العيد الثاني لاتحاد دولة الإمارات

عروض عسكرية ومسيرات تحتفي بمنجز الوطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تمام الساعة العاشرة من يوم السبت 27 شوال 1392هـ - الموافق 2 ديسمبر1972 م، شهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحكّام الإمارات وأولياء العهود، وضيوف البلاد وجمع غفير من المواطنين، أول عرض عسكريّ بعد قيام الاتحاد. وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، قد وصل إلى مكان العرض في الساعة التاسعة و40 دقيقة.

وعزفت الموسيقى السلام الوطني، وأطلقت المدفعية تحية للقائد. واشتركت في العرض للمرّة الأولى، قوات تمثّل قوة دفاع الاتحاد، وقوات الأمن الاتحادية، رغم أنّ بعض الوحدات التي اشتركت في العرض، لم يمضِ على التحاقها بالسلك العسكري سوى بضعة أشهر. وقد تقدّمت قوات الأمن الاتحادية، يتقدّمها علمها، وضمّت تلك القوات، السَّرِية الأولى التي تخرّجت في مدرسة الشرطة الاتحادية في الشارقة.

وكذلك السَّرِية الثانية من قوة أمن الاتحاد. إضافة إلى قوة دفاع أبوظبي، وقوة دفاع دبي، والحرس الوطني للشارقة، والقوات المتحركة لرأس الخيمة.

استمر العرض ما يزيد على الساعة الكاملة، وشاركت فيه وحدات رمزية من القوات البرّيّة والبحريّة والجويّة.

كما شارك طلبة كلية زايد العسكرية، وكتيبة طارق بن زياد في العرض الكبير. وحلّقتْ في سماء العرض أسراب من الطائرات المقاتلة، معلنة الافتتاح الرسمي، ثم مرّ قائد الطابور ثم حملة الإعلام وثلّة من الحرس الأميري، تبعتْهم مجموعة من طلبة كلية زايد العسكرية.

علماً بأن هذه الكلّيّة بدأتْ عملها في شهر مايو من عام 1972. وعندما مرّ طابور الكُلّيّة أمام المنصّة، أعلن قائد السرية، اسم الكُلّيّة، تحية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وتليه مجموعة العلَم، ثمّ بدأ مرور القوات الاتحادية من كتائب المشاة ووحدات المشاة، وبعدها مرّت طلائع من مدرسة الثقافة التابعة لقوة دفاع أبوظبي، ثمّ مرّتْ بعد ذلك أمام المنصّة، مجموعة طارق بن زياد، التي تمّ تدريب أفرادها تدريباً خاصّاً. وشاهد الحضور طائرة عمودية تحمل علم الاتحاد.

أمام المنصة

وتطلّعت الأنظار إلى مياه الخليج العربي، حين جاء دور القوات البحرية في الاستعراض، إذ ظهرت قطع الأسطول البحري، وتقدّمت القطعة البحرية الأولى، حتى أصبحت أمام منصّة العرض تماماً، فرفع أعضاء طاقمها أيديهم بالتحيّة العسكرية، ثمّ تقدّمت عدّة قطع بحرية أخرى، ومرّتْ عقبها مجموعة من السيارات العسكرية، وفوقها رجال من القوات البرّيّة، ثم مدفعية الهاون من عدّة كتائب، مثل: كتيبة زايد بن خليفة الأول، وكتيبة سلطان بن زايد الأول، وكتيبة حمدان بن زايد الأول.

وما كادت تلك الكتائب تمرّ، حتى فوجئ الجميع بتشكيل من طائرات مقاتلة نفّاثة، يأتي من ناحية الخليج، ويمرّ فوق منصّة العرض على ارتفاع منخفض. وتبعه سرب آخر من طائرات النّقل، وسرب من الطائرات العمودية. ثم شاهد الجميع بعد ذلك، أنواعاً جديدة من الصواريخ التي تستخدم ضدّ الدروع، تلتها سيارات مصفّحة.

وغيرها من الوحدات المدرّعة والآليات ووحدات من ناقلات المشاة، تحمل الأفراد وسلاحاً ووحدات من مدفعية الهاون ومدفعية الميدان، ثمّ بدأ بعد ذلك الطابور الراكب، يتقدّمه قائد الطابور، وكتائب المشاة الراكبة.. ثمّ وحدات من مدفعية أبوظبي.. فوحدات رمزية من قوةّ مدرّعات دفاع أبوظبي.

تحية القائد

وفي نهاية العرض العسكري، بدأتْ مسيرة الطلاب والشباب، وهي المسيرة التي نظّمتْها وزارة الشباب، ومجموعات تمثّل تلاميذ وتلميذات الإمارات، يحملون شعار وزارة التربية والتعليم، حينذاك، إذ توقّفوا يسيراً أمام المنصّة، فحيّاهم المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، ودار الشباب دورة كاملة أمام المنصّة، وهم يحملون لوحات متلاصقة على شكل مربّع،.

وعليها علم الاتحاد، وشعار وزارة التربية والتعليم، ورسوم ترمز إلى دور العلم في خدمة التقدّم والرفاهية. ثم تقدّمت الزهرات الصغيرات، طالبات المدارس الابتدائية في مدارس الإمارات، ليأخذن دورهنّ في العرض الكبير، أعقبهن شباب الأندية، ومن ثم مهرجان الزهور، الذي ضمّ عربات تمثّل إنجازات الوزارات وأنشطتها خلال عامٍ ماضٍ.

ومن خلال هذا الاستعراض الموجز لأحداث العرض، يتّضح أنّ الدولة الفتيّة، وبشكل عام، بدأت تطوير قدراتها العسكريّة، والإعداد الجيّد للقوة العسكرية.

وفي الاحتفال، وقبل أن يبدأ العرض، ألقى معالي أحمد خليفة السويدي وزير الخارجية، آنذاك، كلمة رئيس الدولة في هذه المناسبة التاريخية، وممّا جاء فيها:

1. إنّ دولة وشعب الإمارات العربية، تذكر بالوفاء والتقدير للإخوة العرب، مساندتهم للاتحاد.

2. إنّ دولة الاتحاد عبَرتْ العام الأول بسلام، على الرغم من الصعوبات.

3. إنّ اتحاد الإمارات العربية، هو نقطة بداية وانطلاق نحو اتّحاد أوسع وأشمل في المنطقة، والذي سيكون بدوره، بإذن الله، خطوة على طريق الوحدة العربية الشاملة.

4. إنّ أهداف السياسة الخارجية تتحرك في أربعة اتجاهات، وهي: حلّ الخلافات بالطرق الودّية، توسيع قاعدة الاتحاد، دعم القضايا العربية، الانفتاح على العالَم والالتزام بميثاق الأمم المتحدة.

5. إنّ الدولة الفتية وشعبها وأرضها، جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الواحد، وإنها تشارك مشاركة فعّالة في كلّ ما يرفع من شأن الإسلام والمسلمين.

منجزات

ومن الأمور اللافتة، أنّه، وللمرة الأولى، تنضمّ موجات إذاعات دولة الإمارات، لتذيع وصفاً كاملاً للعرض. ومن أعظم منجزات الاتحاد في سنته الأولى، النّقلة النّوعيّة في التعليم، والخطوة الكبرى في تقديم المرأة المواطنة وتقدّمها، وإثبات وجودها أمام العالَم، لتكون بالتالي، نموذجاً حيّاً للدولة الجديدة، ولم يكن ذلك إلا علامة من علامات الطريق الطويل، الذي مرّت فيه فتياتنا، لتزيل أسواراً من العزلة.

وليخرجن إلى الحياة العامّة، يشاركن في صنع التقدّم وبناء المجتمع. وفي الوقت نفسه، فإنّ الدولة التفتت إلى جيلٍ آخر لم ينل حظّه من التعليم، ولم تتيسّر له سبل الدراسة، فافتتحت مراكز محو الأُمّيّة للكبار، وأقبلت المرأة في دولة الإمارات على هذه المراكز، وكان النجاح الكبير الذي لقيته هذه المراكز، دليلاً على مدى إصرار نساء الدولة الجديدة، على أن ينتصرن على الجهل.

ولم تكتفِ الدولة هنا بأن تفتح المجال كاملاً أمام المرأة للتعليم، ولم تكتفِ بأن تدفعها دفعاً إلى ذلك، وإنما كانت النتيجة المنطقية الأخرى، أن تفتح فيها كل مجالات العمل المناسب. وكان من الطّبيعي في ظلّ هذا الجو، وفي ظلّ هذه النّهضة النّسائية الشاملة، أن تنمو روح الخدمة العامّة والعمل الاجتماعي، بين نساء دولة الإمارات.

جهود صادقة

وفي العام الأول، كان الإحساس والشعور الصادق والمخلص، أنّ طفل اليوم هو ثروة المستقبل، وهذا هو الشعار الذي حوّلتْه دولة الاتحاد إلى حقيقة حيّة نابضة، أنتجت دولة متحضّرة، كرّست أكبر الجهود من أجل تنمية الطفولة على أرضها تنمية سليمة، تقوم على أحدث الأساليب العلمية والتربوية والصحية والاجتماعية.

وفي التعليم، خصّصت الدولة أكبر جهد وأكبر ميزانية منذ العام الأوّل، من أجل التعليم، وقد بلغ عدد الأطفال في جميع رياض الأطفال الحكوميّة والأهليّة في الدولة، أكثر من 11 ألف طفل، منهم أكثر من أربعة آلاف طفل في رياض حكومية، بلغ عددها 12 روضة. وفي المرحلة الابتدائية، بلغ مجموع عدد التلاميذ في المدارس الحكومية والأهلية، أكثر من 80 ألف تلميذ وتلميذة. وبلغ عدد المعلمين والمعلمات في المدارس الحكومية الابتدائية 1179.

مشاركة واسعة

احتشدتْ، في ساحة العرض والمنطقة المحيطة بها، جموع غفيرة من المواطنين الذين توافدوا من كافّة أنحاء البلاد، منذ الصباح الباكر، للمشاركة في احتفالات اليوم الوطني. وغصّتْ بهم الساحات، حتى إنّ بعضهم تعلّق بأعمدة الكهرباء، وبعضهم صعد إلى الأماكن المرتفعة رغبة في مشاهدة العرض. وامتدّت الاحتفالات لتشمل كلّ مكان من البلاد، ورفع المواطنون أعلام الاتحاد فوق بيوتهم.

قيمة وبشائر

أكد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، في الاحتفال بالعيد الثاني للاتحاد، في كلمة له ألقاها معالي أحمد خليفة السويدي وزير الخارجية، آنذاك، قيمة العمل الوحدوي، وعظم دور الدولة الاتحاديّة، وأنّ عامها الأول مبشّر بدوام التوفيق والاستمرار بحول الله تعالى، وأنّ القائد المؤسّس مع إخوانه الكرام، جعلوا هذا الاتحاد بفضل الله، متواصلاً مستمرّاً يتجاوز كلّ العقبات.

انتماء وفخر

حوّل شباب الإمارات، ملامح الاحتفاء باتّحاد دولتهم في هذه السنة «العيد الثاني»، إلى دلالات تأكيد راسخ على وحدتهم، تبدت في استعراضات ومسيرات رائعة لهم في الاحتفال، عبّرت عن أنه بالاتحاد توحّدتْ قلوبهم، وتآلفتْ نفوسهم، ولم يروا عنه بديلاً.

 

Email