من المهن السائدة عند البدو وأهل المناطق الجبلية والزراعية

«خض اللبن» كنوز الجدات في زمن الطيبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«خض اللبن» أو«خض السقا» هي إحدى المهن القديمة التي تقوم بها الكثير من النساء في الزمن الماضي، ورغم متاعب هذه المهنة لما تحتاجه من وقت طويل وصبر ومجهود بدني، إلا أنها ما زالت مستمرة عند بعض النساء الإماراتيات اللاتي ما زلن يحتفظن بكافة تفاصيل وهوية المهنة الشاقة الممتعة.

«السقا» هي عبارة عن قربة مصنوعة من جلد الماعز أو البقر، وتأتي بأحجام، عديدة، فهناك الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وتستعمل في خض اللبن، وتتحدث الوالدة (أم راشد) مريم سعيد المزروعي، رئيسة اللجنة النسائية في جمعية شمل للفنون والتراث الشعبي والمسرح في رأس الخيمة، عن صناعة «السقا» التي تمر صناعتها بثلاث مراحل.

وتقول: «بعد ذبح الشاة يتم سلخ جلدها بطريقة صحيحة مع مراعاة عدم خدش الجلد بالسكين، وبعدها يتم إضافة الملح البحري الذي يسمى بـ«صلافة ملح»، ويكون عندها الجلد ليناً، ويتم دق الجلد بالملح وفرده بهدف إزالة بقايا الشحوم، ويترك لمدة ثلاثة أيام، ويتم غسله ونأتي بعشبة «الغلقة» التي تنمو في الجبال، ويتم طحنها في «المنحاس».

ويقلب جلد الدابة بحيث يكون شعر الدابة إلى الخارج، ويتم فركها بـ«الغلقة»، وبعد يومين سنرى تناثر الشعر الموجود على الجلد. ومجدداً يتم قلب الجلد، ونأتي بـ«القرط»، ويدق في المنحاس والرشاد، ويصب عليه الماء، وبعدها نضعها في «السقا» وتسمى هذه المرحلة بـ«الدبغ»، حيث يتماسك الجلد».

وتضيف: «بعد يومين يتم تنظيف «السقا» من «القرط»، وتأتي مرحلة «خرز الجلد» بخوص النخيل، وبعدها نأتي بالملح و«الياس»، وهو نبات عطري ويتم فركه بـ«السقا»، حتى تخرج رائحة الدهون و«القرط»، وبعدها يتم تعليقه ويكون جاهزاً لخض اللبن».

طريقة خض اللبن

وتنتقل مريم المزروعي للحديث عن الطريقة التقليدية في خض اللبن بالسقا، وتقول: «بعد أن تحلب البقرة أو الماعز، نصفي الحليب في «الميده»، ونضعها في وعاء «مله» ونروبه عن طريق تغطية الحليب بقطعة من القماش ونرفعه على «ميشيه»، المكونة من أربعة أعمدة خشبية، وتعلق في سقف النخيل، وفي صباح اليوم الثاني يتم وضع «الروب» في السقا، ويعلق على ثلاث خشبات على شكل مثلث تسمى «الشيب». أما ماسك «السقا» فيسمى «المشد».

وتشير المزروعي إلى أن مهنة خض اللبن تحتاج إلى الصبر وتعتمد على قوة المرأة البدنية في الخض، وتقول: «تضع المرأة عينها على فوهة السقا ونسميه «بوز السقا» وتتأكد من تكون الزبدة، وإذا سمعت خرخشة في السقا فهذا يدل على أن اللبن جاهز. وبعدها يصب اللبن في «المله» أو «الجدر».

وتصفى الزبدة وتضع في «ماعون» آخر، ويستخدم اللبن للأكل والجزء الآخر للطبخ، ويصنع منه «جامي»، الذي يطبخ على الحطب، ويتناول مع التمر في فصل الشتاء، وفي موسم القيض يتناول مع الرطب».

وبعد أن يتم إفراغ السقا من اللبن، يتم نفخه ويضع فيه القليل من الملح من أجل تعقيمه، وتضيف المزروعي: «في السابق كان الجامي هو الطعام المفضل للأهالي في فضل الشتاء، أما اللبن فكان يقتصر تناوله في فصل الصيف، وكان الأجداد يقولون (اللبن سقا عدوك وفصل الصيف سقا صديقك)، وللسمن أو الزبدة فوائد كثيرة.

حيث كانت تستخدم في الماضي لعلاج الفطريات التي كانت تصيب فم الأطفال، وتستخدم الزبدة في صناعة كحل «الصراي»، الذي كانت تصنعه الأمهات للأطفال، حيث تبرد على العين ويكون له ملمس دسم».

تطور المهنة

وتوضح مريم المزروعي أن مهنة خض اللبن تقوم بها المرأة بمفردها في المنزل ولا تعتبر من المهن الجماعية، وتقول إن للجار نصيباً من هذه المنتجات الحيوانية، التي تقدم له بعد خضها سواء أكانت لبناً أو زبدة أو الجامي. وتقول: «مهنة خض اللبن كانت تمارس عند أهل البر والبحر، ولكنها كانت سائدة أكثر عند البدو وفي المناطق الجبلية والزراعية التي تشتهر بتربية الحيوانات.

وما زالت هذه المهنة مستمرة في وقتنا الحالي، ولكن بطريقة متقدمة، حيث توفرت الخضاضات والمكائن الكهربائية، وتم إدخال «السقا» المعدني ما سهل من واجبات المرأة، أما عمل «الجامي» والسمن ما زال يصنع بنفس الطريقة القديمة».

أهازيج خاصة

وتتحدث مريم المزروعي عن الأهازيج التي كانت ترددها النساء في أثناء قيامهن بمهنة «خض اللبن» وتقول: «لأهل الحضر وأهل البيئة الجبلية والزراعية والبدو أهازيج معينة عند خض اللبن، فكانت المرأة في السابق تضع طفلها في حضنها و«تهاويه» وفي نفس الوقت تخض اللبن.

وتقول: «دحوه دحوه سقي اللبن.. بتخض عويشة ولا حسن...دحوه دحوه سقي اللبن.. يلا يا عويشه يلا يا حسن.. بنفرز الدهانه عن اللبن». وبالنسبة لأهل الحضر، يقولون: «خض لبن.. أمي خديه وبوي حسن..».

وتعلمت المزروعي مهنة خض اللبن من والدتها، ومارست هذه المهنة منذ حوالي 8 سنوات، وعملت على حلب البقر لأول مرة عندما كانت في سن التاسعة، ولها قصة مع خض اللبن ستصدر عنها كتاباً سيصدر في المستقبل القريب.

أصناف

الشيف أم راشد، المحكمة في بطولة دبي العالمية للضيافة، تحدثت عن استخدامات اللبن الرايب والزبدة والجامي، وتقول:

«يعتبر اللبن الرايب أحد أهم أطباق المائدة الإماراتية، ويتناول مع التمر والقرص المدقوق «نوع من الخبز يطبخ على الجمر»، أما الزبدة فتذوب على النار ويصنع منها السمن العربي، الذي يستخدم في الهريس وغيرها من الأطباق الشعبية الإماراتية، ويستخدم «الجامي» في عمل «اليقط»، ويعتبر من الأطعمة المفضلة، ويتم وضعه في الماء ويؤكل مع التمر».

 

Email