جذور

دليل الخليج بين لوريمر وحقائقه المُدَوَّنة ( 3 )

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعدّ كتاب «دليل الخليج» موسوعة قيمة، جمع شتاتها جون لوريمر في عدة مجلدات، قسمها بين التاريخ والجغرافيا، باعتبارهما أصْلين للعلوم الإنسانية التي تتحدث عن الإنسان والمكان في كل ظروفهما، ومواقعهما، وأحوالهما.

وبذل لوريمر جهوداً مضنية في جمع كتابه مما تحصل عليه من معلومات دُونتْ في تقارير، ومضابط، وأخبار، تمتد زمنياً من نهاية القرن الثامن عشر إلى عام 1908. وهي فترة طويلة من الزمن، تمكن المؤلف من تغطيتها في هذا الكتاب الموسوعي المهم.

أفرد المؤلف للقسم الجغرافي ثلاثة مجلدات كبيرة، ضمّنها معلومات جغرافية وتضاريسية وبيئية وأنثروبولوجية وجيولوجية واقتصادية واجتماعية ومعمارية، جعلتْ منه مصدراً مهماً، لا يستغني الباحثون عن الرجوع إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار المنطلقات البريطانية في ذلك الوقت، التي أحاطتْ بكل تلك التقارير.

وقد اتبع لوريمر منهجاً عاماً في كل القسم الجغرافي، من حيث ذِكر الموقع الجغرافي بما فيه من صفات وبمَن فيه من سكان، ووضعها حسب النطق العربي بالحرف اللاتيني.

منذ أن سمحت الحكومة البريطانية بنشر «دليل الخليج» صدرتْ أكثر من ترجمة إلى اللغة العربية. استغلها عدد من الباحثين الخليجيين في إصدار مختارات وملخّصات مترجمة، مثل: كتاب «الكويت في دليل الخليج» للأديب والمؤرّخ الكويتي خالد بن سعود الزيد -رحمه الله- عام 1982، استخلص فيه المواد المتعلّقة بالكويت، في جزأين تاريخي وجغرافي.

وكتاب «تاريخ البلاد السعودية في دليل الخليج» لمحمد بن سليمان الخضيري عام 2001، استخلص فيه المواد المتعلّقة بتاريخ المملكة العربية السعودية، وكتاب «معجم قبائل الخليج في مذكرات لوريمر» لسعود الزيتون الخالدي عام 2002. استخلص فيه المواد المتعلّقة بالقبائل العربية.

وفي عام 2014 صدر عن دار بيسان في بيروت كتاب بعنوان «دولة الإمارات العربية المتحدة في دليل الخليج»، من جَمْع وإعداد وتعليق مجموعة من الباحثين، لم تُذكَر أسماؤهم.

وأتذكّر أنّي اشتريتُ هذا الكتاب من مكتبة الساقي في لندن. ويرد في تمهيد الكتاب: وقد رأينا أن نعدّ هذا الكتاب حول الإمارات في دليل الخليج؛ نظراً لأهمية المعلومات الواردة فيه رغم وجود مغالطات تاريخية. وفي التمهيد نفسه اعتُبِر هذا الإصدار من أهم المراجع التي تناولت تاريخ وجغرافية الخليج.

الإمارات في الكتاب

في الكتاب، وفي هامش رقم: (1)، صفحة: (33) يرد ردّ على لوريمر على أن هذا الرد من وضع المترجم (المجهول طبعاً). ثم في هامش (1)، صفحة (42) فيه أيضاً رد جيّد على ادعاءات لوريمر، وخُتم أن هذا الردّ قام به:

«مُعدّو الكتاب»، المجهولون. وتكرّر الأمر نفسه في حاشية (1)، صفحة: (89). وفي حاشية (1)، صفحة: (152). كما قام معدّو الكتاب المجهولون بتزويد الكتاب بمراجع إضافية منها كتاب «المفصّل» للدكتور فالح حنظل. ولهم تعليق آخر في صفحة (294)، وصفحة (296) للردّ على لوريمر. ولهم تعليق جيّد حول الرقّ في صفحة: (304)، وتعليقات أخرى جيدة في عدد من المواضيع، في صفحات: (325)، و(479)، و(485)، و(492-493)، و(494-499).

كما وقع المترجمون في أخطاء الترجمة الأولى بكتابة أسماء المواقع خطأً مثل: «البثنة» التي كُتبت «البطنة» (ص. 266) وهذا تكرّر في القسم الجغرافي من الكتاب. وأحياناً ترد المواضع دون ألف التعريف أو إضافة التاء المربوطة في نهاية الاسم، وأحياناً تضاف ألف التعريف في غير محلها.

لهذا فإن هذا المصنف على الرغم من كونه وفر جهداً على الباحثين، إلا أنه يتطلب عملاً تنقيحياً دقيقاً، ومراجعة تفصيلية مع مقارنة كل ذلك بالأصل الإنجليزي، مع التعليق والتعقيب والتصحيح والتعديل والإضافة.

المعجم الجغرافي

أما في الكتاب الأصلي، فقد وضع لوريمر القسم الجغرافي على شكل معجم، يحتوي على أبحاث ومقالات ودراسات وتقارير حول مدن وقرى وبلدات ومناطق وأسر حاكمة وقبائل ومجموعات دينية وعرقية. كما تضمنت العديد من الإحصائيات والتقديرات في الأعداد والأرقام والمسافات والمساحات. وهي متفاوتة في الكم والكيف لكل مفردة جغرافية.

هي بالتالي كما أشرنا سابقاً تعكس ما يتوافر من المعلومات لدى الحكومة البريطانية في تلك الفترة. وألحقت بالقسم الجغرافي خريطتان، الأولى: خارطة توضيحية ضخمة وتفصيلية للخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، وأجزاء من العراق، ولها مفتاح تفصيلي دقيق وطويل للمواضع والبلدان، مدونة باللغتين العربية والإنجليزية، ترشد إلى كل موضع في محله من الخارطة.

والثانية: خارطة لأهوار الغوص. ومن محاسن الأمور أنه قد دُوّن على الخارطتيْن أسماء مَن أعدّوهما. ويكاد يتوسط الخارطة مستطيل يحتوي تعليمات وَصَفتْ هذه الخارطة بالسرية، وفيها اعتماد الجنرال السير بيوشامپ دَفف (General Sir Beauchamp Duff) بصفته رئيس الخليج كما هو مرفق باعتماده.

وهذا الجنرال أحد أكبر القادة البريطانيين في المنطقة والهند، وخاض معارك الحرب العالمية الأولى، وتوفي في 20 يناير 1918 عن عمر ناهز 63 عاماً. وكانت سنوات خدمته العسكرية تمتد من عام 1874 إلى عام وفاته.

تقسيم المعجم

حين الاطلاع على الجزء الأول من القسم الإنجليزي، نجد أن لوريمر يقر بأن هذا القسم هو معجم جغرافي أو قاموس جغرافي، مدون بناء على الحروف الهجائية. ويصرح بأن المسافات المسجلة في هذا القسم نتيجة ما تحصّل عليه من معلومات من مصادر محلية.

كما أن أعداد السكان والبيوت تقديرية. إضافة إلى أن المعلومات الخاصة بالبهائم والمزروعات هي من مصادر محلية، وليست معلومات معتمدة تماماً. ويثبت أنه أنهى هذا المصنّف في 24 ديسمبر 1908، وهو في مدينة دندي في اسكتلندا.

ويشير إلى أنه قسّم هذا الجزء إلى عدة مناطق جغرافية كبرى، ذكر فيها كثيراً من التفاصيل، من بينها عمان، والإمارات، والبحرين، والأحساء (في السعودية)، والكويت، ونجد (في السعودية)، والعراق، وغيرها.. . وأتبع هذه الفصول الطويلة بمقالات حول الحدود، والطبيعة، والمناخ، والمنتجات الطبيعية: الخضراوات والمعادن، والزراعة والمحاصيل.

وحيوانات الرعي وحيوانات النقل، واللغة، والعادات، والزي، والسكان، والتجارة الداخلية والخارجية، والعملات، والأوزان، والأسواق، والصناعات، والمواصلات البرية والمائية، والإدارة الحكومية: الشرطة، والقضاء، والضرائب، والمال. ثم المواقف العالمية والمصالح الأجنبية، وبالذات المصالح البريطانية، وتمثيل السلطة البريطانية في الخليج. ويذكر أنه في بعض المقالات أضاف الطبوغرافيا.

نماذج وأمثلة

في الجزء الأول من القسم الجغرافي، يبتدئ فيه بــ«العبادلة» (ʿAbādilah)، وينتهي بـ«حنيفة» (Ḥanīfah)، ويعني به وادي حنيفة تحديداً. وصفحات هذا الجزء من 1 إلى 628. وفي الكتاب عدد من الصور تبلغ نحو العشرين. وهي متنوعة تشمل العمران والأنهار والمجاري المائية والبساتين. وهو حين يثبتها ينسبها إلى مصدرها. وضم هذا الجزء نحو 198 حاشية.

أوسعها تقع ما بين صفحَتي: 115 و119. وهو في هذه الحواشي يفسر بعض الألفاظ أو يضيف بعض المعلومات أو يشير إلى المصادر التي استقى منها المعلومة أو إلى تواصله بعدد من القيادات التي زودته بهذه الأخبار أو يثبت بعض الألفاظ باللغة العربية أو يضيف بعض الأرقام والأعداد، أو يحدد بعض المواضع كامتدادات الأودية والأخوار والمسطحات أو بعض الإشارات السياسية.

ومن مميزات هذا القسم أنه يرفقه بجداول إضافية تدعم معلوماته حول المناطق والبلدان، وأحياناً يفرد لبعض المواضع ذِكراً مع أنها تشير إلى بلدان أخرى بأسماء ثانية، مثل: «أوال» (ʾAwāl) (ص. 186)، الاسم القديم للبحرين.

ويتحدث عن بغداد كمدينة كبيرة، مع أنه أشار إليها قبل ذلك في حديثه عن بعض قراها وبلداتها القريبة منها. ومن إبداعاته أن يتحدث مثلاً عن منطقة البريمي، ويسهب في الحديث عنها، ثم يضيف إليها قائمة بقراها وبلداتها مع معلومات تفصيلية حولها.

والجزء الثاني من القسم الجغرافي يقع بين صفحتَي 629 و1292، بدأه بجزيرة هنجام (Hinjām)، وأنها بمرتفع النعلة (Naʿlah). وفيه نحو من 25 صورة. إضافة إلى ما ذكرنا سابقاً فإن الصور تضم أشكالاً للطبيعة والبيئة. أما الحواشي فتبلغ نحو 145 حاشية. وهي مشابهة لحواشي الجزء الأول من القسم الجغرافي. أطولها الحاشية بين صفحتي: 1058 و1060.

وفي هذا الجزء بسط القول حول رأس الخيمة تحت مسمّى: «الخيمة» وليس تحت اسم: «رأس الخيمة»، ورسمها بهذه الصيغة: (Khaimah (Rās - Al-)، إذاً، هو بالتالي أسقط حرف «الراء» (R).

مع أنه في الجزء الثالث وضع عنوان «رؤوس الجبال» تحت حرف «الراء» (R). وحين حديثه حول جبل شمّر أدرجه تحت حرف «السين» (S)، وأتبع الاسم «جبل» بين قوسين. وبسط الحديث عن قبيلة الشحوح، وكان قد أشار إليهم في حديثه عن رؤوس الجبال.

كتب أخرى

بذل جون لوريمر جهداً كبيراً في التأليف والتحرير والإعداد، واشتهر بكتابه دليل الخليج، ولكن من الأمور اللافتة الأخرى، أنّه ألف كتابين آخرين؛ الأول كتاب «القانون العرفي والمدني لدى القبائل الرئيسة في مقاطعة بشاور» (Customary Law of the Main Tribes in the Peshawar District 1899)، والثاني كتاب «قواعد ومفردات اللغة البشتونية» (Grammar and Vocabulary of Waziri Pashto 1902).

Email