رسائل مانديلا إلى عائلته.. سطور حب ووفاء تحدت جدران الأسر

مانديلا وزوجته ويني بعد إطلاق سراحه ـــ من المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في لوحة عاطفية آسرة، تنقلنا الرسائل التي خطها نيلسون مانديلا في سجنه، إلى روح مضطربة نتبين فيها صوت الأب والزوج من وراء المناضل السياسي، كما نشهد من خلالها على تلك النزعة الإنسانية المتأصلة التي ساعدت في انتقال جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري.

الرسائل، والكثير منها غير منشور، تم تجميعها من مصادر مختلفة، خلال فترة الـ27 عاماً التي قضاها مانديلا في السجن من 1962 إلى 1990، وتصدر الآن بمناسبة الذكرى المئوية لولادته.

كان قد مضى على وجوده في السجن ست سنوات ونصف عندما كتب لزوجته ويني في عام 1969: «منذ فجر التاريخ، كرمت البشرية.. الرجال والنساء مثلك يا حبيبتي - فتاة عادية من قرية ريفية بالكاد تظهر على معظم خرائط العالم».

هي واحدة من رسائل حب كثيرة كتبها لها. لكن ذاك العام كان الأكثر حزناً في سنوات سجنه. فويني، صلته الوحيدة بالعالم، دخلت السجن بانتظار المحاكمة تاركة أولادها، وتوفيت والدته ولم يسمح له بحضور جنازتها. يصف في إحدى الرسائل زيارة والدته الأخيرة له في سجن «جزيرة روبن»، والمشهد الأخير فيما كانت تسير بعيداً باتجاه المركب الذي نقلها إلى البر، والشعور المفاجئ الذي فاض بداخله بأنه لن يراها مجدداً.

حزيناً على فراقها، تصله برقية في ذاك العام، تخبره بأن ابنه ثمبي من زوجته الأولى أفلين، والبالغ من العمر 24 عاماً، قد قتل في حادث سير. كتب في إحدى رسائله بأن النبأ كان ساحقاً إلى حد أنه شعر بأن الدماء تجمدت في شرايينه، فحاول تلمس طريق العودة إلى زنزانته «المكان الأخير حيث رجل مكلوم يجب أن يكون فيه».. وبألم، كتب عن ولده الذي لم يُسمح له بدفنه أو زيارة قبره، كيف شعر عند رؤيته عام 1962:

«كان فتى مفعماً بالحيوية بعمر 17 عاماً.. كان يرتدي أحد سراويلي بقياس أكبر منه قليلاً.. وكان يدقق بملابسه ولم يكن هناك أي سبب يدعوه لارتداء ملابسي. تأثرت بالعمق لأن الأسباب العاطفية ما وراء تصرفاته كانت جلية أكثر من اللزوم. بعد ذلك لعدة أيام كان ذهني ومشاعري متأججة مدركاً الضغوط النفسية والتوتر التي سببها غيابي عن المنزل». كانت سلطات السجن لا تسمح لأولاده بزيارته، إلا بعد بلوغ الـ16 عاماً، فحاول ملء واجباته عبر المراسلة.

كتب عام 1970 إلى ابنه الثاني من افلين، ماكغاثو، يؤنبه على افتقاره للإرادة والاستقلالية، ملقياً اللوم في ذلك على غيابه عن المنزل. وفي عام 1971، قال لابنته زيني التي كتبت على مغلف «كن مثل ألفيس»، إنه يأمل أنها تستمع أيضاً إلى موسيقى مريام ماكيبا، أو بتهوفن.

وكتب في إحدى المرات: «ينبغي أن تكون مسجوناً في زنزانة لكي تقدر الحزن الذي يقبض على الأنفاس».

هذه الحياة الشاقة كلفته نهاية زواجه بويني التي كان يحلم بها في السجن، كتب لها في عام 1970 أنه حلم بها تقوم برقصة «هاواي الرشيقة» وقد استدارت تجاهه بابتسامتها الساحرة التي يفتقدها بشدة.

Email