تظهر الدراسات أن الرجال والنساء يميلون إلى تحقيق أهداف مختلفة كلياً، وفيما الذكور يبدون مهتمين بشكل غير متناسب بقوة الذراع والظهر والصدر على نقيض قوة الأجزاء السفلية، فإن النساء مهتمات أساساً في خسارة الوزن وبالتالي الانشغال أكثر في تدريبات «تنشيط القلب والأوعية الدموية».

توصيات

توصي المبادئ التوجيهية الوطنية للنشاط البدني في الولايات المتحدة بـ150 دقيقة من النشاط المعتدل، أو 75 دقيقة من النشاط القوى كل أسبوع مع تمارين إضافية لتقوية العضلات للراشدين و60 دقيقة في اليوم للأطفال، لكن قبل القيام بأي شيء تنصح بالخضوع لامتحان جسدي بسبب احتمال الإصابة في أي وقت تقوم بعمل متواتر عالي الكثافة. ويشير طبيب طب الرياضة والعائلة روبرت ساليس إلى أن ممارسة التمارين عالية الكثافة من 5 إلى 10 دقائق فقط، يمكنها توفير النتائج نفسها كما 45 دقيقة من التمارين معتدلة الكثافة.

جسد صحي

ينتقد الكاتب أوران لو كوريه التوجه الحالي الذي يغلب اللياقة البدنية على الجسد الصحي، ويعتقد بوجود نموذجين مختلفين لمستقبل ممارسة الرياضة، عصر التقنية وإضفاء ما يدعون الطابع الكمي على الذات، عبر آلات التعقب المختلفة، وما يدّعونه بالحركة الطبيعية أو الأداء البدني الذي يقول إنه كان في صلب التمارين الرياضية لقرون وفي صلب سنوات الطفولة واللعب، ويقول: «فقط لأن أشكال الراحة الحديثة حدت من ضرورة الحركة ولأن صناعة اللياقة البدنية قادتنا للاعتقاد بأنها تجري فقط داخل الأبواب مع المعدات، لا يعني أن طبيعتنا البيولوجية قد تغيرت».

Email