دورها تجاوز البحوث.. والتراث يدين لها بما تحفظه ذاكرة الأجيال الجديدة

راشد المزروعي: القصيدة وثقت الموروث

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يتوقف الدكتور راشد المزروعي عن الغوص في تاريخ الشعر الشعبي الإماراتي، إذ اتخذ من التوثيق للشعري المحلي مشروع تجربته الثقافي التي يلتزم بها في كل ما يقدمه من جهد، حيث قدم للساحة الثقافي حتى اليوم أكثر من خمسة وعشرين ديواناً شعرياً، إلى جانب مؤلفاته الأخرى التي تنصب في إطار العناية بالتراث والتوثيق له.

ولا يظهر جهد المزروعي فيما يقدمه من مؤلفات لمكتبة التراث الشعبي وحسب، وإنما يضيف إلى ذلك عمله كمدير لمركز زايد للدراسات والبحوث، إذ يتحول العناية بالتراث إلى فعل يومي، يزاوله برؤية واضحة كرسها المركز وفق توجيها الدولة في توثيق سيرة الأجداد وحفظ ذاكرتهم المادية والمعنوية.

للوقوف عند تجربة الدكتور راشد المزروعي في توثيق التجربة الشعرية الإماراتية، ورؤيته لمشهد العناية بالتراث المحلي، كان لـ«البيان» الحوار التالي، حيث أكد أن ما قدمته القصيدة الشعبية يتجاوز ما أنجزته البحوث:

مسيرتي مع الشعر

حدثنا عن تجربتك في جمع وتوثيق الشعر الشعبي الإماراتي؟

جمعت حتى الآن أكثر من 25 ديواناً لشعراء شعبيين من الإمارات، وبدأت تجربتي في الاهتمام بالشعر الشعبي مذ كنت صغيراً في المرحلة الإعدادية في السبعينات عندما كنا نستمع الى شعراء كبار في برامج البادية، في إذاعة «صوت الساحل» ثم إذاعات دبي والشارقة فيما بعد، وبعده عصر التلفزيون الذي قدم مجالس الشعراء في كل الإمارات، تعرفت في تلك المرحلة من حياتي على أصوات شعرية كبيرة، استطاعت أن تترك أسماءها على خارجة الشعر الشعبي المحلي والعربي.

إلى جانب تلك الوسائل الإعلامية التي مثلت لي نافذة أطل منها على الشعر، كان لأحد أقاربي دور كبير في تنمية حواسي الشعرية وهو الشاعر علي بن بخيت، أطال الله في عمره، إذ كنت أكتب أشعاره وأقرأ له ديوان شعر بن ظاهر الذي صدر من أبوظبي في أواخر الستينات وحصلت عليه عن طريق خالي الذي كان يعمل حينها بأبوظبي في الحرس الأميري.

كل ذلك جعلني أعشق الشعر واستمع إليه واكتبه وأحب مجالسة الشعراء ومخالطتهم والاستماع إلى قصائدهم، بدأت تجربتي وعلاقتي من الشعر، إلى أن تحول الشغف والحب إلى عمل، وحرفة، ومشروع أنظر فيه إلى تاريخ الذاكرة الثقافية الإماراتية، وأوثق للشعراء الذي كرسوا صورتها ووثقوا جمالياتها الفنية.

الشعر والتراث

برأيك هل تكفي الجهود الفردية العاملة على توثيق الشعر الشعبي المحلي، أم تحتاج إلى جهود مؤسسات متكاتفة؟

أعتقد أن الجهد المؤسساتي مهم جداً في توثيق الشعر الشعبي حيث يوجد المئات من الشعراء الذين لم توثق قصائدهم إلى الآن وينتظرون العون في توثيق أشعارهم وإنتاجهم الأدبي، فعلى الرغم من حجم الجهود الفردية المخلصة التي تتولى دوراً كبيراً في التوثيق للشعر المحلي، إلا أن عددها لا يزال محدود وجهودها لا تلقى الدعم المطلوب من الجهات المسؤولة، والمؤسسات المهتمة بالتراث الشعبي، حيث يقتصر عمل بعض الجهات على طباعة الدواوين الجاهزة فقط.

لذلك ينبغي العمل على النهوض بالدور المنوط بالمؤسسات الثقافية المعنية بالتراث، فالكثير من الجهود الفردية تحتاج إلى من يضعها على المسار الصحيح، وتحتاج مختصين يساعدوهم في الجمع والتوثيق، خاصة أن الكثير من المعنيين بالتراث والمهتمين بجمعه ليسوا مزودين بالمعرفة والعلم الأكاديمي الذي يؤهلهم للقيام بهذا الدور، الأمر الذي يجعل بعض جهوده هدراً، ولا يعدو عن كونه جمع ورصد، أكثر مما هو توثيق وتحقيق، وبحث.

سيرة المكان وأهله

برأيك هل يمكن للقصيدة الشعبية القديمة أن تكون دليلاً لمعرفة مجمل التراث الإماراتي، وتفاصيل سيرته وتطوره؟

ظلت التراث العربي تقول إن الشعر ديوان العرب، وهذا لا ينطبق على التراث العربي القديم وحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى كل زمان ومكان، فما قدمته القصيدة الشعبية الإماراتية على مستوى التوثيق للحياة الشعبية المحلية القديمة، يتجاوز ما وثقت له البحوث، وجهود التنقيب، والمرويات، حيث ظلت القصيدة هي النص الإبداعي المسموع الذي تتناقله الأجيال، ويحمل معه لهجة أهل المنطقة، ومعالم المكان، وذاكرة الأحداث، وأنماط العيش التي كانت سائدة، إضافة إلى مجمل القيم، والأخلاق، والعادات.

لذلك يمكن القول إن التراث الشعبي المحلي يدين للقصيدة الشعبية بالكثير مما تحفظه ذاكرة الأجيال المعاصرة، وإن الشعراء قدموا للتاريخ الإماراتي قيمة جمالية من جانب، ومن جانب آخر، قدم قيمة معرفية، فكل ما يظهر من جماليات في الشعر الشعبي المحلي يحمل في طياته قيمة معرفية تاريخية، تروي سيرة المكان وأهله.

ما الذي يشغل راشد المزروعي اليوم، وهل يتحضر لأعمال بحثية جديدة؟

ما يشغل بالي دائماً هو الاستمرار في جمع التراث الشعبي وخاصةً التراث الأدبي وخاصةً الشعر الشعبي والحكايات والأمثال والمعتقدات والألغاز. وخوفي دائماً من فقدان هذه الكنوز بموت رواتها أو أصحابها ولم يتم توثيق مكنوناتهم المخزونة. وهذا ما يشغل بالي وأفكر فيه دائماً، لأنني أشعر أن الجهود الفردية لا تكفي لذلك لا بد من التكاتف والدعم وعمل لجان حكومية لذلك، فالرواة الشاهدون على تاريخ المنطقة القريب باتوا معدودين ومع كل عام يمر، تفقدنا مشيئة الله أحدهم.

Email