«نصوص الأرض» تتحدى الدمار وتنحاز لمكامن الجمال

ت + ت - الحجم الطبيعي

نصان مسرحيان تسكنهما دلالات غنية عن قيمة الأرض وأهميتها في حياتنا، بناسها وبيئتها ومكوناتها، نتعرف إليهما في كتاب «نصوص الأرض»، للكاتب أحمد سراج، وهما تحت عنواني: «بطل الغروب» و«السيف الأعمى». إذ تتجاوز «الأرض» في العملين، بما تحمل من ملامحها المادية.. فتكتسب بعداً روحياً وقيماً عليا، حتى إن التحقق الإنساني ذاته لا وجود له من دون ذلك الحضور المعنوي الباقي دوماً للأرض.

وتبدت الأرض في مسرحية «بطل الغروب»، باعتبارها الهدف والغاية، فكل ما دونها يهون من أجل أن تبقى لأهلها حرة، ولا يستولي عليها محارب غادر، مهما كانت قوته، ومهما كلفت من قتلى لبقائها حرة، ومهما طال أمد الصراع. وهذا بالضبط ما سعى الكاتب ﻹبرازه، من خلال تيمة أو لنقل حكاية قديمة نعرفها، وكم من مرة سمعناها مع «الشاعر» وقرأناها في أجزاء من الكتب.. تلك هي سيرة «أبو زيد الهلالي».

وتناول وأدرج الكاتب رؤيته قبل ذلك، ومن أجل تحقيق تلك الرؤية، مارس تلك المعالجة الفنية الجديدة للسيرة التراثية القديمة، من خلال اﻹشارة إلى الفكرة المحورية، ﺇعادة معالجة لبعض من ملحمة سيرة أبو زيد الهلالي.. حيث لم يتعامل ﺇلا مع شخصيات محددة العدد ومواقف محددة، وبعيداً عن التمائل مع النص الأصلي، بل هي ﺇعادة تشكيل لشخصية الزناتى خليفة «ملك تونس»، وهو البطل الأثير، الذي تبنى شعار وهدف حماية أرض «تونس» وحسب.

وأيضاً، رسخ الكاتب لشخصياته الدرامية بغير ما نعرفه عنها، فلم يكن أبو زيد هو هو.. ولا الخفاجي عامر الملك الوافد من بلاد الرافدين هو هو.. ولا أي شخصية كانت، ولا حتى الزناتي خليفة.

وترك سراج كل التفاصيل التي يمكن أن تكون مشوقة ومثيرة للقارئ، وفضل التوقف مع شخصية الملك التونسي المخلص لأرضه وشعبه.. وهنا مربط الفرس!

ومن أقواله التي صاحبت أفعاله: في مواجهة بين «عامر» و«الزناتي» للقتال دار الحوار بينهما قبل المبارزة، وهناك قول الزناتي: «واجبي يا بني أن أدافع عن بلادي.. لا أملك غير هذا».

وفى رؤية أخرى للأرض، جعلها مبرراً منطقياً للغزو والصراع والحروب، فهي ليست خفية عن التفكير لمجموعة القاطنين عليها، ﺇن سلباً أو ﺇيجاباً.. ففي حوار قصير بين «أبو زيد» و«الزناتي»، الذي أصيب بعد المعركة مع عامر، ولولا الغروب لتمكن عامر من الفتك به، يقول أبو زيد: «الأرض لله.. وعندكم خير وعندنا قحط..» .. فيرد الزناتي: «لهذا أبقيتم زغابة نجد بعيداً يرعون اﻹبل.. لو شئت رأيي.. فعودوا ﺇلى بلادكم».. هنا بدت الأرض هي العنصر المشترك عند المعتدى عليها والمدافع عنها، ولكل رؤيته ورأيه.

وفي مسرحية «السيف الأعمى»، يشير الكاتب إلى أن النبوءة من أهم ملامح المنجز الشعبي، وقد قسمها البعض ﺇلى «نبوءة أساسية» وأخرى أو أخريات فرعية. فالأولى تلك التي بنى عليها العمل الفني.. والأخرى تتابع الأولى على مجرى حياة صاحب السيرة أو البطل الشعبي. وعادة ما تكون النبوءة على شكل أحلام.. أو عن طريق العرافة أو العراف، أو بأي شكل آخر مما هو شائع في زمن السيرة. كقراءة الرمل والفراسة، والتنجيم.

ويبين المؤلف أن النبوءة من عناصر تشكيل السير الشعبية، ومرتبطة بداية بمولد البطل.. ذلك الحدث الهام والخطير في بدايات السير، لتبدأ النبوءة قبل أو بعد الميلاد، وفي ضوئها يتشكل مصير البطل، بل والأحداث كلها. خصوصاً إذا أضافت السيرة «نبوءة الموت».. موت البطل. فلا حيلة إلا بالنظر ﺇلى تلك النبوءة قبولاً أو رفضاً!

إن جوهر الصراع في تلك المسرحية، ينبع أساساً من خوف الملك ممن سيسلبه عرشه، حسب نبوءة العراف، بواسطة ذلك الطفل الذي ولد يوم تنصيب الملك على العرش، ما يعني أن الوليد أصبح شاباً عفياً في الثانية والعشرين من العمر، وهي فترة بقاء الملك على عرشه، والمهدد بالقتل في يوم الاحتفال بتنصيبه.

وتتوالى المواقف والأحداث والمشاهد، ليبرز قدر القلق والتوجس والخيفة التي عليها الملك.

بوصلة

تتجلى العلاقة مع الأرض في الكتاب، من خلال نصيه، مع اقتراب الأعداء إلى موقع ومقر الأشخاص الذين يتحدث عنهم. وقد بدت إحدى المسرحيتين، رداً على سؤال قد تثيره المسرحية الأخرى: وماذا بعد كون الأرض هي بوصلة العمل الصالح لكل مخلص في البلاد؟ وهو ما أوضحه المؤلف سراج، مبيناً أن يتولى الأرض حالها كحاكم عادل، لا يبطش بسيفه الأعمى.

Email