ندوة عن الشاعر الراحل حضرها نقاد ومفكرون عرب

بصيرة البردوني وشعره يتوهّجان في فضاء «العويس»

عمرعبد العزيز يتوسط فيصل خرتش وهمدان دماج خلال الندوة تصوير – ناصر بابو

ت + ت - الحجم الطبيعي

قصائد الشاعر اليمني عبد الله البردوني لا تتوقف عن الدوران، تتنفس الأحداث وترتدي المعاصرة في كل الأزمنة رغم مرور 19 عاماً على رحيله.

وكأنها أبصرت النور اليوم، تأخذ أبياتها في كل حالاتها الانفعالية تارة والهزلية تارة أخرى دلالات وإشارات فلسفية، تعيد اكتشاف نفسها وحبكاتها في كل مقام يذكر فيه البردوني.

واحتفاء بالشاعر الراحل قدمت مؤسسة العويس الثقافية الجزء الأول من ندوة «البردوني الشاعر البصير» مساء أمس الأول بحضور نخبة من النقاد والكتاب والمفكرين العرب في الملتقى منهم:

د. شــهـــــاب غــــانــــم، و د. علي جعفـر العـلاق من العراق، وفــيـــصــل خـــرتـــش من سورية، وهـــــمـــدان دمــــــاج من اليمن، وأدار الجلسات بدرية الشامسي، و د. عمر عبد العزيز من اليمن، الذين شاركوا جمهور الحضور بالمؤسسة أطروحات وأوراقاً بحثية تناولت جوانب مثيرة في حياته وسماته الشخصية وقصائده النوعية.

سمات وجدانية

وتناول الدكتور همدان دماج نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني خلال مداخلته قراءة في حياة البردوني وتعدد السمات الأسلوبية في شعرالبردوني منذ بداية تجربته الطويلة، حيث اكتسب شعره خصائص متعددة، مستمدّة من شخصيته المتفردة كإنسان شجاع متمرد على الواقع، وشاعر مرهف متألم، ودارس عميق للتراث.

ومفكر ثائر مناكف للظلم والظلام الذي ذاق مراراته في طفولته القاسية. وإذا كان الجدري قد أطفأ الضوء في عيني البردوني وهو لا يزال في الخامسة من عمره؛ فإنه لم يتمكن من إطفاء جذوة بصيرته التي كشفت له ما احتجب عن غيره. وتابع دماج:لا شك أن معاناته في طفولته قد تركت في نفسه آثاراً عميقة.

وجراحات غائرة، كان لها دور كبير في تشكيل وجدانه وسمات شخصيته التواقة للخير والعدل، التلقائية والمنفلتة من كل أنواع القيود واليأس، كما كان لها وللقضايا العامة التي آمن بها لاحقاً وكرّس من أجلها جلّ حياته، تأثير واضح على شعره، الذي جاء محمّلاً بعبق أنفاس الحياة والحرية والإنصاف.

شعراء البصيرة

«كل من يتناول فرضية تبدل الأزمان وخلود المبدعين، وتقنيات ما أبدعوه، لا يمكنه أن ينسي الشاعر اليمني والناقد والمؤرخ عبدالله البردوني» هكذا استهل الروائي السوري فيصل خرتش، قراءته لحياة الراحل والتي تناول فيها سمات المقاربة والتشابه بين أبو العلاء المعري وطه حسين، والبردوني، قائلا:

كما سافر طه حسين إلى القاهرة، سافر البردوني إلى صنعاء، كما رفض الأول أن يكون مقرئاً، كذلك رفض البردوني ومن قبلهما المعري أن يكون مقرئاً إنهم لم يخلقوا لهذا، كل ميسر لما خلق له، لقد قرروا جميعا ومع سبق الإصرار أن يكونوا مبدعين.

نضج الفكاهة

وحول الحس الفكاهي في شعره أكد الدكتور شهاب غانم: إن سخرية البردوني من لحم ودم، فقارئ شعره في هذا المنحى أو المستمع إليه يلمس بوضوح تام أن معانيه وصوره وتعابيره وأخيلته لم تُستجلب من القاموس الذي يعلوه غبار الأزمنة أو تُستحلب من التراث الشعري لمن سبقوه، إنما جاءت من صُلب واقعه المادي المعاش وتجربته الشعرية الخاصة.

بالنظر إلى شعر البردوني المنشور في مجموع أعماله المطبوعة في مجلدين اثنين سنلحظ أن عاملين رئيسين كان لهما تأثير كبير في إنتاج خاتمة القصيدة لديه، وهما: نضج التجربة الشعرية، وموضوع القصيدة.

اعتماد شعري

وأشارالدكتور علي العلاق خلال ورقته «لطائف القصيدة البردونية: كانت قصيدة» أبو تمام وعروبة اليوم «بمثابة ورقة اعتماد شعري استثنائية كرست صلته الشعرية لا بأبي تمام تحديداً بل بالشعر الحقيقي الذي اتسم في بداياته في الخمسينيات والستينيات الميلادية بميل بيّن إلى نهايات يقينية مغلقة، وغير محفزة.

وتزايدت دقته في صوغ النهايات الشعرية مع نضج تجربته الفنية في أواخر السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات مع بدء الاتجاه بصورة واضحة إلى نهايات مفتوحة ومحفزة على الإنتاج الدلالي. أما ما يتصل بموضوع القصيدة فيمكننا أن نشير إلى تجربة الشاعر في القصائد الوطنية والقومية وقصائد المدح النبوي التي بنيت على الخاتمة اليقينية المغلقة.

بينما كانت في قصائد الغزل ومناجاة الذات والزمن متجهة إلى النهايات المفتوحة، التي تنبني على الشك بوصفه وقودًا لها، فاتكأت على الأسئلة والتلميحات والمفارقات، وبدت منتجة للدلالات».

جائزة الشعر

يذكر أن الشاعر اليمني الراحل قد فاز بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في حقل الشعر عام 1992/ 1993 -الدورة الثالثة، وقد جاء في حيثيات الفوز أن لجنة التحكيم منحت جائزة الشعر للشاعر عبد الله البردوني بوصفه علامة على الشعر العمودي الحديث.

حيث قدم القصيدة العربية بوجه جديد وبروح عصرية، وآلف بين الإيقاع العريق والتحديث اللغوي، فجمع بذلك بين مزايا العمودية ومكتسبات الحداثة، فهو رمز لهذا النوع من الإنجاز الشعري المعاصر

Email