من أسمائها البرزة والمرمس والحضيرة

مِيالس الفِرجان.. متنفس الفريج ومجمع الذكريات

ت + ت - الحجم الطبيعي

عرفت مِيالس الفِرجان في دولة الإمارات منذ القدم، فكانت بمثابة متنفس لأهالي الفريج والملتقى الذي يجتمع فيه الناس للسمر والحديث عن شؤون الحياة، وهي إحدى صور التعاضد والتكافل الاجتماعي بين أبناء الفريج الواحد، فلا يكاد يخلو فريج من مجلس أو أكثر، بحيث يجتمع فيه أعيان الدولة مع سكانها، والأهالي مع بعضهم بشكل يومي.

يقول الباحث والمؤرخ التراثي حمد البدواوي، إن «المِيالس» تعتبر عنصراً أصيلاً من عناصر التراث الإماراتي، وعرفت بأسماء متعددة وفقاً لأغراضها، ومنها «المرمس» أو «المرامس» التي وجدت في إمارة دبي خلال حقبة الأربعينيات من القرن الماضي.

حيث كان يوجد مرمس في منطقة ديرة، وآخر في منطقة الشندغة، وكانت مخصصة للحكام والأعيان، الذين كانوا يجتمعون في المرامس الكائنة في بيوت الوجهاء، وكانوا يطلعون على أخبار الشعب ويتحدثون في الأمور التي كانت تخص البلد، وتقضى فيها حوائج الناس وتحل خلافاتهم.

مجالس الوجهاء

أما بالنسبة لأفراد الشعب فبحسب البدواوي كانوا يجتمعون في «البرزة» التي تقام في البيوت أو في البراح من ساحاتها في الهواء الطلق، والمؤثثة بمفارش من حصير ويقدم فيها أصالة الضيافة من دلال وفناجين للقهوة وتمر، ورطب في موسم الرطب، ومأكولات شعبية أخرى للضيوف والقاصدين.

ويورد إبراهيم بوملحة في كتابه «الفريج» ذكريات من الزمن الجميل، أن المرامس كانت منتشرة في فرجان دبي، فقلما يخلو بيت من مجلس أو مرمس للسمر والضيافة، وإن عادة الناس في ذلك الوقت كانت الكرم وكان كل من الناس يكرم على قدر طاقته وحالته المادية، فالكرم والضيافة كان خلة من خلال تلك الحياة التي عاشوها وأشربوا قيمها وعاداتها في نفوسهم.

ويتحدث في كتابه عن مجالس محمد بن دلموك في فريج الراس التي كانت فريدة من نوعها في الجود والكرم والشهرة والعطاء، فقد كانت المرامس ذات سوق رائجة بينهم، وتعتبر من أسباب سعادتهم التي لا يستغنون عنها بحال من الأحوال مطلقاً.

أنواع المِيالس

يقول الشاعر والمهتم بالشأن التراثي، عبيد بن طروق، بأن الميالس في الماضي عرفت باسم «الحضيرة» عند البدو، و«البرزة» عند أهالي الساحل، وكان يجتمع فيها أهل الفريج بشكل يومي، للتسامر والحديث في شؤون الحياة، ويقدم فيها كرم الضيافة الإماراتية الأصيلة.

أما واقع الميالس في الإمارات الشمالية، فيتحدث عنه حسن إبراهيم كاسين، عضو في جمعية الرمس للفنون الشعبية، ويقول: «المرامس هي ظاهرة منتشرة في الأحياء على مستوى الدولة، حيث كان للبدو وأهل البحر والزراعة مرامس خاصة بهم، وكذلك مرامس يرتادها أعيان البلاد. وكان الرجال يجتمعون في المرمس من الصباح الباكر وحتى فترة الضحى.

ومن بعد صلاة العصر إلى المغرب، ويحرصون على اللقاء ليلاً في هذه الأمكنة المعدّة لهذا الغرض الاجتماعي، وكانوا يتبادلون أطراف الحديث عن الحياة والرزق، وأحياناً للتسلية والسوالف وتبادل الأحاديث، والبعض للثقافة والأدب والشعر».

أما النساء فقد كن يتخذن من بعض البيوت مرامس خاصة بهن، بحيث تتولى امرأة ذات سمعة ووجاهة إقامة هذا المرمس في منزلها ليجتمع فيه النسوة من أجل التسامر ونوع توطيد من العلاقات الاجتماعية المترابطة.

وعرف المرمس في الماضي بالبساطة، فقد كان عبارة عن حصيرة من خوص النخيل، ويقدم فيه الضيافة الإماراتية الأصيلة من القهوة والتمر وبعض الأكلات الشعبية كالبلاليط والخبيص، وكان الجار وقاصد المرمس يأتي بهذه الأطباق ويقدمها لضيوف المرمس.

ويشير حسن كاسين إلى أن مدينة الرمس التي تقع في شمال إمارة رأس الخيمة أُطلق عليها هذا الاسم، بسبب انتشار المرامس فيها، حيث كان سكانها القدماء يقيمون في جزيرة الحليلة المقابلة للرمس، وكان الصيادون يجتمعون فيها ويتحدثون في شؤون البحر ويتجاذبون أطراف الحديث، قبل وبعد ذهابهم إلى البحر، إلى أن صار مجلساً صغيراً لهم فسمي المكان على إثر ذلك (بالرمس).

نظرة بعيدة

وأوضح حسن كاسين أنه رغم ظروف المدينة المعاصرة التي أدت إلى تراجع هذه العادة الأصيلة والجميلة في حياة مجتمعنا، إلا أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كانت له نظرة بعيدة المدى.

لاسيما حين أمر ببناء مجالس في الأحياء لأهل بعض الفرجان وخاصة الكبار منهم، ليتيح لهم مجالاً للالتقاء اليومي فيها واختار لها تصاميم تراثية تعبر عن أشكالها القديمة في البناء الذي كانت عليه في الماضي ليربط حداثتها بقدمها لتؤدي مضمونها الجميل في حياة الجيل الحاضر.

ونجحت مجالس الأحياء في توطيد العلاقات الاجتماعية ما بين السكان، إضافة إلى ربط الجيل الجديد بجيل الآباء والأجداد عبر المناقشات والحوارات البناءة، كما تسهم في إيجاد الحلول عبر استضافة مسؤولي الجهات الحكومية، والوعاظ، والعلماء، ما يؤدي لغرس القيم الإيجابية، والخصال الحميدة في المجتمع.

 

Email