«العمارة في ظل الاشتراكية».. قصص إبداعات عززت انفتاح الشعوب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إنه نوع من الكتب يحدث الكثير من التغيرات الجوهرية في جوهر ووقائع المفاهيم السياسية والإبداعية، الحالية، رأساً على عقب، ففيه نتبين كيف أن الحرب الباردة واشتراكية الدولة وأوروبا الشرقية والهندسة المعمارية للقرن العشرين تبدو كلها مختلفةً في ضوء حقائق مغايرة من نوع فريد، كشف عنها الباحث والمؤرخ المعماري البولندي لوكاس ستانيك في كتابه الأخير «العمارة في ظل الاشتراكية العالمية».

يركز العمل الذي يستند إلى بحث متعدد اللغات، على كيفية تطور المشهد العمراني لعدد من المدن، ما بعد مرحلة الاستعمار، كأكرا ولاغوس وبغداد، التي كانت بغالبيتها نتاج إبداعات وتصورات مهندسين ومخططين معماريين من الاتحاد السوفييتي السابق ويوغوسلافيا وبولندا وألمانيا الشرقية وهنغاريا وبلغاريا ورومانيا. كما أن الكتاب بمضامينه يرسم مخططاً لمشهد جغرافي غريب حيث كان بإمكان المعماري أن يعجز عن عبور بين جهتي برلين بطريقة شرعية، لكنه كان قادراً، بالرغم من ذلك، على السفر عبر أرجاء العالم لإعادة بنائه.

ويوضح الكاتب أن الحكومات في ذاك الزمن تتعامل بخشونة مع الشيوعيين المحليين، إلا أنها كانت ترحب بالغرباء منهم لتخطيط مدنها وصناعتها، وقد جرى الرهان في حقبة السبوتنيك، على أن الممر السوفييتي نحو الحداثة سيكون الأسرع والأعدل.

ومع أننا نعلم اليوم مدى خطأ الفكرة، إلا أن ستانيك يأخذ ما كان يطلق عليه خبراء الاقتصاد السوفييتي «النظام الاشتراكي العالمي» على محمل الجدّ، «ليس كساتر للدخان الأيديولوجي ولا كرؤية طوباوية، بل كواقع قائم في عالم التجارة الخارجية».

لا يندرج كتاب ستانيك في إطار الكتب المصورة لـ«معالم وحشية مذهلة للحرب الباردة من العالم الثالث»، بل يعتبر عملاً رائداً في مجال التاريخ التنقيحي الذي ينبغي أن يقرأ بمنظور يتخطى أولئك المهتمين بعالم الهندسة المعمارية. وهو مع ذلك لا يخلو من الأخطاء، فبالرغم من تشديد الكاتب على المنحى الإفريقي والعربي للأوروبيين الشرقيين وليس العكس، فإن الأوروبيين يبقون في مركز الاهتمام.

ويحقق ستانيك من خلال كتابه إنجازاً عظيماً حيث لا يعيد كتابة تاريخ الحرب الباردة وحسب، بل تاريخ العولمة والحضرية العالمية، التي يتبين أنها مستقاة من صوفيا أو بلغراد كما من نيويورك ولندن وموسكو. وسواء عنى ذلك أن عولمةً أفضل هي خارج نطاق اختصاصه أو لا، فإن ما نعلمه اليوم بأن المدن العالمية كما هي قائمة حالياً ليست الوحيدة الممكنة.

Email