الدهريز

تدوين الأدب الشعبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن حظ الأدب القصصي بأنواعه المتعددة: «الحكاية الخرافية - حكاية المعتقدات - حكاية التجارب اليومية - الحكايات التاريخية - قصص الحيوان - الحكايات الهزلية - القصص الديني» بأحسنَ حظاًّ من القصائد القديمة، فلقد تلاشى أكثرُها وتقلص عددُ رواتها إثرَ ظهور وسائل الإعلام الحديثة وبرامجها الترفيهية، التي مثلت منافساً قوياً لوسائل الترفيه التراثية القديمة التي تعتمد السردَ التقليدي..

كما أن القصاصين أقلُّ عدداً بطبيعة الحال من الشعراء، ولعل طبيعةَ الشعر المنظوم والمقفّى بجرْسه الموسيقي تعطيه فرصةً أكبر للحفظ والتداول من القصص والخراريف، وقس على ذلك بقيةَ ألوان الأدب الشعبي، بل وعمومَ المعارف الشعبية، وإن الاعتماد الكلي على عملية النقل الشفاهي في توريث الثقافة الأدبية الشعبية للأجيال عبر القرون يجعل من المستحيل وصولَ الإنتاج الثقافي كاملاً للأجيال القادمة المتأخرة زمنياً، وذلك لعدة أسباب منها:

أ‌- أن الفرصة لا تتهيأ لجميع عناصر الموروث الشعبي أن تُتَناقل بنفس الدرجة، وتعظُم المصيبة إذا كانت المروياتُ نادرةً ولا يحفظها إلا فردٌ واحد أو اثنان، فتموت بموت حفاظها أو مغادرتهم لبيئتهم الاجتماعية الأصلية لأي سببٍ كان.

ب - تعرُّض المرويات المُتناقَلة للتحريف نتيجةً للحذف والإضافة، العفوية أو المتعمدة، تبعاً للرواة وخصائصهم العقلية والنفسية وتوجهاتهم الثقافية، وقديماً قيل «وما آفةُ الأخبارِ إلا رُواتُها».

ج- تعرض الرواة للنسيان أو فقدان الذاكرة في الكِبر.

د- التناقص المطرد للمرويات القديمة، نظراً لمزاحمة الإنتاج الأدبي الجديد واهتمامِ الرواة بروايته، فتناقص فرصة القديم في النقل والرواية، وهذه ظاهرة ملموسة حتى في عالم البرامج التلفزيونية اليوم.

ولا يخامرني الشك في أن شعراء المدن كانوا يهتمون بتدوين ما يصل إلى أسماعهم من القصائد حفاظاً عليها من الضياع، ورغبة في الاستمتاع بقراءتها وتذوقها، واستكثاراً من الرواية، وإن ما وصل إلينا من قصائد عتيقة، اعتباراً من أشعار الماجدي بن ظاهر والمنتفقي ومِن بعدِهما محين الشامسي، يعود الفضلُ فيها للمدونين الأوائل.

Email