تعتبر مشروعها الفكري الحضاري «زها» هدية خاصة للإمارات

أسماء أحمد تمد جسور التعارف بين الثقافات

أسماء أحمد | تصوير: زافيير ويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ نعومة أظفارها، تعودت الفلسطينية أسماء أحمد الركض وراء أحلامها، تلك التي تستلها من بين ثنايا حكايات جدتها "زها"، التي تجاوزت عتبة الـ 94 عاماً، كبرت أسماء وهي ترى في حكايات جدتها عالماً جميلاً وواسعاً. تلك القصص ظلت معلقة في ذاكرة أسماء، تحملها معها في حلها وترحالها، وتعتبرها زادها في أي أرض تشد الرحال إليها، مستفيدة من جملة الثقافات التي تعرفت عليها خلال رحلتها من فلسطين إلى بريطانيا، التي اختارتها مكاناً للدراسة، ومن ثم عودتها إلى بلدها لتبدأ بشق طريقها المهني، الذي قادها نحو الكويت، لتتفرع منها نحو دول عربية وأجنبية عديدة، لتستقر أخيراً في الإمارات، حيث رأت بين حدودها تربة خصبة، تصلح لأن تُزرع فيها بذرة مشروعها الإنساني، الذي تمد من خلاله الجسور بين ثقافات الدنيا، فاتحة المجال أمام الجميع للتعرف على الاخر، والتواصل معه.

"زها" هو الاسم الذي اختارته أسماء لمنصتها، مستلهمة إياه من اسم جدتها، تلك التي لا تزال برغم كهولتها قوية، تحرث الأرض وتزرعها في بلدها الأصلي، لتوزع أسماء مشروعها على عناصر عدة منها "زها تذوق"، و"زها حرفة"، و"زها لاجئ"، و"زها مزيج"، حيث لكل واحدة منها طريقتها ونكهتها، في وقت اعتبرت فيه أسماء مشروعها "هدية خاصة" للإمارات، التي احتضنتها، وفتحت أمامها الأبواب لتنفيذ فكرتها، وفق ما قالته لـ "البيان"، حيث أكدت أن المشروع نجح حتى الان في عقد 19 تجربة، استقطبت أكثر من 100 شخص، كل واحد منهم يمثل ثقافة مختلفة بعضها عربية الهوى، وأخرى لا تنطق بلسان عربي.
 

تحد
مذ كانت في عمر السابعة، تعلمت أسماء كيف تتغلب على الوجع، وأن تحول التحدي إلى فرص يستفيد منها الجميع. تقول أسماء: " ما شهدته في حياتي من أوجاع وتجارب، ساهمت في تنمية قدرتي على خلق أسلوب حياة خاص بي، ما دعاني للاستفادة من هذه التجارب، وبناء فكرة مشروع "زها" التي اعتبره بمثابة رحلة خلق لحراك ثقافي واسع، عبر مساعدة الناس لأن يكون لديهم مصدر معرفي قوي، ويعينهم في إعادة النظر في أنفسهم وفي الاخر".

في مشروع "زها" لم تتعود أسماء الانتظار لأن تأتي إليها الثقافات، فهي تبادر إلى التواصل معها، لاعتقادها أن "الثقافة ليست المكان الذي يأتي منه الاخر، وإنما هي مجموعة قواعد موجودة بداخلنا تسمح لنا بالحكم على الآخر"، قائلة: "عالمنا يتسع لأكثر من 7 مليارات ثقافة يمكننا جميعاً الاحتفاء بها، عبر فهم عواطف الناس، وأحاسيسهم بالدخول إلى مخزونهم الثقافي". وتقول: "لا يمكننا الدخول إلى عوالم الثقافات من دون الاستماع إلى القصص الإنسانية التي تميزها، ولذلك نتعمد خلال تجربة "زها تذوق" التي تمتد لساعتين، الاستماع لقصص إنسانية مختلفة يرويها أصحابها الذين يمثل كل واحد منهم ثقافة ما، لنفتح في الساعة التالية مجالاً أمام الجميع للتعرف على ثقافة الشخص "المستضيف" أو "المايسترو" (كما تسميه) من خلال تذوق بعضاً من أكلات بلاده".
وتشير إلى أن الهدف من ذلك هو تقديم تجارب ثقافية في إطار حسي، يركز على الجوانب غير الملموسة في الثقافة نفسها، مبينة أن ذلك يمنح المجال للتعرف على جهود الناس الذين يقفون وراء المنتجات الغذائية، ما قد يفتح المجال أمام الجميع للتعامل معها حسب ما يرونه مناسباً.
استقطاب
في يناير الماضي، رأى مشروع "زها" النور، ورغم أنه لا يزال يحبو، ولكنه استطاع استقطاب أناس كثر، تجاوز عددهم حاجز المائة، ممن شاركوا في أكثر من 19 تجربة، معظمها تمت تحت اشراف أسماء، التي تقوم حالياً بتدريب أشخاص آخرين على قيادة وتنفيذ تجارب أخرى، في بلدانهم وأماكن تواجدهم. وتقول: "زها هي عبارة عن تجربة حسية ثقافية، الهدف منها تعزيز قيم تقبل الاخر والتعاطف الشخصي عبر تطوير المعرفة بالتواصل معه".

انفتاح
تعتبر أسماء أنه لم يكن لمشروعها أن يرى النور لو وجد في أرض أخرى غير الإمارات، أرض السعادة والتسامح. وقالت: "أعتقد أنه كان من الصعب أن أبدأ بهذا المشروع في أي مكان آخر بخلاف دبي، التي تمتلك تنوعاً ثقافياً عالياً، فهي المكان الأمثل لبناء نموذج زها بطريقة جميلة يمكن له الانطلاق نحو العالم، خاصة في ظل وجود دعم حكومي واضح لفكرة الانفتاح المدروس على الاخر، وفق استراتيجيات مدروسة". وأضافت: "زها هديتي الخاصة إلى الإمارات التي احتضتني وأتاحت المجال أمامي لتنفيذ المشروع"، مشيرة إلى أن تواجدها في مراكز شباب المستقبل بدبي، وتواصلها مع اكسبو دبي 2020 واعجابهم بالفكرة، قد حفز في نفسها العمل على المشروع، لينطلق من الإمارات نحو العالم.

Email