باحثون: توريث الصناعات والحرف ضرورة وطنية

الحرف التقليدية.. إرث ثقافي غني وتحديات عصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

التراث هو الحاضنة التاريخيّة للشعوب، وتشكل الحرف التقليدية جزءاً مهماً من تاريخ الشعوب وحضاراتها، وتعد الإمارات من الدول الغنية بتراثها الحضاري الذي ورثته عبر مختلف مراحلها التاريخية والحضارية، ويظهر ذلك بوضوح في تعدد الحرف والصناعات التقليدية التي تعكس ذوقاً فنياً وتراثاً غنياً.

ونظراً للمتغيرات التي طرأت على مجتمع الإمارات نتيجة الطفرة النفطية والتطور الحضاري، تواجه تلك الصناعات والحرف التقليدية عقبات وتحديات مختلفة، جعلت البعض منها مهدداً بالزوال، إلا أن مشروعات ومبادرات الدولة أسهمت في حفظها وصونها، ولكن المطلوب، كما يقول متخصصون، أن يتحمل جميع الأفراد والجهات المجتمعية مسؤوليات في هذا الصدد ويبادروا للإسهام بعمليات صون هذه الحرف.

حول واقع الحرف التقليدية في الدولة وأبرز التحديات والمتغيرات التي طرأت عليها، استطلعنا آراء عدد من المختصين والمهتمين بالشأن التراثي. إذ أكد ناصر بن حسن الكاس، رئيس جمعية ابن ماجد للفنون الشعبية والتجديف بإمارة رأس الخيمة، أن الحرف التقليدية تعزز ارتباط الأجيال الجديدة بجذورها وتكرس الماضي التليد في وجدانها، ما يعكس انتماءها الوطني.

وأضاف: «نعمل على إعادة إحياء الحرف البحرية، لاسيما الحرف التي تواجه خطر الاندثار ومنها؛ صناعة «القراقير» من جريد النخيل، إضافة إلى صناعة الفخار بالطريقة التقليدية التي كانت تعتمد على محارق الفخار في المناطق الجبلية مثل السلي وجلفار، معتمدين فيها على الطين المحلي، أما بالنسبة لصناعة الطبول فهي موجودة ولكنها تحتاج إلى تشجيع».

ضرورات

وأوضح الباحث التراثي علي خميس العشر، الذي أكد أن الحرف التقليدية تواجه خطر الاندثار نتيجة تحديات كثيرة، أبرزها غياب الكوادر الحرفية الجديدة وضعف الإقبال على تعلم الحرف القديمة وتصديرها للأجيال الحالية، ويقول:

«تعد الحرف التقليدية هي الرصيد الثقافي والحضاري والإنساني للشعوب، وتشكل جزءاً مهماً من الهوية الإماراتية، وتواجه هذه الحرف بعض التحديات التي تجعل بعض ملامحها في طريق الاندثار والإهمال، ومن ضمن الحرف التي غابت عن الساحة تأتي «صناعة البشوت» والري باستخدام «اليازرة» عدا عن صناعة الآلات الموسيقية الإيقاعية كالطبول و«الطيران» (الدفوف)، التي شهدت تراجعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة.

أسبابوأشار محمد سيف الظهوري، المهتم بالشأن التراثي، إلى أن التطور التكنولوجي وإدخال الآلة الحديثة أدى إلى تراجع الصناعات التقليدية، ويقول: «تعد مهنة (القلافة) وهي صناعة السفن، من الحرف المنسية التي تأثرت بفعل العولمة والتكنولوجيا.

إضافة إلى صناعة الشباك أو (الطراقة) وغيرها من الحرف التقليدية التي اشتهر بها أهل البحر، لذلك نعمل على تجسيد هذه الحرف على أرض الواقع في المهرجانات والمناسبات، من أجل نقلها للأجيال الحالية والقادمة وحفظها من الاندثار».

حاميات التراث

ولفت علي حمدان الظهوري، المهتم بالشأن التراثي، أن إعادة إحياء الحرف والصناعات التقليدية التي اشتهر بها أبناء الإمارات منذ القدم، وتعليمها للأجيال الحالية، تسهم في تعزيز الهوية الوطنية في صورة تعكس أمجاد وتضحيات الآباء المؤسسين في مرحلة ما قبل النفط، ويقول: «نحن أبناء البيئة الجبلية نشأنا على قسوة الحياة، تلك القسوة أخرجت منا طاقات كبيرة صنعت المستقبل المشرق للأجيال الحالية».

وعن الحرف التقليدية التي مازال أهالي الجبال محافظين عليها، يقول الظهوري: «اشتهر أهالي الجبال بحرفة الغزل والنسيج وصناعة القرب وتقطيع الطبول، وصناعة الجرز أو (اليرز) وغيرها من الحرف التي نعمل على مواصلة إحيائها في نفوس الشباب، لذلك نعمل على تنظيم ورش عمل تعليمية للجمهور، يقدمها الحرفيون والمختصون في الشأن التراثي...».

وقال سيف بن ركاض، المهتم بالشأن التراثي، إن إحياء الحرف التقليدية مسؤولية وطنية، ومن الواجب علينا حفظها وصونها وتوصيلها بسلام للأجيال الحاضرة وتوثيقها للمستقبل، وتابع:

«توريث الحرف التقليدية يبدأ من تعليم النشء على الحرف وإشراكهم في المهرجانات، مع عقد الورش التعليمية المحفزة، ما يتطلب مشاركة (حاميات التراث) من الأمهات الحرفيات في المهرجانات التي تساعد على نقل التراث وتوريثه للأجيال». ومن ضمن الحرف التي تواجه خطر الاندثار في البيئة البدوية بحسب بن ركاض، تأتي حرفة غزل النسيج باستخدام صوف الغنم، وحرفة الخياطة باستخدام «الكرخانة».

Email