الذات الثالثة وهمّ التشتّت المعادي للمبدعين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الناس الأشد ندماً على وجه الأرض هم أولئك الذين سمعوا نداء العمل الإبداعي، وشعروا بقواهم الإبداعية الجامحة، الأحرار، ولم يخصصوا لها الوقت ولا القوة.

انطلاقاً من هذه المقولة أضاءت الشاعرة الأميركية ماري أوليفر في مقالاتها الرائعة بعنوان «الوقت والقوة» على صفة التركيز. وكأنها ترجع صدى الشاعرة جاين هيرشفيلد حين قالت: في غياهب التركيز الخالص، يبدأ العالم والذات عملية التحام يدخل معها المرء حالة من التوسع لما يمكن أن يتم إدراكه والشعور به، وعمله.

توفيق

التركيز فن صعب في الواقع، بل فن الفنون كلها، وصعوبته تكمن في التوفيق الدائمة بين حالة النشاز القائم بين الذات والعالم، والتي لا تقتصر على زمن التواصل الاجتماعي الحالي، إذ سطرته الفنانة الفرنسية أوجين دو لا كروا بلوم العذاب الضروري لتفادي حالات التشتيت الذهني الاجتماعي في العمل الإبداعي. ونصحت الرسامة الأميركية أغنيس مارتن بعد مئة عام الفنانين الطموحين بالتعقل حيال الاستطرادات الطارئة والتي تفسد الخصوصية الذهنية والعاطفية والروحية منبع الإلهام.

وتطالعنا ماري أوليفر بتعبير «المعترض الحميم» وتحذرنا من مدى خطورته على العمل الإبداعي بما يتخطى أي عامل تشتيت خارجي آخر. وتماهي حيرة الكاتب الأرجنتيني خورخي بورخيس حيال الشخصية المنقسمة، فتشرع في التنقيب عن وحدات بناء الذات بغية فهم القدرات المتوازية على تدفق الإبداع المركّز، والمقاطعة عديمة الرحمة.

ذوات

وتحدد أوليفر ثلاث ذوات أولية تسكنها وتسكن فيها كما تفعل في كل منا، وتشير إلى الذات الطفولية، حيث نمضي حياتنا في محاولة حياكة خيوط استمرارية هويتنا الشخصية. وهناك الذات الاجتماعية «المقسمة على ألف مفهوم لمعنى الالتزام»، الذات الثالثة التي تعتبر نوعاً من الوعي الغيبي. وتقول: «هناك حتماً ذات ثالثة في كلٍ منا ليست بالطفل ولا العبد للوقت. إنها ذات ثالثة عرضية في بعضنا ومستبدة ببعضنا الآخر. إنها ذات بعيدة عن حب الوقت والأمور الاعتيادية، إنها تعطش للأبدية».

Email