وداعاً أبو زكريا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام قلائل رحل عن دنيانا أخونا العزيز عبد العزيز المشهور (ببوزكريا) أحد زملاء الزمن الجميل الذي يطلق عليهم تمييزاً لهم عن الأجيال اللاحقة..

ذلك الجيل المكافح الأصيل العريق في انتمائه إلى وطنه وتاريخه وعروبته، والذي كان يشكل رابطاً بين ما سبقه من أجيال ومن أتى بعده منهم، والذي عاش أفراده مظاهر الحياة الماضية وعاصروا بل وشاركوا في بناء الحاضر الزاهر، والذي قام على أكتافهم بناء مؤسسات دولة الإمارات العربية المتحدة...

هذا الجيل الذي أضحى مناط فخرنا واعتزازنا، حيث نفرح حين نلقى أحداً منهم ويجرنا الشوق إلى تبادل أحاديث الذكريات بيننا وفاء لذلك الزمن واستلذاذاً بتذكر أحداثه وأخباره..

ويعد أبو زكريا أحد أفراد ذلك الزمن الجميل الذي أعنيه، ومن منا لا يعرف أبا زكريا ذلك الشخص العماني الأصل المسكون بالفرح والمرح الذي يثير فيما حوله ومن حوله جواً من السعادة والدعابة والمرح والحبور، والذي اشتهر بهذه الروح والمشاعر الطيبة بين أصدقائه ممن يندمجون مع لفتاته ونكاته، ويندمج معهم إلى حد بعيد من التفاهم وتبادل هذه الحال من الدعابة المحببة..

فإذا ما حضر أبو زكريا إلى مجلس حضرت معه تلك الروح الجميلة من السعادة، ويبرز عبد العزيز في هذه المجالس كقطب الرحى الذي يستحوذ على الاهتمام وجلب أسباب التسلية والضحك والبعد عن الكآبة والنكد، وتلك ميزة معروفة ومشهورة في بوزكريا، رحمه الله، أعطته تلك الدرجة من القبول والرضا والإقبال عليه، ورغم تلك الروح الجميلة فيه إلا أن بوزكريا يحوز درجة من التقدير والاحترام لدى أصدقائه، وإن ما يثيره من هذا الجو المرح لا يتعدى المزاح البريء البعيد عن الإسفاف والتدني، فضلاً عن كون أبي زكريا إنساناً متديناً كثير المحافظة على الصلاة ومبادئ وقيم الدين..

وللتعريف بشيء من أخبار أبي زكريا فإنه قدم إلى دبي في أوائل الستينيات إن لم يكن في أواخر الخمسينيات من إحدى دول الخليج التي سافر إليها للدراسة، ولكن ظروفاً اضطرته إلى المجيء إلى دبي والعيش فيها وكانت في دبي وقتها مجموعة من الطلبة من الإخوة العمانيين الذين درسوا في مدارس دبي وزاملوا أبناءها وكان عبد العزيز يعد بمثابة ممثل لهؤلاء الطلبة والناطق باسمهم، وقد درس في المدرسة الأحمدية ثم في ثانوية دبي وتخرج فيها مع صحبة من أصدقائه في دبي، وكان عبد العزيز وقتها قد اكتسب شهرة بين زملائه وأبناء مجتمعه بصفته أحد الطلبة المهتمين بالشأن العام والمناداة بالاستقلال والحرية وكان بوزكريا يتقدم المظاهرات واشتهر بحمله مكبر صوت في يده لإيصال صوته واضحاً في هتافاته والشباب من حوله يرددون خلفه هذه الهتافات الساخنة..

وقد انتسب عبد العزيز إلى فرقة الكشافة المسؤول عنها آنذاك المدرس الكشفي النشيط عبد الرحيم قدورة، وكان عبد العزيز كثيراً ما يرتدي هذا الزي في كثير من هذه المناسبات الوطنية والقومية وخاصة في أيام حرب 1967م و 1973م التي خاضها العرب مع إسرائيل، فكان أبو زكريا ينزل إلى الأسواق وأماكن تجمع الناس بزيه الكشفي وميكروفونه في يده يهتف ويحمس الناس لمناصرة إخوانهم في جبهات الصمود والدفاع عن الحق العربي وجمع التبرعات لهذا الغرض ولا تزال هذه الصورة مرسومة لأبي زكريا في ذاكرة الناس عنه إلى اليوم..

وكان عبد العزيز يتسم كأبناء جيله بشيء كبير من الحماس لقضايا العرب ودعم مواقفهم التحررية والوقوف إلى جانب نداءات زعيم الأمة وقتها جمال عبد الناصر ضمن مجموع الطلبة وقتها في مدارس البلاد، وأذكر مظاهرة في عام 1964م خرجت من مدرسة الشعب ببر دبي وجابت الشوارع، ثم عبرت إلى ديرة وأثناء تواجدها في ميدان بني ياس حالياً، وكان بها أبو زكريا كأحد الفاعلين فيها، فتصدى لهم مجموعة من الأشخاص الإيرانيين واخترقوا صفوف المظاهرة وطعنوا بعض المتظاهرين بالسكاكين الحادة، مما أدى إلى إصابة مجموعة من الطلبة المتظاهرين واستشهاد أحدهم ويدعى محمد كنارة أحد زملائي في الدراسة وجيراني في الفريج، حيث اخترقت أحشاءه سكين حادة أودت بحياته، رحمه الله، وحزن البلد كله لهذا الحادث المؤلم غير المعهود، وواسى الناس أم الفقيد وطالبوا بدمه وتابعوا جلسات المحكمة، وكان يحضرها كثير من أهل البلد وخاصة الطلبة زملاء الشهيد.

كما أنك لا تفتقد أبا زكريا بهذا الزي أثناء المباريات يشجع عن طريق الميكروفون الذي يحمله في يده وفي فترة نهاية الستينيات افتتح أبو زكريا في المدرسة الأحمدية التي كانت خالية وقتها، حيث انتقلت الدراسة منها إلى المدرسة الجديدة التي افتتحت في الرأس على سيف البحر مقابل للمكتبة العامة من ناحية الشمال..

افتتح أبو زكريا في المدرسة الأحمدية القديمة نادياً اجتماعياً ثقافياً عرف باسم نادي طلبة عمان، ولم يكن النادي مقصوراً على الإخوة العمانيين فقط إنما كان يخدمهم ويخدم الطلبة والناس الآخرين عموماً سواء بسواء، وكان النادي نشيطاً إلى درجة كبيرة وكان محور الاهتمام والنشاط فيه حماس واهتمام أبي زكريا نفسه، وكان النادي يقوم بحفلات غنائية ومسرحيات هادفة وأنشطة ثقافية ومحاضرات وما إلى ذلك، ولكن لسفر عبد العزيز للدراسة إلى القاهرة في بداية السبعينيات انتهى نشاط هذا النادي..

ثم التحق عبد العزيز بالدراسة الجامعية بالقاهرة وزاملناه في هذه الدراسة وكان مشاركاً لأنشطة طلبة الإمارات التي تقام في النادي الخاص بهم.. وتخرج عبد العزيز من دراسته الجامعية بالقاهرة وعاد إلى أرض الوطن ليعمل في مؤسساته حتى وصل إلى سن التقاعد.

ويمتاز أبو زكريا، رحمه الله، بالخلق والتدين والبشاشة وحب المرح والسوالف، وهو إنسان اجتماعي منذ أول معرفتنا به في الستينيات، كشفي نشيط متميز مشارك في أحداث وطنه، رحمه الله تعالى،

لقد عاش أبو زكريا في الإمارات على أرض دبي وعشق هذه الأرض وكون له أصدقاء ومحبين فيها، حتى غدا واحداً منهم، واكتسب هويتها وعاش محباً لها ولأهلها، وظل عاشقاً لها حتى آخر نفس فيه، وكنا في السنوات الأخيرة نلتقيه في مجلس الأخ علي بن حسن بالطوار كل يوم جمعة، وكان عبد العزيز كعادته أحد الذين يثيرون الفرح وينشرون السعادة في المجلس بقفشاته وفكاهته وروحه المرحة، إلا أنه لزم منزله أخيراً فلم يعد يخرج منه لظروف المرض الذي ألمّ به، إلى أن وافته المنية آخيراً، وكان حزن أصدقائه عليه كبيراً، فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب.

 

Email