«مجلس إرثي» يمكّن المرأة بمشروع متكامل

إماراتيات ينسجن مشغولات تراثية عصرية

مشغولات تعكس هوية المجتمع الإماراتي وذاكرته ــ المصدر

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مسافة 125 كيلومتراً تمتد شرقاً من قلب الشارقة تقع دبا الحصن، وعلى مساحة تسعة كيلومترات مربعة يعيش قرابة 30 ألف نسمة من سكان الشارقة، هناك وفي مركز برنامج بدوة للتنمية الاجتماعية التابع لمجلس إرثي للحرف المعاصرة، تعمل 37 سيدة في صناعة التلي والسفيفة ليقدمن مشغولات تراثية بأساليب معاصرة تعكس هوية المجتمع الإماراتي وذاكرته.

«كجوجة»

يجد الزائر للمركز مجموعة من السيدات تتراوح أعمارهن بين 40 و65 عاماً يعملن دون كللٍ أو ملل ينسجن خوص النخيل بأشكال هندسية ليصنعن قطعاً فنية تأخذ طريقها لتكون جزءاً من أطقم طعام، ومشغولات عصرية، فيما على الجانب الآخر تصطف حرفيات أخريات مشغولات بنسج التلي، حيث تتدلى بكرات الخيوط من مخدات النسج الموضوعة على «الكجوجة» المعدنية التقليدية.

من هذا المركز يقدّم إرثي مشروعاً متكاملاً لتمكين المرأة الإماراتية مهنياً واجتماعياً ودعم صناعة الحرفة التراثية والحفاظ عليها، إذ يفتح الباب أمام هذه الحرفيات لتقديم أعمالهن للعالم بأسره، مستعيدات بذلك السيرة التاريخية لمدينة دبا الحصن، التي يروي تاريخها أنها عرفت بهذا الاسم نسبة إلى سوق دبا المعروف بأنه من أسواق العرب قبل الإسلام مثل سوق عكاظ، كان يجمع بين تجار جزيرة العرب والهند والسند وبلاد فارس والصين.

وراء كل واحدة من حرفيات مركز «بدوة» حكاية، لا ترويها مهاراتهن في صناعة قطع التلي والسفيفة وحسب، وإنما ذاك الحضور العالمي الذي بات هوية التراث الإماراتي أمام العالم، والفن الذي يلتقي مع فنون عصرية في أعمال ومشغولات تدخل المزادات ودور العرض العالمية، هذا ما تؤكده شريفة الظهوري، تنفيذي أول في برنامج بدوة للتنمية الاجتماعية بمجلس إرثي للحرف المعاصرة إذ تقول في حديثها لـ«البيان»: «نجح مركز إرثي للحرف المعاصرة وعبر منصة بدوة أن يُحيي حرفاً أصيلة في الثقافة الإماراتية وينقلها إلى الأجيال الجديدة، وفي الوقت نفسه يجعل منها نافذة لتمكين النساء الحرفيات وتأمين مصدر دخل مستدام لهن، ليحقق بذلك رؤية قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المؤسس والرئيس الفخري لمجلس إرثي للحرف المعاصرة».

أساليب مبتكرة

يظهر دور مركز بدوة في رعاية الحرفيات وتطوير مهاراتهن، حين يستمع الزائر إلى قصة الحرفية شيخة محمد شبيب، حيث تعلمت الحرفة من والدتها منذ الصغر وظلت تمارسها في مشغولاتها الخاصة إلى أن جاء المركز وعرّفها على مجموعة من الحرفيات الماهرات التي راحت تتبادل معهن الخبرات، وتجرّب معهن أساليب مبتكرة في صناعة السفيفة تضيف إلى المشغولات جماليات جديدة وتسمح بتوظيفها مع فنون وقطع فنية أخرى.

إن شراكة الشغف بالتراث والحرف، التي جمعت فريق «إرثي» وحرفيات مركز «بدوة»، أثمرت تصاميم مبتكرة منحت التلي بعداً جمالياً جديداً وطابعاً معاصراً عبر تداخل عناصر وأنماط مختلفة.

لم يشكّل «بدوة» منصة للقاء الحرفيات وتمكينهن وحسب، وإنما بات نافذة محلية تنفتح أمام العلامات التجارية العالمية، إذ أطلقت العلامة التجارية الدولية للأزياء التي تدعم مجتمعات الحرفيين التقليديين «أوول ثينغز موجي» (All Things Mochi)، بالشراكة مع مجلس إرثي للحرف المعاصرة، مجموعة رمضانيّة حصرية من الأزياء النسائية المطرزة بتصاميم التلي الإماراتي، متضمنة أكثر من 600 متر من تطريزات التلي، التي أبدعتها 36 امرأة إماراتية من حرفيات برنامج بدوة للتنمية الاجتماعية.

حرفة «السدو»

شكلت تلك الشراكات العالمية وغيرها دافعاً للحرفيات وفرصة للكشف عن مهاراتهن وفنونهن أمام العالم فلم يكتفِ برنامج «بدوة» بتطوير مهاراتهن في صناعة التلي، والسفيفة وحسب، وإنما يخطط لتوظيف حرفة السدو، القائمة على نسج بسط وقطع فنية مصنوعة من خيوط وبر الجمل، وصوف المواشي.

هذا ما تكشفه الحرفية آمنة علي الظنحاني وهي تنسج واحدة من قطع السفيفة المعروفة في التراث الإماراتي إذ تقول: «لم نكن يوماً نتوقع أن أعمالنا التقليدية ستأخذنا لعرضها أمام المصممين العالميين في بريطانيا، أو إيطاليا، الأمر الذي شجعنا لنعلم هذه الحرف لمتدربات جديدات في المركز يأخذن عن الحرفيات الكبار فنون الحرف وأساليب صناعتها».

جهود

تتواصل حكاية برنامج «بدوة» بجهود عالمية ومحلية تستمر فيها الحرفيات بالعمل والتعلم والابتكار، ليحققن مصدر دخلهن، ويعبرن عن هوية الثقافة الإماراتية أمام العالم.

Email