وجهة سياحية ملأى بالمغامرات الصحراوية

مليحة.. كنز محفوظ في كتاب حجري

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تدور بين آثار مليحة تشعر للوهلة الأولى وكأنك أمام كنز نقش في كتاب حجري، وأنك ترجع في الزمن إلى الوراء نحو العصر الحجري، حيث وجد الإنسان الأول في مليحة، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً عن مدينة الشارقة، وجهاً مليحاً وواحة أمان، مكنته من العيش في كهوفها وبين جبالها. إلا أن مليحة اليوم، لم تعد كما السابق، ولا تشبه في شكلها العصر البرونزي أو الحديدي ولا حتى عصر ما قبل الإسلام، فكل ما فيها قد تغير وأصابه التطور، وأصبحت وجهة سياحية خالصة، يقصدها الجميع من داخل الدولة وخارجها، أملاً في اقتناص ساعة هدوء وسط الطبيعة الساحرة، تمكنهم من متابعة الشمس وهي تغطس في حجرة نومها، ومراقبتها وهي تغسل وجهها من عتمة الليل.

المتحف

مع المرشد السياحي الإماراتي عبد العزيز عبد الله، بدأت رحلتنا من قلب متحف مليحة، حيث تجتمع العصور في مكان واحد، لتروي سيرة المنطقة المسورة بالجبال وأطراف الصحراء الجميلة وطقوسها وآثارها القديمة. في داخل المتحف تستمع إلى شروح كثيرة وتطالع شاشات تفاعلية، وتعاين قطعاً أثرية تروي سيرة حضارة ممتدة، تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، حيث بدأت الحياة تدب في أوصال المنطقة التي يقال إن الإنسان الأول قد وصلها من أفريقيا.

أبواب الخيال

الجولة في جنبات المتحف، تمكنك من اكتشاف ماهية مليحة، ومنطقتها، وأن تفتح عينيك أبواب الخيال على زمن، تحولت فيه المنطقة إلى أشبه بمملكة متكاملة لها أنظمتها الإدارية ومعتقداتها وطقوسها وثقافاتها وحياتها الاجتماعية، التي وثقها الإنسان الأول بالنقوش وبعض الرسومات والرموز التي تشير إلى عصره، ليشكل المتحف برمته بوابة معرفة على حياة كانت موجودة في المنطقة قبل آلاف السنوات.

في المتحف، لك أن تعاين القطع الأثرية، التي برغم صغرها، تترك على وجهك علامات تعجب عن كيفية تمكن الإنسان من صنعها، فمعظم تلك القطع، مثلت أدوات حادة، استخدم بعضها للصيد، وأخرى للنحر، وثالثة للدفاع عن النفس، وكلما توغلت في المتحف، تتبين حرفية ذاك الإنسان الذي عاش في المنطقة وقدرته على التأقلم مع الطبيعة، حيث كان لكل عصر ميزته وأدواته، فالحجري يختلف تماماً عن البرونزي وكذلك عن الحديدي، فلكل واحد منها ناسه، وثقافته وطريقة عيش مختلفة. لاحقاً تكتشف بنفسك بعض المدافن الأثرية، خاصة المدفن الدائري الذي يعود إلى عام 2300 قبل الميلاد، والذي يعرف باسم مدفن أم النار (نسبة لحضارة أم النار التي وجدت في منطقة أبوظبي)، وأيضاً مدافن حفيت التي وجدت في فترة سبقت مدافن أم النار، وتميزت بأنها كانت فوق الأرض، وهناك أيضاً مدافن وادي السوق.... التي لم تحتفظ بشكل منتظم كالمدافن الأخرى.

نقش بالعربية الجنوبية

لعل أكثر ما يلفت الانتباه في المتحف، ذاك الركن الذي يضم نقشاً جنائزياً كتب عليه باللغة الآرامية واللغة العربية الجنوبية بخط المسند، حيث يمثل هذا النقش دليلاً على وجود مملكة عمان القديمة، إذ نقش على شاهد القبر اسم «كاهن ملك عُمان»، وفي الركن ذاته، تكتشف أن مليحة كانت قبل نحو 5000 عام، تمتلك مركزاً لسك العملات، حيث تتراءى لك بعض العملات التي تحمل نقش الإسكندر المقدوني، وما إن تتجاوز ذلك، حتى تتعرف على «طقس البلية»، الذي كان سائداً في ذات المنطقة، إذ كان يدفن الحصان أو الجمل مع صاحبه المتوفى. وتبيِّن المكتشفات أيضاً أن أزمنة قديمة شهدت تهجين الجِمال، كما وجدت رسوم محفورة في الصخر لسلالة من الخيل، تُظهر بعض ملامح الحصان العربي.

صخرة الجمل

في مليحة، لن تكون جولتك مقتصرة على الآثار، ففي وسط الصحراء، يمكنك معاينة صخرة الجمل، وكذلك صخرة الأحفورة التي تحمل بين ثناياها دليلاً على تغير الزمن، فالصخرة تحمل الكثير من المستحثات والأحافير البحرية التي تدل على أن المنطقة قبل ملايين السنوات كانت مغمورة بالماء.

الجولة بالقرب من الصخرتين، تسمح للزائر أن يلتقط أنفاسه بهدوء وأن يراقب النجوم في الليل، ومن قبلها مشاهدة غروب الشمس، خلال ما يعرف بـ «استراحة غروب الشمس» التي يعقدها القائمون على إدارة مليحة للسياحة البيئية والأثرية، بناءً على طلب الزائر، الذي سيمر من قبلها على الكهف، وكذلك على الحصن والقصر ويطلع على بيت الزراعة والمطبخ، وبعض المدافن الجنائزية، وهذه تقع جميعها بالقرب من الشارع العام لمليحة.

منتجعات

الخطة التطويرية لمليحة لا تكاد تقف عند حدود الآثار، فقد وضعت هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» في أجندتها تحويل المنطقة إلى مزار سياحي، عبر تشييد منتجعات وفنادق ونزل صحراوية، تمكن الباحثين عن الهدوء من قضاء أيام عديدة، يمارسون فيها العديد من الأنشطة والرحلات الاستكشافية سواء على الأقدام أو بالسيارات، وتجربة العديد من مغامرات القفز بالمظلات من أعلى الكثبان والجبال الرملية التي تسمح للزائر الحصول على مشهد بانورامي رائع.

Email