مطلوب شراكة قوية بين المؤسسات الإعلامية

دور الأكاديمية العربية في تطوير الإعلام مفقود

الصحافة الورقية مطالبة بتغيير أساليبها القديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«لا يقتصر دور المؤسسات الأكاديمية على البحث والدراسة والتأطير، بل ينبغي أن تساهم بشراكة قوية بين مختلف المؤسسات الإعلامية، والتعرف إلى حاجات السوق المحلي والتوظيف، مما يتطلب تقديم المعارف اللازمة له». كان ذلك ضمن ورقة علمية قدمها مدير معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، الدكتور المنصف العياري، عن المصير الصعب الذي ينتظر الصحافة المكتوبة ..

وأسباب وصولها إلى الحال الراهن، ليتابع قائلاً، الملاحظ في المؤسسات الأكاديمية العربية طغيان الجانب النظري في الدراسة، وقيامها بعملية حشو أدمغة الطلاب، مركزة بشكلٍ كبير على الجانب النظري، أكثر من الجانب العملي: لن يسأل صاحب المؤسسة الصحافي خريج المؤسسات الصحافية إن كان يعرف نظرية حارس البوابة، حيثُ إن ما يهمه معرفة إن كان قادراً على القيام بإنجاز مهامه الصحافية المختلفة جيداً.

وتحدثت الأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، الدكتورة فاتن بن لاغة، في ورقتها العلمية في المؤتمر بعنوان «مكانة تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة في منظومات التكوين الصحافي في تونس». وقالت إن التطور التكنولوجي الكبير لوسائل الاتصال المتنوعة، لم يمس وسائل الإعلام وحدها فحسب، بل مسّ أيضاً وسائل وطرق التدريس الجامعي، وسبل نقل المعارف والمهارات إلى الطلاب من خلال المؤسسات التعليمية التي تقوم بتأهيل الطلاب كي يكونوا إعلاميين فاعلين.

ونوّهت إلى أنه تقع على كاهل الأساتذة الجامعيين مسؤولية كبيرة كي يقوموا بتطوير مهاراتهم في تدريس محتويات المناهج الجامعية، مشيرة إلى أن تنوع الاستخدامات الرقمية يؤدي إلى تشعب هذه العملية ويزيد من صعوبتها بنحو كبير، كذلك إن تطور هذه التكنولوجيات والقفزات الكبيرة التي شهدتها مجالات الإعلام والاتصال تلزمنا بالبحث عن آليات وحلول مبتكرة للمشكلات التي تواجهنا بهذا الخصوص.

تأثير سلبي

وفي ورقته البحثية حول حوكمة الصحافة المكتوبة، يرى الأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الإخبار، الدكتور محمد قنطارة أن الأوضاع الاقتصادية في تونس أثرت سلباً وكثيراً بواقع الصحافة المكتوبة، في ظل زيادة التضخم باقتصاد البلاد، وتراجع قيمة الدينار التونسي أمام كل من اليورو والدولار..

وارتفاع أسعار السلع المرتبطة بصناعة الصحافة المكتوبة كالورق، وبالتالي إلى ارتفاع تكاليف طباعة الصحف في تونس، فضلاً عن انعدام دراسة «المنتج الصحافي المكتوب» بشكله النهائي من قبل المؤسسات القائمة عليه، مع عدم تطوير عملية تأهيل موظفيها، والارتقاء بجودة مختلف جوانب عملها الصحافي.

وشارك الباحث التونسي، شوقي علوي، في المؤتمر بورقة حملت عنوان .. هل انتهى دور الصحافة المكتوبة في الاتصال السياسي؟ وقال إن التكنولوجيا الحديثة للإعلام، قد طورت آليات الاتصال السياسي وسبله بصورة جذرية..

والبحوث التي أُجريت خلال السنوات الأخيرة على الإنترنت تجزم بأن الاتصال السياسي من خلالها قد أصبح أكثر سهولة وأكثر نجاحاً، ليس من الصحافة المكتوبة وحدها، بل وحتى التلفزيون، الذي كان الوسيلة الأكثر أهمية للاتصال السياسي لعقود قبل أن يضمحل هذا الدور. وهذا الأمر يعود إلى سرعة التفاعل وسهولة التواصل من خلاله على مدار الساعة، والقدرة على قياس ردود أفعال الجمهور من خلالها بشكلٍ ملموس.

تجربة الخاص

وقدم الأستاذ الجامعي في جامعة لمين دباغين بولاية سطيف الجزائرية، ورقة عملٍ بحثية بعنوان «آليات بناء النقاش العمومي حول المسائل السياسية في الصحافة المكتوبة الجزائرية»، وقال فيها إن تجربة الإعلام الخاص في الجزائر، والتي مر عليها أكثر من ربع قرن، تمر في حالة من الفوضى، في ظل وجود «فضاء عام» مهزوز..

وغياب النقاش العموم وترقية الثقافة السياسية العمومية لدى القائمين على مؤسسات الإعلام المكتوب، في ظل اعتبار هؤلاء لمتابعي وسائل الصحافة المطبوعة «زبائن» بالدرجة الأولى، مع وجود معضلة اتخاذ القرارات السياسية بشكلٍ فردي من المسؤولين في قمة هرم السلطة، بعيداً عن النقاش العمومي مع المواطنين.

وخلال النقاشات، التي دارت في مجملها حول مداخلة دكتور العياري والتي لاقت أهمية خاصة لأنها تتحدث عن دور المؤسسات الأكاديمية بالدرجة الأولى. سأل الأكاديمي المصري، الأستاذ بخيت هل ترى أن الأكاديميين في الدول العربية قادرون على تولي دورهم في تطوير عملية تأهيل الصحافيين، من خلال المؤسسات الإعلامية المختلفة؟.

أجاب العياري ينبغي أن نتعهد أنفسنا بالتكوين، قبل أن نطلب من الطلبة ذلك. ومن الممكن فتح باب التأهيل أمام هواة ممارسة الإعلام، ممن لا يمتلكون شهادات من كليات الصحافة، من خلال تأمين دورات، بل يمكننا أيضاً فتح أقسام خاصة لهم في كليات ومعاهد الإعلام العربية، لأن استيعابهم مهم أيضاً.

توصيات

أكدت توصيات المؤتمر أهمية قيام مؤسسات الصحافة المكتوبة بواجبها وتغيير أساليبها القديمة والتقليدية، وتوفير دورات تدريبية للكوادر العاملة، مع ضرورة تغيير المناهج العربية بالإعلام لتصبح أكثر حداثة، وتجسير الهوة بين الجامعات والمعاهد بالمشرق والمغرب العربي، وربط المؤسسات الأكاديمية بالسوق المحلية لمعرفة احتياجاته، وتركيز الصحافة المطبوعة على الفنون المتميزة الأخرى غير الخبرية، لاجتذاب قراء أكثر.

Email