نقّاد وأدباء لـ« البيان »:

الرواية التاريخية تفتقد الحياد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بناء سردي يتأرجح بين واقع وخيال، ينتج بعض الكُتاب ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» متكئاً على الأزمنة أو الأحداث التي أجرت تحولاً في العالم ليوظفها في أحداث روايته. الكاتب كما قال أحد النقّاد: «يحرص على إعطاء كل لحظة قوية وكل مشهد من مشاهد روايته إطاراً زمانياً ومكانياً»، ومن هنا يكون التاريخ قالباً يستوعب العديد من التفاصيل، ويوصل الكثير من الرسائل.

كان هذا الطقس الإبداعي الخاص مثاراً للنقاش، فظهر من ينتقد استخدام التاريخ من أساسه، فـ«التاريخ» كما يقولون «حتى ذلك الذي يدرس في المدارس يتعرض للنقد والشك بمصداقيته، فكيف يمكن الاستناد عليه في الرواية». وهناك طرف آخر يرى في التاريخ وسيلة لدعم العمل الإبداعي، ولديهم الكثير من الأمثلة لروائيين عالميين منهم الروسي «تولستوي» الذي أبدع في روايته «الحرب والسلام» والأسكتلندي «والتر سكوت» الذي يعتبر أول من أصدر رواية تاريخية عام 1814 والمعنونة بـ«وايفرلي» ومنهم الكتاب العرب الذين أبدعوا في السياق التاريخي، منهم جرجي زيدان وأمين معلوف وآخرون. وهذا الجدال بين الرأيين يستند إلى حجج وبراهين، بين من يؤيد استخدام التاريخ بحرفية، ومن يفضل الابتعاد عن الأحداث التاريخية لأسباب مختلفة.

حول هذه الإشكالية تحدث العديد من النقّاد والروائيين لـ«البيان»، موضحين أن الكاتب لن يكون حيادياً عند استخدامه للأحداث التاريخية في الأدب، فهو يبني عليها ليوصل رسائله.

مزاج روائي

الناقدة والشاعرة الدكتورة أمينة ذيبان قالت: هناك 3 بدائل لمعنى المصطلح التاريخي في الرواية وهي رواية «لوكاتش» أو رواية الحرب، بمعنى آخر الهزائم والانتصارات. فنحن لسنا أمام أسئلة الصحيح والخطأ، ولكن أمام انتحال الحقيقة أو سرقة الحدث، هو كذلك في مضامين البناء الروائي أو الخطاب الروائي. وأضافت: هنا أتذكر «ليون الأفريقي» أو روايات جمال الغيطاني، فسوء تقدير الحدث لا يعني إلا سوء فهم الحدث أو تفسيره بمعنى خياطة التاريخ وفق مزاج الروائي.

وتابعت: المسألة في البدائل أننا دون مفهوم المصطلح أو دون تحديد المؤلف أو هو بين بين. وقالت: في المفهوم لا معنى للتاريخ وفق النمط أو السائد أو كما يقال دون فحوى أو ارتجال، لا معنى ولا حقيقة أو من يكتب التاريخ المنتصر أو المهزوم أم (الاثنين). ولسنا مع الحقيقة الوهمية المسيسة أو المنهج الإبراهيمي في خريطة الثقة كما في قضية الفداء أو الذبيحة، لسنا أيضاً مع صدقات الرواة أو الروائيين أو أنبياء الكتابة والكتاب المتعجرفين.

شكل سردي

أشار د. رسول محمد رسول، الروائي والناقد في مجال السرديات الإماراتية والخليجية، إلى أن الرواية التاريخية شكل سردي ظهر في الغرب كما في الشرق ومنه الشرق العربي. وهو شكل جرّبه الروائيون العرب منذ بدايات القرن العشرين، ومنهم جورجي زيدان وغيره في مصر وسوريا ولبنان والعراق، وتالياً في منطقة الخليج العربي. وأضاف: بعض الروائيين العرب يعيشون في بلدانهم، وغيرهم يعيشون في المنافي المتعددة، ومنهم أمين معلوف الذي قدّم نصوصاً روائية ذات بال في هذا الشأن، بل غالباً ما يُعتد بها.

وأضاف: في الإمارات نزلت الرواية الإماراتية لسوق التاريخ فنهلت منه أحداثاً ووقائع، كما هو الحال لدى تجربتي لولوة المنصوري وريم الكمالي، فقد أبدعتا في هذا المجال، وإلى حد ما حتى جاءت نصوصهما تأريخية على نحو سردي. وتابع: استعان غيرهما بالتأريخ واستثمره لصالح بناءات سردية متعددة ولكن بنحو حذر، فالتعامل مع التاريخ فيه صعوبة ويواجه مطبات قد لا يحسب حسابها.

توظيف الحياة

وقال الروائي علي أبو الريش: عندما تسيس الرواية يشوه التاريخ، وأي عمل ابن التاريخ عندما يسيس يكون هناك تدخل مصلحي في القصد، في سبيل وضع مساحيق على وجوه تعيش من الناس. وأوضح: في هذه الحالة يكون الدخول إلى عالم السياسة من بوابة الإبداع، مع العلم أن الإبداع فوق هذه الإرهاصات، في ظل سياسات متقلبة.

وأضاف: يكون هذا عندما تغير السياسة من الثوابت والقيم من ثقافة الإنسان. ومن وحي تجربته أشار إلى أنه نادراً ما يدخل التاريخ في كتاباته.

وقال: أعيش اللحظة التي أعيشها، وما عدا ذلك كله أكاذيب، نقلها المؤرخون الذين ينتمون إلى أيدلوجيات محددة.

وشدد على أن دور الكتاب هو توظيف الحياة وليس التاريخ، فهذه هي الفطرة. وتابع: التاريخ نصنعه نحن وهذا زمننا الحقيقي، بينما في العودة إلى التاريخ الماضي أوجدنا الزمن وشكلنا الأحداث لصالحنا وأبعدنا الهزائم.

رفض المصطلح

ورفض الروائي وليد علاء الدين، مدير تحرير مجلة «تراث»، مصطلح «رواية تاريخية»، قائلاً: هناك تاريخ وهناك رواية، صحيح أن التاريخ روايات، إلا أنها روايات خضعت لمناهج بحث علمي. وعلى الأدب أن يحترم ذلك وإلا أصبح تزييفاً للتاريخ.

وأضاف: لا يعني ذلك أن الأدب لا يجوز له التعامل مع التاريخ، بل بالعكس فإن أحد أدوار الأدب وخاصة الرواية أن تفعل ذلك داخل إطار احترام المعلومة التاريخية.

وأضاف: يحق للروائي استخدام التاريخ وشخوصه وأحداثه، والاستخدام يعني الحق في التشكيك، وفي الاختبار. وتابع: أقصد عبر ألعاب السرد بالطبع، أو في التداخل معها، بطرح افتراضات أخرى غائبة أو مغيبة، أو تجربة منطق الاحتمالات وتبادل الأدوار مع هذه المعطيات ربما قادت لاستنتاجات أخرى. وذكر: هناك من الألعاب السردية الكثير مما يصلح لتعاطي الروائي مع التاريخ من دون تزييفه.

وعن تجربته في كتابة روايته «كيميا»، قال: التزمت إلى حد الوسوسة بالمعلومة التاريخية داخل لعبة سردية راعيت ألا تمس صحة ما ورد من معلومات بشأن أحداث الحقبة والشخوص وحيواتهم، وهو رهان صعب. وأضاف: وثّقت كل ذلك في نهاية الرواية بأرقام الصفحات وأرفقت ثبتاً بما استعنت به من مراجع.

رواية زمنية

وقالت الكاتبة لولوة المنصوري: تجربتي في كتابة «آخر نساء لنجة» لا أعتبرها تاريخية مطلقة بحتة، مع العلم أن بعض النقاد صنفها على أنها رواية متخيلة تاريخياً. وأضافت: أما أنا فأحبذ أن أسميها رواية زمنية أكثر من أن أطلق عليها رواية تاريخية، أولاً لأنني أريد أن أتحرر من شيء اسمه التاريخ، فأنا في حالة شك متواصل في التاريخ. وفسرت: كوننا نتساءل من يكتب التاريخ في الأساس، وهل هو صادق؟ وهل التاريخ الذي كتب لنا عبر العصور المختلفة، وحتى ما يكتب الآن وما يسجل هل نستطيع أن نثق به حرفياً؟

وتابعت: في تجربتي برواية «آخر نساء لنجة» تتقاطع تحولات متعددة باختلاف الأجيال والأزمنة والأمكنة وتحدث اختلافات ثقافية ومعرفية بين الأجيال، وحاولت أن ألمم هذه المشهديات.

إسقاطات عصرية

الكاتب القصصي والمسرحي محسن سليمان قال: لا أعتقد أن استخدام القصة يحتمل بالنسبة لي الكتابة في التاريخ، وهو ما تتيحه الرواية بشكل أفضل. وأضاف: استخدمت التاريخ في مسرحية «لعبة البداية» كنوع من الإسقاط على أحداث العصر الراهن، عندما استخدمت شخصية الانتهازي.

وأضاف: هناك الكثير ممن يستخدمون التاريخ نوعاً من الإسقاط، فيوجد شخصية «والي» أو «نوخذة» دون تحديد من يكونون. وتابع سليمان: منذ 3 سنوات حاول الفنان عبد الله صالح أن ينتج النص مسرحياً، ولكنه طلب التخفيف من هذه الإسقاطات الواضحة، فحاولت أن ألوي ذراع النص، ولم ينتج العمل.

وبالمجمل رأى أن هناك من يستخدم التاريخ نوعاً من الحشو. وفسر قائلاً: قرأت عدداً من الروايات التي أدخل فيها التاريخ، لمجرد زيادة عدد الصفحات. وكان أكثر من فعل هذا، الروائيون الجدد الذين ظهروا في بداية الألفية في حالة من استسهال النشر من جهة، ومن جهة أخرى العمل على كتابة الرواية كواجهة يستند عليها.

Email