الدهريز

تدوين الأدب الشعبي 4-1

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكلت الكتابةُ منذ ظهورها وسيلةً لحفظ البيانات والمعلومات وحمايتها من عوامل التلاشي والاضمحلال الناتجةِ عن النسيان أو غيابِ حمَلة المعلومات، كما كانت أنجعَ وسيلةٍ لتجاوز نطاق الزمان والمكان اللذَين يحُدان من انتشار المعلومات الشفاهية في المجتمعات التقليدية.

ولقد أتى على شبه الجزيرة العربية حينٌ من الدهر ساد فيه الجهلُ والأميةُ بحيث كانت الفئة التي تحسن القراءةَ والكتابةَ لا تمثل سوى نسبةٍ ضئيلة جداً من مجموع السكان، تتركز في المدن وبعض القرى الزراعية الجبلية، على حين كانت الأميةُ تشمل المجتمعات البدويةَ، نظراً لطبيعتها البسيطة والمتنقلة التي أدت إلى الاستغناء عن التعليم والمرتبط في ذهن البدوي بالحضارة..

كما شملت الأميةُ فئةَ الإناث عامةً في مختلف البيئات، وإذا كان بعضُهن يقرأن القرآنَ الكريم لكنهن يفتقرن لمهارة الكتابة. وقد أنتجت تلك الظروفُ نتائجَ سلبيةً فيما يتعلق بالموروث الأدبي الشعبي (الشعر النبطي - الأمثال - الأهازيج - الخراريف - الألغاز - اللهجة الدارجة بمفرداتها وتراكيبها..)، إذ ظل ذلك الموروثُ يُتناقَل شفاهيا من جيل إلى جيل عبر القرون، ويتعرض لمؤثرات ثقافية وحضارية من هنا وهناك تبعاً لحركة الحياة والتفاعل بين الشعوب..

ولا نعدو الحقيقةَ إذا قلنا بأن ما وصل إلينا من تراثنا الأدبي حتى قيام الاتحاد لا يبلغ عُشر معشار ما أنتجته قرائحُ السكان خلال القرون الخمسة الأخيرة، والتي تُعد حقبةً حديثةً نسبيا، إذا اعتبرنا أن وصولَ طلائع الغزو البرتغالي إلى حوض الخليج العربي عام 1507م هو بدايةُ العصر الحديث في هذه المنطقة.

فلقد تحورت اللهجةُ الدارجة دون ريب، وما وصل إلينا من قصائد الشاعر ابن ظاهر ومِن بعده محين الشامسي فيه دلالةٌ ظاهرة على ذلك التغير الحتمي، كما كانت أحداثُ الحياة وشؤونُها حافزاً لشعراء المنطقة، من حضر وبدو، على نظم القصائد والمقطّعات المعبرة عن مواقفهم ومشاعرهم وآرائهم وتوجهات قبائلهم تجاهها، لكن نظرةً عابرة الى ما وصلَنا من نتاجهم الشعري تجعلنا ندرك مدى ندرة القديم مقارنةً بالحديث، فالكثرةُ الكاثرة من القصائد هي من إنتاج شعراء عاشوا في القرن العشرين، وكلما رجعنا القهقرَى تضاءلت نسبةُ القصائد حتى نقف في مطلع القرن الثامن عشر عند الماجدي بن ظاهر، ومعاصره الشيخ محمد بن صالح المنتفقي »فقيه وشاعر عراقي استوطن جلفار« ولا نكاد نعثر فيما وراء عصرهما على شيء.

Email