مسافات

«الأصبغة».. ألوان زاهية من خيرات الطبيعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلتقط عبد الله بن ربيع مفردات الحياة في الإمارات، متشبثاً بالأشياء في مسافاتها الأكثر حضوراً في ماضي الزمان، حيث الأصالة والوفاء لكل ما رفد الشعب الإماراتي بالحياة، عبر الدهور والأجيال.

«البيان» تقدّم له هذه المساحة ليحكي بعدسته عفوية وتفاصيل ووجوه تلك الخصوصية الفولكلورية، لإبقائها حية في ذاكرتنا، صوناً لميراثنا التليد الذي نستمد منه الطاقة الملهمة نحو المستقبل.

لا يكاد يخلو مظهر من مظاهر التمدن إلا ونرى فيه لمسة عريقة للآباء والأجداد جادت بها قريحتهم بما أمدتهم به ظروف الماضي من وسائل وأدوات خاضوا بها غمار الحياة، ولم يدعوا تحديات المناخ الصعب والبيئة الصحراوية تتغلب على إرادتهم، بل على العكس، لقد منحتهم الصحراء صلابة وقوة استغلوا بها كل المعطيات التي بين أيديهم، ومنها تلك النباتات والأزهار والثمار، التي صنعوا من خلالها الأصبغة التي أضفت على ملابسهم رونقاً وزهواً اختالت به فتيات الفريج وتزينت به الفتيات والنساء، لتؤسس تلك الأصبغة «موضة» محلية، صنعتها أيدي الإماراتيين، دون الحاجة إلى استيراد صيحات اللباس، فالأصالة والعراقة الإماراتية تغني عن كل مستورد لا يمت إلى قيمنا العربية بصلة.

استخرج الإماراتي تلك الأصبغة من النباتات الصحراوية والجبلية، التي توارث استخدامها الآباء عن أجدادهم، وكانت تشتهر بأنواع ومسميات بعضها متداول حتى أيامنا هذه، ومن تلك النباتات: «عشبة النيل»، و«الكرمز»، و«جلد الرمان»، أو «قشر الرمان»، و«ورق اللوز»، وهي شجرة «البيزام»، و«القرط» و«الكركم».

غلبة اللون

وتؤخذ النبتة المطلوبة سواء كانت باللون الأحمر أو غيره، وتوضع في وعاء ماء يغلى على نار هادئة، وبعد غلبة اللون على الماء يصفى من الشوائب في قدر آخر، ثم يوضع كذلك على نار هادئة، وبعدها توضع الأقمشة المراد صبغها أو «الخلجان» داخل ذلك الوعاء، ونتركه نصف ساعة، ثم تؤخذ تلك الأقمشة المصبوغة وتجفف على حبل في الظل، ولا تعرض لأشعة الشمس، كي تتشرب الأصبغة الملونة.

وكانت الهند في تلك الأزمنة مصدراً مهماً للأقمشة سواء الرجالية منها أو النسائية، وكانت تستورد بيضاء وخشنة، ومن خلال تجارب وخبرات الآباء وجدوا أن تلك النباتات تعطيها اللون الزاهي والنعومة التي تهيئها لتناسب الأجواء الحارة.

Email