جذور

غوّاصات الحرب العالمية الثانية في منطقة الخليج العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنّ أوّل إشارة إلى وجود غوّاصات معادية تتبع دول المحور في بحر عمان كانت في يناير 1941، إذ ورد في رسالة للمقيم السياسي في البحرين موجّهة إلى الضابط السياسي في الشارقة بتاريخ 13 يناير، أنّ دويّ انفجار هائل سُمع في الشارقة بتاريخ 9 يناير 1941، في تمام الساعة 5.30 مساءً، وهذا الصوت الانفجاري العظيم قادم من جهة كلباء.

وهو في هذه الرسالة يطلب منه التأكّد من المعلومة التي وردت إلى البحرين من أحد المصادر الخاصّة، فردّ عليه الضابط السياسي في اليوم التالي يقول فيها: إنّ غوّاصة معادية شوهدت في بحر عمان، وهي متّجهة صوب الخليج العربي. وشاهد أحد المسؤولين البريطانيين إلى الشرق من شبه جزيرة مسندم بقعة كبيرة من الزيت تطفو على المياه، ولكن لم يشاهد أيّ حطام لأيّ غوّاصة في تلك البقعة.

وذكر له أيضاً أنّ الضابط المناوب، المدعو آدم، سمع هذا الانفجار الهائل، العميق، والطويل، قادماً من الجهة الممتدّة من دبا إلى الفجيرة وكلباء، وهي على بُعد يتراوح بين 60 و70 ميلاً، وقام في الوقت نفسه بإبلاغ الأجهزة الأمنيّة في كراتشي. وتكرّرت هذه الإشارات نفسها في تقرير آخر أعدّه الضابط البحري المساعد في الخليج العربي، يدعى كوسمو چراهام، بتاريخ 15 يناير 1941.

اصطدام فجائي

في 24 يونيو 1940 اصطدمت السفينة الملكية فالموث (Falmouth) بغوّاصة إيطالية، ما أدّى إلى غرقها. وبناء عليه قامت طائرات سلاح الجوّ الملكي البريطاني بطلعات للبحث عن هذه الغوّاصة ولكن لم تجد لها أثراً.

مركبان شراعيّان

في رسالة بعثها المقدّم ويليام روبرت هاي، المقيم السياسي في الخليج العربي، إلى وزير الدولة لشؤون الهند، بتاريخ 16 مايو 1942، ترد معلومات مهمّة عن غرق مركبين شراعيّين تابعين لأهالي الخليج من قِبل غوّاصة أجنبيّة في المحيط الهندي، مقابل ميناء ملفان على الساحل الغربيّ للهند.

ويُذكَر في الرسالة أنّ غوّاصة يُشتَبه في كونها يابانيّة، أطلقت النّار على هذين المركبين، ما أدّى إلى إعطابهما ثم غرقهما.

وفي نسخة من تقرير بتاريخ 16 أبريل 1942، أرسله مساعد محصّل إيرادات الملح في معسكر ملفان إلى ضابط أركان الاستخبارات في بومباي، يخبره فيه أنّ طاقماً مكوّناً من 35 رجلاً من إحدى السفن الغارقة في المحيط الهندي قد وصل إلى ملفان، بُعيد منتصف الليل. ويذكر أنّه استجوب الطاقم المذكور، ودار بينه وبينهم حوار حول ما أصابهم في تلك الليلة.

وفيه أنّ مركبين شراعيّين، أبحرا من ميناء كاليكوت، محمّلين بالتوابل، وليف جوز الهند، وأخشاب للتسقيف، وكانا متجهين إلى البصرة وإلى مياه الخليج. الأوّل يدعى «فتح الرحمن»، والثاني بوم اسمه «سمحان». وقد أبحرا من كاليكوت في 3 أبريل 1942. ومع شروق شمس 9 من أبريل ظهرت أمام المركبين غوّاصة عظيمة، على بُعد 600 ياردة.

ومن دون سابق إنذار أو تحذير تطلق الغوّاصة طوربيداتها صوب المركبين. وبدأت أوّلاً بضرب «فتح الرحمن»، وخلال دقائق مال المركب إلى الماء، وفرّ طاقمه إلى قوارب النجاة، ثم أطلقت صواريخها صوب البوم «سمحان» وإذا به يغوص في مياه المحيط بأقصى سرعة، وأصيب ثلاثة من الطاقم، أخذوا يتلقّون العلاج في أحد مستشفيات ملفان، وغرق أحد أفراد الطاقم.

وكان هاي في رسالته السابقة يستفسر من وزير الدولة لشؤون الهند عما إذا كان بالإمكان تعويض ملّاك هذين المركبين.

نشاطات معادية

وفي تقرير مفصّل صادر من جهاز الاستخبارات البريطانيّة في العراق بتاريخ 14 فبراير 1943، عنوانه «نشاطات غوّاصات معادية بالقرب من سواحل مكران»، وفيه أنّه «منذ 3 شهور لوحظت نشاطات مختلفة لغوّاصات معادية، ربّما يابانيّة أو حتى ألمانيّة تجوب مياه بحر عمان مقابل سواحل إيران وبلوشستان».

ويعود التقرير بالزمن إلى عام 1937 حين كان اليابانيون يستغلّون مناجم الملح في جزيرَتَي قشم وهرمز، وقد توقّف كلّ ذلك مع اندلاع الحرب العالميّة الثانية. ثمّ في أبريل 1942 تواصل اليابانيّون مع الحكومة الإيرانيّة في محاولة منهم لإنشاء قاعدة للغوّاصات على الساحل الجنوبيّ لإيران، ولكن هذا الأمر لم يتم.

وخلال أتون الحرب العالميّة الثانية كانت صادرات النّفط من عابدان تمدّ جنود الحلفاء بإمدادات آليّاتهم وسفنهم وغيرها بالنّفط الإيراني، وكانت السفن تمخر عباب الخليج العربي، وبحر عمان نحو الشرق والغرب، ما نبّه اليابانيين لضرورة وضع حدّ لهذه الإمدادات أو على الأقلّ عرقلتها أو إيقافها.

وفي الوقت نفسه أراد اليابانيون الاستفادة هم أيضاً من إمدادات النّفط الخليجي، ولكنّهم حتماً لم يتمكّنوا من ذلك في تلك الظروف الصعبة. كما يشير التقرير إلى نشاطات محتملة لغوّاصة ألمانيّة في بحر عمان بين شهرَي يوليو ونوفمبر 1942. ويخلص التقرير إلى أنّ كل الغوّاصات التي شوهدت في بحر عمان هي غوّاصات يابانيّة وليست ألمانيّة نظراً لقرب منطقة الخليج من مسرح الأحداث الحربيّة في شرق آسيا، وشبه القارّة الهنديّة.

إصابة سفينة نرويجيّة

في 28 يونيو 1943 تعرّضت سفينة شحن نرويجيّة تدعي «إس. إس داهبو» (S. S. Dahpu) لإصابة طوربيديّة مباشرة من قِبل غوّاصة معادية، وكانت السفينة راسية في ميناء مسقط حين استهدافها. وجُرح على إثرها اثنان من العمّال المسقطيّين، وقُتل 25 آخرون، كما أدّتْ الإصابة إلى غرق السفينة.

وهؤلاء العمّال ليسوا ضمن طاقم السفينة، بل كانوا في الخدمة في الميناء.

ومن الجدير بالذِّكر أنّ الحكومة البريطانيّة دفعت لأسرة كلّ شخص توفّي في هذه الحادثة 600 روبية، وللجريحيْن 100 روبية. وهذه السفينة كانت تحت خدمة وزارة النّقل الحربي البريطاني، وفيما يبدو أنّ هذا السبب هو الذي جعل هذه الغوّاصة المعادية تضرب هذه السفينة. وكان طاقهما من البريطانيين وغيرهم من الخاضعين للنّفوذ البريطاني.

جمارك خورفكّان

في برقيّة موجزة بعث بها المقيم السياسي في بوشهر للوكيل السياسي في البحرين بتاريخ 31 أكتوبر 1943، طلب المقيم إجراء تحقيق عن خلفية شخص بعينه يدعى أحمد يعمل في جمارك خورفكّان، يُعتقد أنه يتعاطف مع دول المحور، وقد أثار وجوده في خورفكان الشكوك في ضوء غرق غواصة قبالة ساحل خورفكّان.

وفي تقرير بقلم المسؤول السياسي في المنطقة أفاد بعدم الكشف عن اتصالات مؤيّدة لدول المحور أو أنشطة مثيرة للشك.

غرق غوّاصة

في تقرير رائع وضعه النّقيب موريس أوكنر تاندي، وهو الضابط السياسي في الشارقة، بتاريخ 6 نوفمبر 1943، يرد فيه أنّه سمع قبل عدّة أيّام من شخص يدعى عبد الله درويش أنّ غوّاصة غرقت قبالة ساحل خورفكّان، ولكنّه لم يتلقَّ أيّ معلومات من مصادر أخرى.

وفي شهر أغسطس 1944 أشارت بعض التقارير إلى وجود نشاطات لغوّاصات معادية في مياه الخليج العربي، ومع بعض طلعات من الطيران الملكي البريطاني لاستكشاف المنطقة اختفت هذه النّشاطات فجأة دون ذِكر نتيجة هذه التحرّكات.

تمهيد

قد يظنّ البعض أنّ منطقة الخليج العربي وخليج عمان كانت بمنأى عن وصول غوّاصات دول المحور إلى المنطقة، لكن وصولها أحدث ضجّة وقلقاً واضطراباً في الإمارات، وسلطنة مسقط، وعند السلطة البريطانية ذات النّفوذ في المنطقة.

ومن حُسن الحظّ أنّ الوثائق البريطانيّة حفظت لنا مثل هذه الأحداث الغائبة عن الكثيرين، وإلقاء الضوء على مثل هذه الأحداث المحفوظة في الوثائق يقدّم للقارئ نبذة عن تاريخ المنطقة خلال الحرب العالميّة الثانية، وتأثير تلك الحرب في منطقة الخليج من خلال النّشاطات الحربيّة البحريّة لدول المحور.

 

 

Email